عبد الله بن بخيت كشفت قضية المرأة السعودية التي تم ابتزازها في مصر أن الإعلام السعودي ما زال رهينة التاريخ. يتصرف وكأن العالم العربي ما زال على ما كان عليه قبل أربعين سنة. مايكرفونات عبدالناصر ما زالت تلعلع (أمجاد يا عرب أمجاد) وحزب البعث يتحدث مع الأشقاء بمسدساته واغتيالاته وسالمين يحكم جمهورية اليمن الشعبية الديموقراطية والوحدة العربية آتية لا ريب فيها.

عندما تندلع مواجهة بين مواطن سعودي معزول وبين أجهزة دولة أجنبية كالقضاء والإعلام وغيرها يستعيد الإعلام السعودي مخاوف الماضي وضعفه واستكانته والعلاقات السائدة في حقبة التردي. ترتفع في صوته نبرة اللغة القديمة (الأشقاء، الوطن العربي أمة واحدة إلخ). لم يقوَ الإعلام السعودي حتى الآن على فهم المتغيرات التي طرأت في العالم وخصوصاً في المنطقة. ما زال رد فعله يأتي وفقاً لمعادلات القوة الوهمية في حقبة الستينات. ما زال يتصرف على أن هذه الدولة هي زعيمة العرب وهذه الدولة مفتاح الحل والعقد في المنطقة وتلك لا يكون السلام بدونها إلى آخر الأساطير السياسية التي تلقيناها وتشربناها في الستينات. لم ينظر الإعلام السعودي إلى ما يجري حوله ويعرف جيداً كيف تتحرك الأحداث ومن يحركها.

تسهم الأحداث التي يتعرض لها المواطنون السعوديون في الدول العربية على كشف التناقض بين قوة المملكة السياسية والاقتصادية وبين ضعفها الإعلامي. خذ القضية اللبنانية على سبيل المثال من هي القوى المحلية التي تدير الأزمة في لبنان وإلى أين يتجه الاستقطاب في الأزمة اللبنانية ثم ضع قائمة بأزمات المنطقة كافة وضع إلى جانبها تأثير كل دولة عربية على سير هذه الأزمة لتدرك حجم المملكة مقابل حجم تلك الدول لتعرف أن هذه القوة التي تملكها المملكة غائبة عن وعي وإدارك الإعلام السعودي؟

تمثل الفتاة السعودية التي تعرضت للابتزاز في مصر حالة نموذجية لتأثير حقبة الستينات على ذهنية العاملين في الإعلام السعودي. باستثناء جريدة واحدة (الحياة) لم تتابع الصحف السعودية مأساة المرأة السعودية التي انقض عليها الإعلام المصري وتعرض بلا أي خجل للسعوديين كسعوديين التي انتهت بالمرأة المسكينة توزع الفلوس على كل من هب ودب من المصريين لتنجو بنفسها من تهديد القضاء المصري بسجنها خمس سنين على حادثة سير. كل جريدة سعودية تملك مكتباً في مصر. عندما تتابع منتجات هذه المكاتب السعودية تلاحظ أنها لا تهتم بقضايا السعوديين في مصر وإنما تعمل على تكريس علاقة الستينات التراتبية؟ لا أستثني مكاتب الجرائد السعودية في القاهرة عن مكاتبها في العواصم العربية الأخرى. تلاحظ أن الأخبار الصادرة من تلك المكاتب العربية كأنها صادرة من العواصم التي يصنع فيها مصير العالم (لندن، نيويورك، أو بكين). لم يدرك بعد الإعلام السعودي المغمى عليه في الستينات أن اقتصاد عاصمة أكبر دولة عربية لا يعادل اقتصاد حي النسيم بالرياض.

فاكس 4702164