أمجد عرار

كعادة المسؤولين الذين لا يفكرون في تعاطيهم مع قضايا الشرق الأوسط سوى ب ldquo;إسرائيلrdquo;، تهرّب الرئيس الأمريكي جورج بوش من كل المقوّمات التي يمكن أن تؤسس ل ldquo;حلrdquo; سياسي للقضية الفلسطينية. فعندما يدعو إلى إيجاد آلية لتعويض اللاجئين الفلسطينيين، فإنه بذلك لا يجترح حلاً، بل تصفية لحق العودة، ونسفاً للقرار الدولي ldquo;194rdquo;. وعندما يتحدث عن تعديلات حتى على حدود ،67 فإنه ينسف قرار ldquo;242rdquo; رغم أنه من أسوأ القرارات الدولية إجحافا وظلما للفلسطينيين. أما دعوته لإنهاء أربعين عاما من الاحتلال، وهي الإيجابية النسبية الوحيدة في تصريحاته، فإنها في الآن ذاته نصّاً فضفاضاً يتهرّب من الحل البسيط والواقعي بمعايير الدبلوماسية الدولية ولغة الدبلوماسية أو الحلول المرحلية وفقاً لأدبيات منظمة التحرير الفلسطينية، وليس بمعايير الحق التاريخي والعدالة التي لا مجال للحديث عن مستحقاتها في زمن ليس زمنها.

من الواضح أن التعاطي الدولي، وفي مقدمه الأمريكي، ينزلق توازياً مع اختلال موازين القوى ومعادلة الأمر الواقع التي تفرضها ldquo;إسرائيلrdquo;، فبيان ldquo;البندقيةrdquo; الأوروبي عام ،1980 على سبيل المثال، دعا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كل الأراضي المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس. أما الآن فيجري الحديث عن دولة قابلة للحياة متصلة جغرافياً، بمعنى بقاء المستعمرات التي كفّ معظم المسؤولين الدوليين عن التطرق إليها، مكتفين بترديد مصطلح المستوطنات العشوائية، تناغماً مع اللعبة ldquo;الإسرائيليةrdquo; التي وظّفت هذه الأداة جيداً لمصلحة الإبقاء على مشروعها الاستعماري.

ولا شك أن دولة فلسطينية مع بقاء المستعمرات وطرقها، ستكون كقطعة جبن سويسرية (كثيرة الثقوب). لكن تهرّب بوش ليس أمراً استثنائياً في سياسته، وهو الذي بكى ضحايا المحرقة اليهودية (وهذا من حقه)، لكنه تجاهل معاناة الأحياء الجوعى وطوابير الموت البطيء في قطاع غزة، من حصاره وحصار حليفته ldquo;إسرائيلrdquo;، تجاهل المرضى الذين يموتون لمنعهم من حق العلاج، والذين صادف سقوط الضحية ال 65 منهم أثناء حديث بوش في رام الله عن ldquo;الأملrdquo;، لكنّه تهرّب مرة أخرى من المسؤولية عندما ألقى باللائمة على ldquo;حماسrdquo;. كما أنه وضع أسساً مسبقة لتهرب مستقبلي عندما رهن التقدم في التسوية، بوقف إطلاق الصواريخ البدائية على مستعمرات وقواعد الاحتلال، متناسياً أن عمر الصواريخ لا يتعدى أربع سنوات بينما معاناة الفلسطينيين دخلت عامها الستين، ولم يفته إيقاظ الفتنة عندما خيّر الفلسطينيين بين ldquo;الشقاءrdquo; مع ldquo;حماسrdquo; وrdquo;الأملrdquo; مع الرئيس محمود عباس، وهنا أيضا يتناسى أن المعاناة الفلسطينية سبقت تأسيس ldquo;حماسrdquo; بأربعين سنة، إذا افترضنا أن البداية كانت مع النكبة.

لذلك ليس ldquo;تطرفاًrdquo; أو رفضاً لهذا النوع من ldquo;السلامrdquo; أن نتوقّع أن تفضي هذه السياسة التضليلية إلى نتيجة ldquo;بوشrdquo; بتضخيم الواو.