ساطع نور الدين

لأنه ليس لدى العرب خطة جاهزة للحل، بل مجرد اعلان نوايا، فان الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى يحتاج الى الكثير من الصلاة والدعاء في رحلته الجديدة في تفاصيل الازمة اللبنانية، التي لا يمكن ان يطلق عليها اسم مبادرة عربية، لان شروطها الداخلية لم تكتمل، وظروفها الخارجية لم تنضج تماما.
هي طبعا خطوة في الاتجاه الصحيح، كما يقال في اللغة الدبلوماسية. وهي مسؤولية لا يمكن لغير العرب تحملها، لان الازمة في معظم جذورها ومظاهرها عربية. لا يمكن لفرنسا مثلا ان تفهمها، ولا يمكن لتركيا ان تدركها، ولا يمكن لايران ان تتدخل فيها، وليس من مصلحة احد من اللبنانيين طبعا ان يكون لاميركا رأي فيها.. مع انه تجوز دعوة كل هذه الدول وغيرها الى المشاركة في احتفالات الحل، عندما يحين موعده.
المهم الان انها بداية طريق شاق وطويل، قد يشهد الكثير من العثرات والاخفاقات وربما الدماء ايضا، لكنه سيؤدي حتما الى النهاية السعيدة التي لا بد منها، والتي اتخذ العرب قرارا مبدئيا حاسما بالوصول اليها، وعدم السماح بترك لبنان يسقط مرة اخرى ضحية الصراعات بين طوائفه والحروب والازمات في محيطه، فيتحول الى عراق آخر او فلسطين اخرى، او حتى الى صومال اضافي.
لكن القرار المبدئي الذي نقله الامين العام الى من التقاهم حتى الان من اطراف النزاع اللبناني، هو الان في مرحلته الاستكشافية الاولى. والتجارب السابقة على مدى الازمة اللبنانية المتواصلة منذ تأسيس الجمهورية تفيد انه سبق للعرب ان تدخلوا مرارا كوسطاء او سعاة خير، لكنهم تراجعوا حينا وتقدموا احيانا، ولم يكونوا على الدوام خاضعين لمهل زمنية، كتلك التي حددت نهايتها في السابع والعشرين من كانون الثاني الحالي، والتي يبدو انها لم تكن خاضعة لالحاح الحاجة الى انتخاب رئيس للدولة اللبنانية.. يحضر القمة العربية المقبلة، والمقررة في دمشق بعد نحو شهرين. ثمة رغبة في اضفاء المزيد من الجدية والمصداقية على القرار الذي اتخذ في المجلس الوزاري العربي في القاهرة الاسبوع الماضي.
لكن هذه المهلة فهمت في بيروت وكأنها المدى الزمني الذي يفترض ان تستغرقه المهمة الاستكشافية الاولى للامين العام للجامعة، وليس نهاية الوقت المحدد لظهور رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة للدولة. كما كان الاعتقاد هو انه سيكون بامكان موسى ان يتوصل من الان وحتى السابع والعشرين من الشهر الحالي الى توصيف دقيق لرد الفعل السوري والايراني والفرنسي والاميركي على هذا المسعى العربي المتجدد الذي نال بركة الجميع، لكنه لم يحظ بدعمهم الكامل، حتى الان على الاقل.
وقياس هذه الردود على المواقف الداخلية وحدها يمكن ان يؤدي الى التباس شديد، حيث لا تزال الاغلبية تشك في قدرة العرب على خوض التحدي حتى النهاية، ولا تزال المعارضة تظن ان العرب جاءوا لاعطائها الثلث المعطل: المبادرة في بدايتها لكنها لا تحتمل مثل هذه الاوهام.