رضوان السيّد

الهدف المعلن لزيارة الرئيس بوش إلى المنطقة هو المزيد من الدفع باتجاه إنجاح المفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية بحيث يؤدي ذلك إلى قيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام 2008، أي قبل نهاية أو مع نهاية ولاية الرئيس بوش. وقد حدّد بوش في بداية زيارته الضوابط والسياقات: ضمان quot;يهوديةquot; الدولة الصهيونية، وحمايتها من الخطر الإيراني. أما ضمان يهودية الدولة فهو يعني فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين في كيان مستقل حتى لا تُهدد الكثرة العددية الطابع اليهودي لإسرائيل. وأما الشرط الآخر أو الضمان الآخر ففيه اصغاء لهواجس العسكريين الإسرائيليين بشأن النووي الإيراني، وبشأن القوة الصاروخية لإيران وما أعطى الإيرانيون منها لحزب الله. لكن ما دام الأميركيون انفسهم يقولون إنه ليس هناك خطر نووي إيراني في القريب، فإن المخاوف الإسرائيلية لا ينبغي أن تكون قوية أو وجودية. أما السلاح الصاروخي القريب والبعيد، فإن خطره يظل مقبولاً وردعه كما حصل في السنوات الماضية يظل ممكناً. ولذلك تبقى الرسالة الأولى للرئيس بوش: يهودية الدولة، هي الرسالة الأساسية، بما تعنيه من ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية. ولذلك يبدو أن أنابوليس كانت جدية، وكذلك زيارة بوش هي جدية في هذه الحدود. وصحيح أن الحكومة الإسرائيلية ضعيفة، وأن المتطرفين اليهود لا يريدون السلام، ولا التخلي عن المستوطنات. بيد أن هذا الإدراك العميق كضرورة الخروج من الاحتلال يجعل من غالبية الإسرائيليين ترحب بزيارة بوش باعتبار أن جريان ذلك أيامه، أفضل من جريانه أيام سواه بسبب التزامه العميق بوجود إسرائيل وأمنها. فإذا كانت إقامة الدولة الفلسطينية ضرورية لهوية إسرائيل اليهودية وأمنها ومستقبلها، فليكن ذلك أيام رئيس أميركي مستعد لإعطاء إسرائيل ما تشاء. ثم إن الملف الإسلامي ما يزال قوياً بالمنطقة، وقد استأثر بقرابة نصف فلسطين. وقد يزداد المتطرفون قوة إن لم تجد المشكلة مع الفلسطينيين أفقاً مفتوحاً على الحل بإزالة الاحتلال والانفصال. ويُضاف لذلك العامل الجديد أيضاً وهو التحدي الإيراني، الذي لا يتناول أمن الصهاينة فقط، بل ينازل الولايات المتحدة، ويطرح على العرب مشكلات قاسية. وهذه الاعتبارات كلها تدفع أكثرية المسؤولين الإسرائيليين لقبول الحل أو تفضيله، دون أن يعني ذلك أنه سيحصل بشكل ملائم، أو أن quot;التعقلquot; سيغلب بالفعل على الإسرائيليين. فعندهم مشكلة المستوطنات، وعندهم مطامعهم بالقدس، وعندهم المياه الفلسطينية المسروقة.. وعندهم التعوّد على وجود كيان مستقل بينهم وبين الأردن، وبينهم وبين سيناء ومصر.
ومن جهة ثانية هناك الصعوبات الناجمة عن أن الحل ليس شاملاً، وأن الأميركيين هم الذين يشرفون على إنجازه. الحل غير الشامل، يضع سوريا في موضع المتردد أو الرافض. وما قيل في أنابوليس عن إمكان اجتماع في روسيا بين سوريا وإسرائيل من أجل المسار السوري لا يبدو واضحاً في الأفق. وما عادت سوريا تستطيع الضغط بفعالية من جهة العراق، ولا بشكل فعّال من جهة غزّة، وبذلك لا يبقى لها من أجل الدخول في الحل الشامل أو من أجل الارغام على توسيع نطاق الحل إلا الضغط من خلال لبنان. وذلك بإبقاء المقاومة على سلاحها بذريعة مزارع شبعا، وبالتهديد بنشر الاضطراب في لبنان لازعاج كل الذين لا يعترفون بالمصالح السورية وبالدور السوري.
والإيرانيون يخوضون صراعاً مع الولايات المتحدة على الشرق الأوسط كلّه، ويعتبرون أن لهم مصالح ينبغي مراعاتها من باكستان وآسيا الوسطى وإلى لبنان. وقد استطاعوا ازعاج الولايات المتحدة في العراق، وفي حرب تموز من لبنان، ويقال انهم يزعجونها بالتعاون مع طالبان في أفغانستان. وهذا فضلاً عن عناصر الاقلاق في لبنان والبحرين وسوريا.. وحتى اليمن!
وقد جاء بوش إلى المنطقة، وهدّد إيران واعتبرها خطراً على أمن العالم، كما خيّر سوريا بين العزل وانفتاح الأفق. ثم انه ما أصغى بما فيه الكفاية ـ من وجهة نظرهما ـ لهمومهما واهتماماتهما. ولذلك فالذي أقدره ان المساعي من أجل حل فلسطيني ستلقى صعوبات ليس من الإسرائيليين المتشددين فقط، بل ومن المعارضين الفلسطينيين والعرب والإيرانيين. كما أن الإيرانيين لن يتعاونوا كثيراً في جلسات التفاوض بينهم وبين الأميركيين بالعراق. أما السوريون فسيتريثون بعض الشيء في القبول بانتخاب رئيس للجمهورية بلبنان، وإذا وافقوا فسيظل تشكيل الحكومة موضع تجاذب، بانتظار نتائج زيارة بوش، وبانتظار تطور موقف العرب الكبار منهم بعد اللقاء الودود في رحاب الجامعة العربية.