مازن حماد
إذا كان البرلمان العراقي قد احتاج إلى خمس سنوات تقريبا لاستبدال قانون laquo;اجتثاث البعثraquo; بقانون laquo;العدالة والمحاسبةraquo;، فكم خمس سنوات سيحتاج لإقرار العديد من القوانين المهمة المتعلقة بالأقاليم والفيدرالية وتوزيع الثروات النفطية؟ وكم من البعثيين السابقين سيستفيدون من القانون الجديد بعد التصديق عليه من مجلس الرئاسة المكون من رئيس الجمهورية ونائبيه؟
- يجب التذكير أولا بأن laquo;العدالة والمحاسبةraquo; ليس قانون عفو عام، ولا هو قانون يغطي كافة البعثيين، بل لجأ إلى تقسيم العراقيين الذين كانوا أعضاء في حزب البعث العربي الاشتراكي إلى فئات متعددة منها البعثيون ذوو المناصب الصغيرة الذين لم يرتكبوا جرائم، ويسمح لهم بالعودة إلى وظائفهم، أما البعثيون الكبار الذين لم يرتكبوا جرائم، فسيحالون إلى التقاعد، فيما سيمثل من يثبت ارتكابه جرائم إلى المحاكم.
- وإذا علمنا أن عدد أعضاء حزب البعث في العراق بلغ في الثمانينيات من القرن الماضي مليونا ونصف المليون، وأن العدد المتوقع السماح له بالعودة إلى الوظيفة لا يتجاوز المائة ألف، فلنا أن نتصور أن قانون العدالة والمحاسبة لم يوفر سوى حل جزئي للمشكلة التي بدأت بعد شهر من غزو العراق في مارس laquo;2003raquo;، عندما أصدر حاكم تلك الدولة العربية وقتها بول بريمر قانون اجتثاث البعث الذي يوصف الآن بأنه القرار الأكثر كارثية والأكثر تأثيرا في مسار الأحداث العراقية.
- فقد خلق هذا القرار الانفعالي والمتسرع فراغا هائلا في السلطة وفي كل الدوائر الحكومية والأمنية، لأن البعثيين كانوا يديرون الخدمات العامة مثل المدارس والمستشفيات، ويسيطرون على الجيش والشرطة، والأهم من ذلك أن خطوة بريمر الغبية دفعت آلاف البعثيين إلى الانضمام للمقاومة والتحالف مع القاعدة وتنفيذ الكثير من العمليات الانتحارية.
- كان ينظر إلى سياسة اجتثاث البعث على أنها تستهدف ضرب نفوذ صدام حسين، على غرار ما حدث مع النازيين في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن الفراغ الناتج عن قرار بريمر هيأ الأجواء لتفشي الفوضى والعنف وتدهور الأوضاع الأمنية وتعزيز تنظيم القاعدة.
- وعندما أدركت القيادة الأميركية في واشنطن ما حدث للعراق، بجرة قلم من الحاكم بريمر، بدأت تضغط على الحكومة العراقية، وعلى البرلمان للتراجع عن القرار. وتتلخص المشكلة في أن الشيعة الذين يمثلون أقوى طرف سياسي في العراق ظلوا يقاومون المحاولات الأميركية الرامية إلى إلغاء قانون اجتثاث البعث، إلى أن رضخوا - جزئيا- لرغبة البيت الأبيض من خلال إصدار قانون العدالة والمحاسبة.
- ولا تخفي الولايات المتحدة حاجتها الملحة لإيجاد توازن شيعي - سُني لم تؤمن بضرورة تحقيقه في العامين الأولين من الغزو، لكنها اكتشفت، ولو متأخرة، أن إقصاء السُّنة بحجة أن صدام كان سُنيا لم يكن المدخل السليم لاستقرار العراق.
- وفي الآونة الأخيرة، وعلى ضوء ما تقول واشنطن إنها حققته من تقدم أمني في العام الماضي، ازدادت حاجتها، ليس فقط إلى المصالحة الوطنية التي تعتقد أن قانون العدالة والمحاسبة سيساعد في إنجازها، ولكن إلى حلفاء جدد من السُنة لمد يد العون إلى laquo;مجالس الصحوةraquo; السنّية، التي تقاتل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة بها.
- لقد أحيا القانون الجديد آمال واشنطن في إضعاف القاعدة، لكن العقدة وشياطين التفاصيل تكمن في التفريق بين البعثي الجيد والبعثي السيئ، وفي تحديد مواصفات التعيين والتقاعد والمحاكمة.
التعليقات