روزا بروكس - لوس أنجلوس تايمز، واشنطن بوست

حتى أقل وسائل الإعلام الأميركي بريقاً، لاحظت هذه المرة ثمة اختلافاً ما، في ناتج الحملات الانتخابية الرئاسية للحزب quot;الديمقراطيquot; لهذا العام. ذلك أن المرشحة هيلاري كلينتون، الفائزة في انتخابات الترشيح الأولية بولاية نيوهامشير، تبدو كما لو كانت قد حصلت على المزيد من كروموسوم X الأنثوي، بينما اكتسب منافسها quot;باراك أوباماquot;، الذي فاز بانتخابات ولاية quot;أيواquot; الأسبوع الماضي، مزيداً من مادة الميلانين الملونة للبشرة، وهي نفسها التي تميزه عن غيره من منافسيه البيض من متوسطي العمر في ذات المعركة الانتخابية. وهذا ما لم تنفك الصحف وشتى وسائل الإعلام المحلية، عن اجتراره دون كلل أو ملل، لتؤكد به quot;أنوثةquot; هيلاري كلينتون في مقابل quot;سوادquot; بشرة باراك أوباما. وعليه فقد انحصرت التساؤلات الانتخابية التي تثيرها هذه الوسائل في: هل يصوت الناخبون الأميركيون لامرأة تتولى رئاسة بلادهم، أم يدلون بأصواتهم لصالح مرشح أسود للمنصب نفسه؟ ثم ما هي المعضلة الكبرى التي تواجهها أميركا الآن: النوع أم العرق؟

وهذه تساؤلات غبية ومثيرة للملل دون شك، والسبب هو خواء مجرد السعي إلى محاولة تحديد أيهما أكثر سوءاً: النوع أم العرق؟ والحقيقة أن الظاهرتين كلتيهما تفعلان فعلهما في الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمعات، بطرائق جد مغايرة ومعقدة. وعلينا بالطبع أن نتأمل إلى أي مدى ألقت هاتان الظاهرتان بتأثيرهما على تاريخ بلادنا، ولا تزالان تلقيان بظلالهما على مستقبلها أيضاً. غير أن من الواجب ألا ينهض هذا التأمل مبرراً للاستغراق التام، في محاولة أي الفئتين كانت الأسوأ حظاً من هذا التاريخ: الأنوثة أم السواد؟

وإلى جانب ذلك، فإنه لم يعد ثمة معنى يذكر للانشغال المهووس، الذي نراه من قبل شتى وسائل الإعلام، بمدى استبعاد ترجيح أن يصوت الناخبون الأميركيون لصالح امرأة أو مرشح أسود في الانتخابات الرئاسية الحالية. والسبب أن السياق الذي أثيرت فيه هذه الأسئلة، وصيغت فيه المفاهيم إياها، لم يعد يعني شيئاً بالنسبة للكثير من قواعد الشباب الحديث، المتسعة على امتداد البلاد كلها.

ولتأمل هذا، فلنبدأ بمسألة النوع أولاً. والسؤال التبسيطي المثار في سياق انتخابات العام الحالي هو:هل تصوت لصالح مرشح رئاسي أسود؟ والملاحظ أن السؤال يقوم على فرضية مسلّم بها: أي أن هناك فئة واضحة التحديد والمواصفات، تعرف بـquot;السودquot;، وهي التي ينطبق تعريفها على quot;باراك أوباماquot;، وأن الانتماء لهذه الفئة يأتي مصحوباً بعواقبه. غير أن هناك تزايداً في الأدلة على عدم ميل الشباب الأميركيين إلى التفكير في مسألة النوع بهذا النحو التبسيطي الساذج. ففي انتخابات عام 2006 على سبيل المثال، كانت نسبة لا تزيد على 19.8 في المائة فحسب من الناخبين في سن ما بعد الستين، هي التي تندرج ضمن الأقليات الانتخابية، في مقابل نحو 40 في المائة من الناخبين دون سن الأربعين. والمرجح أن تزيد نسبة الأقليات هذه بين الشباب الأميركيين اليوم، قياساً إلى ما كانت عليه في انتخابات عام 2006.

وتنحدر هذه الأقليات الشابة، من شتى الانتماءات العرقية من الجنسين، أكثر مما كان عليه حال الأقليات الناخبة الأكبر سناً. وفي وقت ما كانت تشير عبارة quot;أقليةquot; إلى الأميركي quot;الأسودquot; القادم إلى البلاد في عهود العبودية والاسترقاق. ولا تزال بعض الأقليات الشابة، تندرج تحت هذه الفئة إلى اليوم. غير أن بعضها الآخر ينحدر من أصول فلبينية فلاحية، ومدرسين صينيين، ومهندسين إيرانيين، وعمال تشييد وبناء مكسيكيين، وأطباء كونغوليين، وباعة وأصحاب محال تجارية تعود جذورهم إلى هاييتي.

بل تزداد هذه الفسيفساء الاجتماعية الثقافية ثراء وتعقيداً، بسبب تزايد حالات الزواج البيني، داخل شتى هذه الفئات خلال العقود الأخيرة الماضية، ما يعني تزايد خصائص التعدد العرقي بين فئات الأميركيين الشباب. وهؤلاء هم تماماً مثل quot;أوباماquot; الذي لم يعد ينتمي بشكل قطعي وحاد، إلى هذه أو تلك، وإنما هو مزيج بينَ بينْ... من هذه وتلك مجتمعتين. وبصرف النظر عن الأوضاع الاجتماعية للشباب الأميركيين، فقد كانوا أكثر حظوة من الأجيال الأكبر عمراً، في الاختلاط العرقي وفي إقامة الصداقات والعلاقات الأسرية المتعددة الأعراق.

ولهذه الأسباب عينها، لم يعد العرق مسألة تقسيم حاد وفاصل بين quot;البيضquot; وquot;السودquot; في نظر غالبية الشباب الأميركيين اليوم. وعليه فإن مجرد إثارة السؤال: هل تصوت لمرشح أسود؟ لم يعد له من وجود لواقع يسنده في نظرهم، ولا من معنى قاطع ومحدد لصفة quot;السوادquot; التي يفترض على أساسها اختزال الغنى العرقي الهائل الذي يتمتع به quot;أوباماquot;، إلى كلمة واحدة لا أكثر.

ثانياً وعلى ذات النهج، فقد وجب القول إن الشباب الأميركيين ينظرون اليوم إلى مسألة النوع، وخاصة quot;الأنوثةquot; نظرة مختلفة جداً عما كانت عليه في الماضي. وينطبق هذا بصفة خاصة على الشباب الذين ولدوا بعد عام 1977، بسبب قبولهم أكثر من أي جيل أميركي مضى، لتبدل الأدوار التقليدية المتعارف عليها بين الجنسين. وقد أظهر استطلاع أجري مؤخراً رفض نسبة 63 في المائة من الشباب، لفكرة عودة النساء الأميركيات إلى دورهن التقليدي في البيوت. والسبب أن عيون هذا الجيل الأميركي ما دون سن الثلاثين عاماً، تفتحت على مجتمع حديث، تقلدت فيه المزيد من النساء مناصب مديرات شركات، ووزيرات خارجية، فضلاً عن كونهن يعادلن أكثر من نسبة 50 في المائة من طلاب الجامعات والكليات. وهذا هو ما يبرر قبول الشباب وتصالحهم مع فكرة أن تتولى امرأة رئاسة بلادهم. فما المشكلة في هذا... كما يقولون؟