جمال أحمد خاشقجي

وجاء دور وزارة التجارة الحقيقي الآن ... مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، ارتفعت الأصوات الصارخة، أين جهات الرقابة في وزارة التجارة، أين حماية المستهلك؟

لم يقتنع أحد بأن وزير التجارة لا يملك حق أن يرفع سماعة الهاتف ويتصل بالمورد أو المصنع ويأمره بإعادة الأسعار إلى ما كانت عليه.

والحق أن معالي الوزير لا يملك هذا الحق، فالتجارة وكرروا معي - ولله الحمد - في بلادنا حرة، ولو لم تكن كذلك لما امتلأت الأرفف في أسواقنا بمختلف السلع، ما نحتاج منها وما لا نحتاج، كما أن التزاماتنا الدولية و تحديدا عضوية المملكة في منظمة التجارة العالمية تمنع الدولة من التدخل في حرية التسعير، ولا ننسى أن هذا مبدأ إسلامي سبق رسول الله - صلى الله عليه والسلام - منظمة التجارة في تشريعه قبل 1400 سنة.

ولكن وزارة التجارة تمتلك حقا آخر، مؤسسا على نظام معتمد بمرسوم ملكي هو نظام المنافسة يلزمها بالتدخل في 3 حالات، هي الاحتكار والتخزين والإغراق، وكل ما سبق أدوات غير نظامية مضرة بحرية التجارة وبمصلحة المستهلك.

وهذا ما فعله الوزير السبت الماضي عندما اجتمع بأصحاب مصانع الألبان، إذ بدا أن ثمة quot;اتفاقاًquot; بينهم على رفع أسعار منتجاتهم، وهو الخبر الذي تسعد quot;الوطنquot; quot;صحفياً فقطquot; أنها انفردت بنشره يوم الخميس الماضي، ثم تبعها من تبعها، وعلى الإدارة القانونية في وزارة التجارة أن تصدر حكمها فيما إذا كان هذا quot;التوافقquot; يرقى إلى تواطؤ يخالف نظام المنافسة، ولو ثبت ذلك يمكن حتى أن تفرض الوزارة عقوبات على المتواطئين.

هذا هو الدور الصحيح والصحي لوزارة التجارة، لا أن تتدخل لفرض سعر، فحتى لو بدا ذلك مغريا للمستهلك، إلا أن نتائجه في المدى البعيد مضرة له ومتعارضة مع مصلحة السوق.

يجب أن ندعم روح المنافسة، فهذه المنافسة هي التي أبقت الأسعار معتدلة لسنوات طويلة. وليس سراً أن الذي منع على سبيل المثال المتنافسين الكبار في المشروبات الغازية من رفع سعر عبوتهم الشهيرة quot;أبو ريالquot; إلى ريالين أو أكثر، هو ذلك المبدأ الرأسمالي النبيل quot;المنافسةquot;.

لقد كان الواحد منهم يتضور ألماً وهو يرى أسعار العبوة نفسها في أوروبا أضعاف سعرها عندنا، فيحسب كم ستكون عائداته لو ضاعف سعرها، لا تصدقوهم لو قالوا إنهم حافظوا على سعرها quot;ريال واحدquot; محبة للمستهلك، وإنما هو مبدأ المنافسة والنظام الذي يمنعهم من الاتفاق بل يحسابهم على ذلك لو فعلوه، والسبب الآخر هو انعدام الثقة بينهم، كأن يرفع أحدهم السعر ويبقي الثاني على سعره ليوسع حصته من السوق.

و يبدو أن هذا ما حصل من قبل مصانع الألبان ومن بعدها تعبئة المياه، فالأسعار لا ترتفع جماعيا بدون تنسيق، وفي التنسيق حتى بدون اجتماع وأوراق شبهة التواطؤ المخالف لنظام المنافسة، ولو لم يكن هناك تنسيق لما كانت زيادة تحصل في يوم واحد، والأصل هو حالة المشروب الأزرق ومنافسه الأحمر، يتنافسان فلا يرفع أحدهما سعره مخافة أن يستفيد الثاني.

وهنا يأتي الدور الحقيقي المطلوب من وزارة التجارة بفرض قواعد السوق الحر على المصنعين وحماية نظام المنافسة التي تبقي الأسعار معتدلة وتحسن الجودة والخدمات، دون أن تخل أيضا بمصالح التجار والاقتصاد الوطني عامة.