جورج موفيت - كريستيان ساينس مونيتور

في الوقت الذي يبدأ فيه الرئيس بوش جولته الدبلوماسية الأخيرة لحلحلة الصراع العربي- الإسرائيلي، فإنه يواجه حقيقة واضحة ومؤسفة، تتمثل في أن بقاء إسرائيل على المدى البعيد ليس بالضرورة معطى ثابتا. فبتنامي الأخطار المحدقة بإسرائيل التي تتراوح بين الراديكالية الإسلامية والاتجاهات الديموغرافية والتطور الحاصل في تكنولوجيا الصواريخ، يبدو أن الدولة اليهودية تعيش وقتاً مستقطعاً. وإذا كان الرئيس بوش يرغب في إنقاذ إسرائيل من مستقبل قاتم، فإن عليه التشديد على رسالة واحدة دون سواها: لن يكون هناك سلام من دون إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. لكن المفارقة أن زيارة الرئيس بوش التي ستنقله إلى ست دول في الشرق الأوسط وستمتد على مدى تسعة أيام سيخيم عليها الحل نفسه الذي صاحب الصراع منذ 1947، وهي السنة التي سبقت قيام دولة إسرائيل. فبناء على رغبة الغرب في تعويض اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد على أيدي النازية وإعطائهم وطنا قوميا اقترحت الأمم المتحدة التقسيم الجغرافي لفلسطين إلى دولتين يهودية وعربية.

وبعد مرور ستين عاماً على قرار الأمم المتحدة مازال حل التقسيم ضرورة لا بد منها لأي تسوية سلمية. وبالطبع تواجه عملية إقامة الدولة الفلسطينية عراقيل كبيرة ليس أقلها الهجمات الفلسطينية على أهداف إسرائيلية والقضايا المرتبطة بمستقبل القدس، وحقوق المياه، فضلاً عن توسيع المستوطنات اليهودية، وحق العودة للفلسطينيين الذين تركوا ديارهم، أو هُجروا منها في العامين 1948 و1967. ولئن ظل الجمود وصعوبة الحل أهم ما ميز العقود السابقة، إلا أن ذلك لم يعد ممكناً اليوم بالنظر إلى الأسباب التالية: أولاً، الصعود المتنامي للجهادية في منطقة الشرق الأوسط التي تتلقى العون من إيران وتتجسد في بروز quot;حماسquot; على الساحة الفلسطينية في غزة، وquot;حزب اللهquot; في لبنان اللذين يسعيان معاً إلى تدمير إسرائيل. ويرجع السبب الثاني إلى التطور الهائل في مجال تكنولوجيا الصواريخ كما ظهر ذلك جلياً في حرب لبنان الأخيرة عندما شلت الصواريخ التي أطلقها quot;حزب اللهquot; على إسرائيل مدينة حيفا في الشمال. ومع تطور الصواريخ واتساع مداها، فإن تل أبيب نفسها ستصبح في مرمى تلك الصواريخ.

أما السبب الثالث الذي يدعو إلى التعجيل بإقامة دولة فلسطينية، فيتمثل في الخطر الديموغرافي المحدق بإسرائيل. فاليهود يشكلون ثلاثة أرباع سكان إسرائيل، لكن فقط في نصف فلسطين التاريخية التي لا تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. وبالنظر إلى معدل المواليد المرتفع لدى العرب، فإنه ما لم تقم دولة فلسطينية مستقلة، فإن إسرائيل ستواجه شبح الاختيار بين أن تكون دول يهودية، أو دولة ديمقراطية. وقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي quot;إيهود أولمرتquot; أن حذر من هذا الاختيار الصعب عندما قال quot;إذا وصلت إسرائيل إلى درجة الصراع على التصويت الحر شبيه بما حصل في جنوب أفريقيا، فإن دولة إسرائيل تكون قد انتهتquot;. والواقع أن الصراع العربي- الإسرائيلي، لم يقترب من حل الدولتين إلا مرة واحدة طيلة الستين عاماً الماضية. فبدءا من ثمانينيات القرن الماضي تضافرت مجموعة من التطورات التي دفعت دول الجبهة في الصراع إلى طاولة المفاوضات.

لكن هذه العوامل الملائمة والمشجعة على التوافق التي بلغت ذروتها في مسلسل السلام بمدريد عام 1991 وتراجعت إلى الحضيض مع اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي quot;إسحاق رابينquot; في العام 1995 لم تكرر نفسها منذ ذلك الوقت. فقد رجع الراديكاليون الفلسطينيون، الذين هُمشوا في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات بعد انبثاق الأمل في التوصل إلى السلام، وأضحوا اليوم أكثر قوة وحضوراً على الساحة السياسية بعد أن سيطروا على قطاع غزة. كما أن سياسة التحالفات في إسرائيل تمنح الأحزاب اليمينية المتصلبة قوة تفوق حجمها، وهي الأحزاب التي تعارض التخلي عن أرض إسرائيل التوراتية، بما في ذلك أجزاء من الضفة الغربية، فيما لا يتوفر القادة في إسرائيل وفلسطين إلا على سلطات محدودة. والنتيجة أن التطلعات القومية المشروعة للفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة ورغبة الإسرائيليين في العيش ضمن حدود آمنة ظلت بعيدة المنال. وفي خضم ذلك لجأت بعض الحكومات العربية إلى استغلال المشاعر الوطنية الفلسطينية المحبطة وفاقمت من الأزمة التي لا يمكن حلها إلا إذا وافق الإسرائيليون والفلسطينيون على اقتسام الأرض على أساس يضمن الإنصاف من جهة والأمن من جهة أخرى.

لذا فإن تراجع آفاق التصور القائم على الدولتين يضع بوش ومن سيخلفه أمام أزمة حقيقية يستدعي حلها الانخراط في قيادة فاعلة والمجازفة باتخاذ القرارات التي قد تكون صعبة أحياناً. والأهم من ذلك يستوجب الحل استعادة أميركا لموقعها كوسيط محايد وموضوعي، وهو ما سيواجه بمعارضة قوية من اللوبي المساند لإسرائيل والمتواجد بقوة داخل الكونجرس، والذي وقف لسنوات ضد الضغوط الممارسة ضد إسرائيل. ولو كانت الدولة العبرية قد تبنت الإصلاحات التي كان ينادي بها البعض لما وصلنا اليوم إلى أزمة تهدد إسرائيل في المقام الأول. هذه الأمور وغيرها هي ما يتعين على الرئيس بوش إيلاءها الأهمية القصوى خلال زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط عله يقنع الأطراف جميعاً أنه لا قيام لدولة فلسطينية دون أن تشعر إسرائيل بأنها آمنة تماماً، كما أن الدولة العبرية لن تنعم بالأمن ما لم تقم الدولة الفلسطينية.