عبد اللطيف سعود الصقر
تتسم الحكومة المنفتحة باهتمامها الشديد بالديمقراطية لأنه لا يمكن مساءلة الموظفين العامين, ولا يمكن للمواطنين تحديد اختيار انتخابي مستنير ما لم تكن هناك معلومات دقيقة متاحة عن نشاط الحكومة وعن آثار سياساتها, ويجب أن يعد الحصول على هذه المعلومات حقاً للمواطنين ولوسائل الإعلام نيابة عنهم, لا مكرمة من الحكومة, طالما أن جمهور الناخبين هو الذي يدفع تكاليف سير عمل الحكومة, ويجب من ثم أن يعرف ما يحصل عليه مقابل ما يدفعه, ويعرف ما يجري عمله باسمه, ورغم أن توفير امكانات الحصول على هذه المعلومات كثيراً ما يتعرض للنقد باعتبار أنه بذاته استهلاك للموارد العامة, فإنه يقدم اسهاماً خاصاً في كفاءة الحكومة وفي المساعدة على كشف أوجه الهدر ومنع الفساد والتعرف على أخطاء السياسة قبل أن تترسخ بمرور الزمن, وهو أيضاً عنصر مهم لحماية الحريات المدنية للأفراد في الاطلاع على الملفات الشخصية التي تحفظها عنهم الحكومة ووكالاتها.
فماذا نعني بالتحديد حكومة منفتحة? يمكن النظر إلى الحكومة المنفتحة على أن لها أربعة محاور رئيسية أولها قيام الحكومة بتوفير معلومات وقائعية عن سياساتها الأساس الذي ترتكز عليه, وآثارها عملياً, وكلفتها, والقواعد التي تحكم تطبيقها, وما إلى ذلك وثانيها إمكان اطلاع الأفراد والصحافة على الوثائق الحكومية, سواء بطريق مباشر أو غير مباشر عن طريق البرلمان, ويشمل ذلك إمكان اطلاع الأفراد المعنيين على الملفات الشخصية الخاصة بهم, وثالثها انفتاح الاجتماعات للجمهور والصحافة, ويمكن أن يتراوح ذلك بين اجتماعات البرلمان ولجانه ورابعها تشاور الحكومة بصفة منتظمة مع أصحاب المصالح المعنية في صوغ وتنفيذ سياساتها, ونشر المعلومات والمشورة التي تتلقاها على هذا النحو.
وهل هناك أي استثناءات على مبدأ انفتاح الحكومة? تشمل أنواع المعلومات التي يمكن عادة تبرير مشروعية سريتها في نظام ديمقراطي ما يلي مداولات رئاسة الوزارة والمشورة السياسية التي يقدمها الموظفون المدنيون إلى الوزراء, والمعلومات التي يكون من شأن نشرها أن يضر بالدفاع الوطني, أو بأمن النظام الديمقراطي أو بالسلامة البدنية للأفراد, والأسرار التجارية للمؤسسات الخاصة, والملفات الشخصية إلا بالنسبة للأفراد المعنيين, في عصر الحكومات المحدودة فيما قبل القرن العشرين, كان يسود الاعتقاد بأنه يكفي لضمان انفتاح الحكومة ضمان حرية الصحافة, أما اليوم حيث نشاط الدولة أكثر تشعباً وأبعد مدى بكثير, فإن أقوى الضمانات لحرية الصحافة, بما في ذلك توفير الحماية لسرية المصادر التي يستقي منها الصحافيون أخبارهم, لا تكفي بذاتها فالاتجاه المميز للحكومات ودواوينها البيروقراطية هو إحاطة أنشطتها بسياج من السرية, لكي تحمي الأخطاء أو الانحرافات أو لتفادي الحرج, أو لتحافظ ببساطة على قناعتها بأنها هي الأوسع معرفة, ولا يمكن اليوم مواجهة هذه النزعة بشكل فعال إلا بتشريع يقضي بانفتاح الحكومة أو حرية الإعلام, واجب الحكومة بأن تكون منفتحة, وحق الجمهور في الاطلاع على الوثائق, وفتح اجتماعات الوكالات العامة, وكذلك حماية من يسربون أخباراً عن الممارسات المنحرفة أو غير المشروعة داخل الخدمات الحكومية, وينبغي اعتبار مثل هذا التشريع إضافيا, ومكملاً لتدابير ضمان حق البرلمان أو الهيئة التشريعية في البحث والتدقيق في أعمال السلطة التنفيذية ومن السمات المهمة لمثل هذا التشريع أن تفسير الاستثناءات من مبدأ العلنية (كتلك الضرورية للأمن الوطني, ولحماية الخصوصية... الخ) من اختصاص المحاكم لا الحكومة ذاتها.
وهناك قضيتان أخريان جديرتان بالذكر, الأولى أن الحكومات الحديثة تتميز بالميزانيات الضخمة المخصصة raquo;للعلاقات العامةlaquo; ولا يشمل ذلك المعلومات الوقائعية عن سياسة الحكومة فحسب, وإنما يشمل أيضاً توقيت نشر وأسلوب عرض هذه المعلومات بحيث يكون لها أكبر أثر موات, وكذلك ممارسات التسريب الانتقائي للمعلومات, وجميع الوسائل الأخرى في ترسانة العلاقات العامة التي تستخدم للتأثير في الرأي العام, وهذه الممارسات تجعل ضمان الاطلاع على المعلومات الحكومية والتحقق منها في إطار من الاستقلالية ذات أهمية حاسمة, ومما يتسم بأهمية خاصة هنا أن تكون هناك هيئة عامة للإحصاءات مستقلة عن الحكومة يمكن أن تعتمد عليها الحكومات والبرلمان والجمهور على قدم المساواة.
وأخيراً فإن مفهوم انفتاح الحكومة أوسع بكثير من مجرد حرية الإعلام, فهو يشمل توفير إمكانات الوصول إلى الوزراء لكي يبرروا ويناقشوا سياساتهم علناً, ومدى إلزام الحكومة بالتشاور مع الشعب في صوغ وتطبيق سياساتها, وهذا يقتضي تشريعاً يغطي عدداً من القضايا مثل الأمداء الزمنية والإجراءات المطلوبة للتشاور, ونشر حجج الأطراف المعنية, وتقييم تأثير البيئة المحيطة, وما إلى ذلك وهكذا يشمل raquo;الانفتاحlaquo; الاستعداد للاستماع, واتاحة الوصول إلى معلومات دقيقة.
التعليقات