فاطمة البريكي

خرجت يوم الجمعة الماضية من منزلي اضطراراً وقت صلاة الجمعة،.. كنت على عجلة من أمري، وسلكتُ الطريق المعتاد الذي أسلكه كل يوم للوصول إلى الشارع الرئيسي، ولكني فوجئت بأن الطريق مسدود، ولا مجال للتقدم وبلوغ الشارع الرئيسي من هذه الجهة، وعليّ أن أعود إلى الخلف وألتفّ بسيارتي لأسلك طريقاً آخر، أطول من هذا الطريق قليلاً، ولكنه على الأرجح لن يكون مسدوداً.

الطريق لم يكن مسدوداً لأعمال صيانة أو إصلاحات الطرق التي تظهر بين حين وآخر في بقعة من بقاع شوارعنا التي نسير عليها ونحن نظن أنها أفضل ما يمكن، فنفاجأ بعد ذلك بخضوعها لعمليات إصلاح وترميم طويلة الأمد، دون أن نعرف متى تنتهي.

كما لم يكن الطريق مسدوداً لحادث مروري ـ لا قدر الله ـ، ولا لأي سبب طارئ مما قد يخطر في أذهان الكثيرين، لقد كان الطريق مسدوداً لأن الوقت كان وقت صلاة الجمعة! وكل مصلٍ يأتي ويوقف سيارته في المكان الذي يظن أنه مناسب له، لكنه لا يفكر إن كان مناسباً للآخرين أو لا.

ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها من منزلي في وقت صلاة الجمعة، لذلك سأتكلم ـ بالفعل ـ بلسان من يكتشف شيئاً للمرة الأولى، حتى إن كان هذا هو ما يحدث كل أسبوع، أو عند موعد كل صلاة؛ فحدوثه وتكرار حدوثه لا يعني أن هذا هو الصواب، وأن المصلين يحق لهم إغلاق الطريق على الآخرين لأنهم في المسجد!

لا أظن أن الدين الإسلامي يعطي أولوية لأحد على حساب أحد، كما أن أداء العبادات لا يجب أن يكون منعزلاً عن الحياة نفسها؛ فالشخص الذي يوقف سيارته في مكان يغلق الطريق على الآخرين، بحيث يتعذر على أي سيارة أخرى المرور في ذلك الشارع الذي قد يكون الأقرب بالفعل إلى الشارع الرئيسي الذي تطل عليه المنطقة،

لا بد أن يفكر في كل الاحتمالات المترتبة على ما تصرفه هذا، وحجم الضرر والأذى الذي قد يتعرض له آخرون لا يشاركونه الصلاة في المسجد في ذلك الوقت. أليس المفروض أن يكون المصلون قدوة حسنة لغيرهم، وألا يكونوا سبباً في تنفير غير المصلين من الصلاة ومن المساجد؟

إنني أفكر في أي حالة طارئة ـ كاحتراق طفل لا قدر الله، أو حالة ولادة، أو غير ذلك ـ كيف يمكنها أن تخترق تجمع السيارات ذلك الذي يسد الطريق؟ ولو كان سائق ـ أو سائقة ـ السيارة يعرف أن الطريق مغلق من جهة المسجد سيكون هذا أقل ضرراً،

لأنه سيتوجه مباشرة إلى الطريق الآخر، وإن كان أبعد، ليتجنب أي تأخير إضافي، ولكن ماذا لو كان السائق ـ أو السائقة ـ لا يعرف مثلي أن الطريق مغلق في تلك الجهة، ويضطر للعودة إلى الوراء بالسيارة في مكان شديد الضيق والانعطاف، مما يأخذ منه وقتاً أكثر، حتى يسلك الطريق الآخر؟

أفكر أيضاً في أمر آخر، وهو أن بعض جيراننا هم من الأجانب، أليس هذا السلوك من قِبَل بعض المصلين مضراً بصورتنا عندهم؟ ألا يُعدّ هذا تطاولاً على الحق العام، وعدم احترام لحقوق الآخر، وأقصد به هنا أي شخص آخر

سواء كان عربياً أو غير عربي، مسلماً أو غير مسلم، لأننا لا نمتلك الطريق، وليس من حق أي منا إغلاقه لأي سبب، فكيف إذا كانت الصلاة هي السبب، إن هذا يسيء إلينا كمسلمين أكثر مما يقرب الآخرين منا.

