تشارلس كروثامر - واشنطن بوست

laquo;والدتي كانت دائما تقول إن الديمقراطية هي أفضل ثأرraquo;.. بيلاوال بوتو زرداري (نجل الراحلة بي نظير بوتو)

ليس هناك ما هو أكثر خطأ في فهم الديمقراطية من المفهوم أعلاه. فالديمقراطية في جوهرها تعارض مفهوم الانتقام الذي كانت تشير إليه بي نظير بوتو.

الانتخابات وسيلة لاستعادة السلطة بالنسبة لأسرة بوتو. فقد كانت بي نظير تحاول باستمرار أن تثأر لمقتل والدها، رئيس الوزراء السابق الذي اعدم. والآن بيلاوال يعتزم فعل الشيء نفسه للثأر لمقتل والدته. كما أن حزب الشعب الباكستاني ظل باستمرار مملوكا للأسرة، ويظهر ذلك جليا في السرعة التي سيطر بها زوج بي نظير ونجله على الحزب عقب وفاتها.

يفترض في الديمقراطية أن تكون نقيضا للإقطاع. فالسيادة الشعبية يجب أن تحل محل الحق المقدس. من الواضح أن بيلاوال يريد أن يطبق القول المأثور لوالدته الراحلة، وذلك من خلال الثأر للاغتيال السياسي ليس من خلال العنف وإنما عبر صناديق الاقتراع. رغم ذلك، ثمة تصادم بين نزعته الأرستقراطية وإخلاصه للوسائل الديمقراطية.

والدته كانت أيضا الصورة. فقد وصفت في أكثر من تحقيق صحافي بأنها laquo;ديمقراطية ذات ولاءات إقطاعيةraquo;. ويمكن القول أن عدم استقرار ديمقراطية باكستان سببه على وجه التحديد أنها لا تزال مجتمعا أقطاعيا يمارس أشكالا ديمقراطية.

إلا أن باكستان ليست وحدها في ذلك. ففي نفس الأسبوع الذي أوشكت فيه باكستان على الانفجار داخليا تحولت انتخابات الرئاسة الكينية الى عنف قبلي. هذه الأحداث الدامية جاءت على خلفية هزائم متعددة لفكرة الديمقراطية. روسيا، على سبيل المثال، قد أذعنت للأمر عندما تعرضت ديمقراطيتها الوليدة للتفكيك على نحو منتظم تحت ظل حكم القيصر فلاديمير بوتين، فيما لا تزال الصين تضع مراقبة اقتصاد السوق وتحديث المجتمع تحت يد دكتاتورية لينينة. ترى، بعد كم عقد من الزمن سنعترف بأن الحقيقة المقررة المتمثلة في أن تحرير الاقتصاد يقود الى تحرير السياسة ربما لا تكون أمرا بديهيا؟

يأتي كل ذلك بعد أن أعطى الفلسطينيون في أول انتخابات بعد وفاة ياسر عرفات تفويضا لجماعة متطرفة، وفي وقت يتفرج فيه لبنان على القوى التي تعمل لصالح سورية بالوكالة تقتل نائبا برلمانيا بعد الآخر بغرض حرمان الديمقراطيين من النصاب اللازم لانتخاب رئيس للبلاد.

هذه الهزائم تتوج فترة ثلاثين عاما من سيادة الموجة الديمقراطية التي اجتاحت أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وشرق آسيا بل حتى أجزاء من أفريقيا، مما يثير أكثر من أسئلة نظرية.

فهي تتحدى فكرة بوش الأساسية التي ترى أن السياسة الخارجية لإدارته تستند إلى السعي لنشر الديمقراطية في العالم. لكن بعد ستة أعوام على هجمات 11 سبتمبر ما زال هناك غياب لأي بديل يحل محل نظرية بوش التي تستند على تغيير الثقافة التي تولد التطرف. لكن بينما قد يكون نشر الديمقراطية ضروريا يطرح السؤال التالي: هل يمكن تحقيق ذلك؟

نحن نعلم أن ذلك ممكن بالتأكيد مثلما تؤكدها التجارب الناجحة في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية بتحويلها إلى بلدان حليفة ديمقراطية. لكن الامتياز الذي كان سائدا آنذاك يتمثل في غياب أي قوة مواجهة بعد الحرب العالمية الثانية.

ما هو المطلوب ضمن ظروف تمنح سيطرة أقل بكثير مما حدث آنذاك؟ احترام صحي للقوة المحلية الباقية والاستعداد للتكيف معها.

في أفغانستان هذا يعني قبول اللامركزية الراديكالية وسلطة زعماء الحروب. وفي العراق هذا يعني التخلي عن المركزية على الأقل مؤقتا ومنح استقلال ذاتي إقليمي وعشائري في أحسن الطرق لإنتاج مؤسسات تمثيلية فعالة.

وفي باكستان هذا يعني القبول بالوجود الثابت للسياسات الاقطاعية والدور المتفوق للجيش، المؤسسة الضامنة للدولة على حساب إعطائها سلطة دستورية إضافية. كذلك يعني حقيقة أن برويز مشرف بغض النظر عن الالتباس في حقيقة دعاواه الديمقراطية، يجب عدم التخلي عنه لأن سقوطه يؤدي إلى الطوفان.

أدركت كنيسة روما أنه من أجل نشر عقيدتها يتطلب الأمر قدرا من التسامح من أجل دمج بعض الممارسات ما قبل المسيحية كطريقة لتعزيز الدين الجديد وإعطائه جذورا محلية. ولنشر الديمقراطية اليوم نحن بحاجة إلى ممارسة نسختنا التوفيقية الخاصة وتعلم عدم التخلي عن الساحة حينما نجبر على القبول بالتكيف الإقليمي الذي لا يغطي تماما الحلم الجيفرسوني.