عبد المجيد محمد الجلال
من المؤشرات الإيجابية للإعلام السعودي خلال السنوات القليلة الماضية زيادة اهتمامه بقضايا المجتمع ومشكلاته، وهمومه، وتبيان الثغرات أو الإشكاليات التي تواجه منظومة المؤسسات الخدمية العامة، وتحول دون تحسين نوعية الخدمة، ورفع كفاءة الأداء. وصياغة الأفكار والمقترحات ذات الصلة بعناصر المعالجة والتطوير. والإعلام بذلك يمارس دوره الطبيعي في الرقابة والمتابعة، كمنبر مهم للرأي العام وقضايا المجتمع.
وهذه الرقابة والمتابعة الإعلامية يفترض أن تبنى على مجموعة من الأسس والضوابط، حتى تكون أكثر قبولاً ومصداقية لدى الرأي العام، ومن ذلك الإلمام بدرجة كافية بطبيعة المشكلات أو المعوقات مدار البحث، وتوفر البيانات والمعلومات الأساسية ذات الصلة، فضلاً عن التزام الموضوعية في الطرح أو المعالجة.
ومتى ما توفرت هذه الأسس والضوابط، فإنَّ المجتمع برمته سوف يجني ثمرات الجهود الإعلامية في مجالي الطرح والمعالجة، وبما ينعكس إيجاباً على طبيعة النشاط المؤسسي العام، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة لعموم أفراد المجتمع.
بالمقابل إذا لم تتوفر كل أو بعض هذه الأسس والضوابط فإنَّ الطرح الإعلامي سيفقد بالتأكيد عناصر المصداقية والشفافية، ويخلص بالتالي إلى نتائج سلبية لا تخدم قضايا الإصلاح والتطوير.
هذا الطرح الإعلامي بشقيه الإيجابي والسلبي يتناول بين الفينة والأخرى، وعلى سبيل المثال، جهاز الحسبة، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالطرح الإيجابي مبناه الإصلاح والتطوير، يتعاطى مع مؤشرات الإنجاز، وبعين الرقيب المتابع يُسلِّط الضوء على الإشكاليات الراهنة، والتصرفات والاجتهادات الخاطئة دون تضخيم أو تهويل أو تعميم، ويقترح الحلول وسُبُل المعالجة. وهذا الطرح الإيجابي يسهم في تفعيل العلاقة وتعزيزها بين القنوات الإعلامية من جهة، وجهاز الهيئة من جهة أخرى، بما يصب في المحصلة النهائية في صالح الرفع من قدرات هذا الجهاز، وتحسين منظومته العاملة، ومعالجة الإشكاليات والاجتهادات الخاطئة.
وأما الطرح الإعلامي السلبي فهو خلاف ذلك، ويتسم في الغالب باللبس، وعدم الشفافية، ويتجاهل الوقائع والمستجدات، ويكيل التهم والتقصير جزافاً، دون ترو، أو تمحيص، أو مزيد اطلاع.
ولعلي في هذا المقام أسوق أنموذجين من هذا الطرح الإعلامي السلبي، والذي يعكس رؤية ضبابية لا تستند إلى واقعٍ مادي ملموس، أو بيانات إحصائية محددة:
الأنموذج الأول: يعرض لافتقار منسوبي جهاز الحسبة أو الهيئة لمقومات المعرفة الشرعية والإدارية والفنية اللازمة لأداء المهمات المنوطة بهم على أفضل صورة ممكنة، وهذا الطرح يصطدم بالكلية بالمعطيات الراهنة، والبيانات الموثقة، إذ يشير التقرير السنوي لإنجازات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للعام المالي 1426-1427هـ، بما يتعلق بتطوير القوى العاملة بشقيها الميداني والإداري، إلى أنَّ عدد المتدربين قد بلغ نحو (3184) موظفاً، بزيادة بلغت (48%) عن العام السابق، وقد اشتملت عناصر التدريب على دورات شرعية، وبرامج إدارية متعددة. كما بلغ عدد المفرغين للدراسات العليا إيفاداً أو ابتعاثاً في مجالي الدراسات الشرعية والاجتماعية نحو (17) موظفا. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فقد تمَّ في عام 1425هـ إنشاء (المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في جامعة أم القرى بهدف توفير الكوادر البشرية الشرعية المؤهلة، ويعطي المعهد درجة (الدبلوم العالي في الحسبة) وبما يعادل الماجستير وظيفياً.
وفي مجال (تقنية المعلومات) تمَّ تشغيل خدمة الانترنت، كما تمَّ استكمال المرحلة الأولى لتأسيس الشبكة العمومية للحاسب الآلي بمقر الرئاسة، ومعظم الفروع، وجار العمل على إجراءات تشغيلها فعلياً، إضافة إلى تطوير النظم الإدارية والمالية باستخدام تقنية الحاسب الآلي.
ومن اجل تحسين منظومته الخدمية يستمر جهاز الهيئة في إعداد الدراسات والبحوث بالتعاون مع بعض الجامعات ومراكز البحوث، بهدف الوقوف على مرئيات المجتمع سواء الإيجابية منها أو السلبية للاسترشاد بها في عمليات الإصلاح والتطوير.
الأنموذج الثاني: يعرض لافتقار جهاز الهيئة إلى خطة تشغيلية أسوة بالجهات الحكومية الأخرى في إطار الخطة الخمسية العامة للدولة، والواقع أنَّ الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تتحمل المسؤولية في عدم اعتماد خطة تشغيلية لها، فقد ظلت تطالب، ومنذ عام 1413ه بهذه الخطة لتنظيم احتياجاتها من البرامج الإنشائية والتطويرية والقوى البشرية المؤهلة، اللازمة لمقرها الرئيس، ول (13) فرعاً في مختلف مناطق المملكة الإدارية، ولنحو (461) وحدة إدارية من هيئات المدن والمحافظات ومراكز الهيئة.
وفي عام 1426هـ أوصى مجلس الشورى بضرورة أن تشمل خطط التنمية الخمسية الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذ من خلال الخطة التشغيلية يمكن متابعة التطورات، وقياس حجم الإنجاز، ومعالجة أبرز القضايا والمعوقات، التي تحد من قدرة جهاز الحسبة على أداء المهمات الموكولة إليه بأقصى فعالية ممكنة، ولكن الجهة المخولة بإعداد الخطط التشغيلية والخطة العامة للدولة ما فتئت ترفض هذا الطلب المتكرر والمتجدد، وتسوق مبررات واجتهادات لا تستند إلى منهجية علمية، أو أمور تنظيمية، وظلت تتمسك بها لسنوات خلت، وإلى وقتنا الحالي.
إنَّ جهاز الهيئة يعمل قدر المستطاع في ظل موارد محدودة، ونقص واضح في التشكيل الوظيفي والميداني والمساند، وهو يسعى قدماً لتحسين منظومته الخدمية، وصقل أفراده بالمهارات اللازمة، وإعدادهم شرعياً وسلوكياً للتعامل الإيجابي مع جمهور المجتمع، وإذا كان العمل البشري يظل مظنة للخطأ والصواب، فإنَّ الهيئة بحاجة للنقد والتوجيه، ومقترحات الإصلاح والتطوير، وهي في الوقت نفسه بحاجة أكثر لأمانة الكلمة، ومصداقية الطرح، وموضوعية النقد.
- آخر تحديث :
التعليقات