إن الدين لا ينفصل عن سلوكنا، ولا ينفصل عن بقية تفاصيل حياتنا، ولا يعني اهتمامنا بديننا إهمالنا لغيره من جوانب الحياة التي تمثل الجزء الآخر من سبب وجودنا على هذه الأرض، إذ لا يمكن حصر الدين بالعبادة فقط، ولكن الدين المعاملة، فإذا أسقطنا هذه القاعدة الأساسية في جوهر الدين الإسلامي فإننا نسقط معها جزءاً كبيراً من بقية البناء الذي يقوم عليها.

سأقف عند موقف مشابه، حدث معي أثناء خروجي من معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، كنت داخل السيارة في مواقف السيارات الخاصة بالمعرض، وعلى المخرج بالضبط وقف عدد من الإخوة الشباب ـ كان عددهم خمسة تقريباً من أعمار متقاربة،

توقعت أنهم يضعون أكياس الكتب التي كانت ملقاة على الأرض بجوار السيارة من جميع الجهات استعداداً للتحرك من ذلك المكان الذي يغلق المخرج ـ وهو المدخل في الوقت نفسه، لأن سيارتهم كانت تسدّ الجانب الذي تخرج منه السيارات نظراً لازدحام المكان وصعوبة الحصول على مواقف،

وهذا بحد ذاته سلوك غير صحيح ـ فانتظرت إلى أن يفرغوا من وضع أكياسهم على أساس أن ذلك لا يستغرق وقتاً كبيراً عادة مهما كثرت الأكياس، وانتظرتُ،.. وانتظرتُ.. ولكنهم تأخروا أكثر مما يُحتَمَل، لأنهم كانوا يفتحون الأكياس كيساً كيساً، وينظرون في محتوياتها، ويتعرف كل منهم إلى الكيس الخاص به، ويمسكه بيده،

ثم يبحث في بقية الأكياس، وكلما فتح أحدهم كيساً ليس له صاح بأعلى صوته يسأل عمن اشترى كتاب كذا وكذا، ويناوله إياه، وهكذا، وأنا ومن معي ننتظر، ولكنهم لم يعبأوا بنا وبطول صبرنا، ولم يقيموا وزناً لاحترامنا لهم وعدم رغبتنا في التصرف معهم بشكل يتناسب مع تصرفهم البعيد كل البعد عن الذوق، فما كان منا إلا أن تقدمنا أكثر بالسيارة،

على نحو لا أعلم إن كان أزعجهم أو أحرجهم، ولكنه أتى بنتيجة، إذ تحركوا مباشرة، وحملوا أكياسهم دفعة واحدة، ووضعوها على الرصيف القريب، ليقوموا بفرزها بعيداً عن الطريق المخصص أساساً لعبور السيارات، وليس لشيء آخر.

ما أود قوله من سرد هذه المواقف ليس مجرد انتقاد سلوك بعض الناس، أو على الأقل إن الانتقاد ليس هدفاً بحد ذاته، ولكن الهدف هو التنبيه على مثل هذه السلوكيات التي تسيء إلينا، وتظهرنا بمظهر لا يعكس حقيقة جوهرنا ولا يمثل الأصول التي ترفدنا بها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف،

وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، والأمر في نظري لا يبدو صعباً، إنها معادلة واضحة الطرفين، وهي ضرورة أن يتعامل كل منا مع الآخر ـ أو الآخرين ـ بالطريقة التي يحب أن يعاملوه بها، وهذا يعني أن نفكر دائماً في غيرنا في الوقت نفسه الذي نفكر فيه بأنفسنا