مسعود ضاهر
أدمن الزعماء اللبنانيون على تحميل اللوم للصراع الخارجي وانعكاساته داخل العالم العربي للتهرب من مسؤولياتهم في استمرار الأزمة اللبنانية. لكن انعقاد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورة غير عادية يومي 5 و6 يناير/ كانون االثاني 2008 نشر مناخاً إيجابياً ظهر للمرة الأولى منذ زمن بعيد. وشكل التفاهم المعلن بين السعودية وسوريا مدخلاً لحل عملي للأزمة اللبنانية نظراً لانعكاساته الإيجابية على موقف إيران التي تبنت أيضاً الإجماع العربي والصيغة الوسطية.
صدر عن الجامعة بيان متوازن يرضي طرفي النزاع في لبنان. وتضمن نقاطاً إيجابية تشجع على التوافق، وتهدئة الهواجس المحلية. وأبرز ما جاء فيه تبني الخيار الذي أجمع عليه اللبنانيون بترشيح العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية والعمل على انتخابه فوراً وفق الأصول الدستورية. والتوافق الفوري كذلك على تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون لرئيس الجمهورية فيها كفة الترجيح. وبدء العمل على صياغة قانون جديد للانتخابات فور انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.
ليس من شك في أن مشاورات كثيرة مهدت لإنجاح الاجتماع وصدور هذا البيان الذي فاجأ بعض القادة اللبنانيين. فانبرى بعضهم للترحيب به من دون تحفظ، وبادر البعض الآخر إلى الترحيب المبدئي مع التريث لمعرفة التفاصيل الإضافية.
والتفاهم العربي جاء مدعوماً من الدول الكبرى ذات التأثير المباشر في الساحة اللبنانية، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا. وقد سارع بعض دبلوماسييها إلى إعلان التأييد الفوري للبيان العربي ومطالبة الأطراف اللبنانية الالتزام بمضمونه.
لكن نجاح التنفيذ يظهر قدرة العرب على تهدئة الساحة اللبنانية ويضع قادتهم أمام مسؤوليتهم التاريخية في تهدئة بؤر التوتر الأخرى التي أشعلها التدخل الخارجي في فلسطين، والعراق، والسودان وغيرها، كما أن الرأي العام العربي يشعر الآن بالارتياح للبيان العربي في حال نجاحه حيث فشل التدخل المباشر للولايات المتحدة فرنسا. لكن الجامعة العربية بكامل دولها، ما زالت تتخوف من ردود فعل سلبية لدى بعض الأطراف اللبنانية. لذلك حرص وزراء الخارجية العرب على التأكيد بأن دولهم لا تتدخل بالشأن اللبناني بل تدعم توافق اللبنانيين، وتحثهم على إعادة مناخ الثقة والتوافق بينهم.
إن البيان، في حال تنفيذه، يشكل نقلة نوعية في المسار العربي الراهن، وذلك لأسباب عدة أبرزها:
1 للمرة الأولى منذ زمن بعيد، تثبت جامعة الدول العربية قدرتها على إطفاء بؤرة خطيرة للنزاع في لبنان. وفي حال نجاحها تستعيد الجامعة صدقيتها أمام الرأي العام العربي والدولي لتصبح أكثر فاعلية في حل نزاعات عربية عربية، متفجرة أو تستعد للانفجار.
2 عبّر البيان عن حلول عقلانية متوازنة للأزمة اللبنانية. فلاقت قبولاً فورياً عند الغالبية الساحقة من اللبنانيين بحيث يصعب إقناع الرأي العام اللبناني بصدقية نوايا من يعرقل تنفيذها للخروج من الأزمة المستعصية في لبنان.
3 طلبت الجامعة من قوى الأكثرية والمعارضة في لبنان التعاون بجدية وانفتاح تام لإنجاح الحل المقترح بما يحقق مصلحة لبنان أولاً، كوطن حر ودولة مستقلة وذات سيادة كاملة على أراضيها. وتؤكد تجارب التاريخ اللبناني أن توافق قوى النزاع فيه شرط أساسي لإنجاح الحل الخارجي، مهما كانت طبيعة القوى الداعمة له. فحتى الزعيم اللبناني القوي عاجز بمفرده عن التفرد بالسلطة في مجتمع متعدد الطوائف وتشكل جميعها أقليات. لكنه، من خلال تحالفاته الداخلية والإقليمية والدولية، قادر على تعطيل أي حل يكون فيه غالب ومغلوب. لذلك تحاشت جميع المبادرات هذا المنحى لأنه يؤسس لحروب أهلية مستمرة تشارك فيها كتل طائفية ومذهبية.
4 الترحيب اللبناني الفوري بنتائج بيان الجامعة ناجم عن البنود الإيجابية الواضحة التي ترضي الجميع. لكن بعض الأطراف تخشى من وجود نقاط غامضة أو تحتمل تفسيرات وتأويلات خلافية تقلب التفاؤل مجدداً إلى تشاؤم كما حصل في مرات سابقة. لذلك سارعت بعض القوى اللبنانية إلى التحفظ بانتظار معرفة التفاصيل الصغيرة وصولاً إلى رسم خارطة طريق واضحة لمسار الأزمة اللبنانية على طريق الحل الشامل والمتوازن.
الجميع ينتظر التفاصيل ومعها الشيطان الكامن فيها. فهناك أسئلة كثيرة بحاجة إلى أجوبة شافية: كيف سيكون التلازم بين انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف الحكومة؟ ومن سيكون رئيس الحكومة الوفاقية، ونسب التمثيل التي ستعتمد فيها؟ وكيف ستكون الدوائر وفق قانون الانتخاب المفترض إنجازه بسرعة من جانب الحكومة الوفاقية؟ وما التدابير التي ستلجأ إليها الجامعة لإدانة الطرف المعرقل؟
أسئلة كثيرة طرحها صدور بيان الجامعة. إلا أنه أعاد الأمل بأن لبنان بدأ يتجه مرحلة من الإنفراج السياسي. ويأمل اللبنانيون عدم إضاعة هذه الفرصة التاريخية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية متوازنة تعد لقانون انتخاب عصري وعادل يظهر التمثيل الفعلي لقوى الموالاة والمعارضة وفق استفتاء شعبي شفاف، وممارسة ديمقراطية سليمة.
ختاماً، قامت الجامعة بدور مهم لإيجاد حل عقلاني للأزمة اللبنانية. لكن الحل العملي يبقى في يد زعماء لبنان الذين هم علة المشكلة. وعليهم إيجاد حلول ثابتة حتى لا يبقى لبنان رهن نزاعاتهم الدائمة، ويغلبون دوماً مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن.
التعليقات