يرغب الناخبون الشباب أن يضعوا حداً، ليس لحرب العراق فقط، وإنما أيضا لثقافة الحروب الأميركية
إنهم يسعون إلى المضي قدماً نحو تجاوز إرث بوش والكلينتونيين
مارتن كيتل - الغارديان
من الصعب أن لا يشعر المرء بالرثاء لحال هيلاري كلينتون. ذلك أنها تشكل، في العديد من الأوجه، المرشح الرئاسي الكامل بالنسبة للديمقراطيين. إنها تتمتع بفكر واسم ومال وآلية عمل، وكانت قد شقت طريقها إلى الكونغرس وراكمت فيه رأسمال سياسيا، وأمضت كل يوم من السنين السبع الماضية في محاولة إثبات أنها ليست تلك المرأة العجوز المشاكسة الجليدية التي تتحدث عنها القصص الشعبية. وقد تبنت، أكثر من أي من منافسيها، تلك المواقف والخطوط والأولويات الصحيحة، بغية الوصول بدعمها الشعبي إلى أقصى درجاته. لقد صنعت الكيفية التي ستصبح بها رئيساً، وربما تكون رئيساً جيداً في حال انتخابها.
مع ذلك، وعندما يمنح الناخبون الفعليون الفرصة لاختتام الصفقة، فان العديد منهم يصبحون عقبة كما فعلوا في أيوا في الاقتراع الأخيرة. وتعتبر حقيقة احتلالها المركز الثالث في أيوا حين اختار أكثر من ثلثي المقترعين مرشحين آخرين صفعة تبعث على الصدمة لحملة كلينتون. بيد أن مستطلعي آراء الناخبين ظلوا يعرفون دائماً مشكلتها. إن مشكلتها هي أن الكثير من الناس لا يثقون فيها، هذا في الوقت الذي تكن فيه لها أقلية مهمة كراهية عميقة. إنها واحدة من أكثر الشخصيات التقسيمية في الحياة الأميركية مهما حاولت أن لا تكون كذلك. وإذا ما تم انتخابها، فإنها سوف تعيد إشعال جذوة ثقافة الحروب رغما عنها. وكل هذا يجعل، حتى المعجبين بها، يتوجسون من أنها ليست مرشحة للفوز، كما أنها لن تكون الشخصية التي تحتاج إليها البلاد فعلاً. وفي سنة يريد فيها الديمقراطيون تحقيق الفوز، فوق كل شيء، فإن هذه تشكل أنباء سيئة جداً في الحقيقة.
كان بيل كلينتون قد رأى هزيمة أيوا آتية، فقبل أعياد الميلاد، قال الرئيس الأميركي السابق في حديث خاص إن زوجته على وشك أن تصبح، من الناحية الفعلية، آخر ضحية سياسية لحرب العراق. وفيما كانت الحرب تستعر، جعلت كفاءة هيلاري وخبرتها منها وجهاً آمناً بكل وضوح. لكن فيما أصبح وضع العراق أكثر استقراراً على الأرض، وخفت كموضوع سياسي، فقد خفتت أيضاً أولوية الحاجة إلى وجود مرشح يتمتع بخبرة. وتماما كما حدث في عام 1992، كما لاحظ بيل كلينتون، فإن عام 2008 أصبح عام انتخاب مفصلاً على مقاس المرشح الذي يعد بالأمل، وذلك المرشح ليس هو هيلاري كلينتون. إن ذلك المرشح هو باراك أوباما.
إن أوباما مرشح موهوب، لكن هيلاري هي كذلك بدورها. وهو يبني السياسات السائدة، وكذلك تفعل هيلاري. لكن، وكما أثبتت أيوا مؤخراً بشكل دراماتيكي، فإن ترشيح أوباما يتعلق كله بالتواجد في المكان الصحيح، وفي الزمان الصحيح. لأنه، ومثلما لكلينتون سرها الانتخابي ndash;نزعتها التقسيمية- والتي يحاول مؤيدوها تجاهلها إلى أن يجبروا على غير ذلك، فإن لأوباما سر انتخابي خاص به ndash;جاذبيته بالنسبة للناخبين الشباب والمستقلين- وهو ما يميل المعارضون إلى تناسيه حتى يجبروا على الإقرار به، كما كان حالهم ليلة الخميس الكبيرة في أيوا.
في مؤتمر أيوا الحزبي، تغلب أوباما على كلينتون بفارق إجمالي بلغ تسع نقاط. لكن هذا يخفي وراءه بعض الأرقام التفصيلية المشهدية. لقد استقطب أوباما أصوات الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة في أيوا بنسبة بلغت أكثر من خمسة إلى واحد قياسا مع كلينتون. وبين المستقلين، فاز تقريبا بنسبة اثنين ونصف إلى واحد. ونظراً إلى أن الناخبين الشباب والمستقلين هم الأشخاص الذين أراد الديمقراطيون أن يقبلوا على صناديق الاقتراع أكثر ما يكون -تضاعف الإقبال على التصويت في أيوا في الانتخابات الأخيرة مقارنة مع عام 2000 لأنهم فعلو ذلك-، فإنه ربما كان ليبدو غريباً لو أن هؤلاء المقترعين لم يفضلوا مرشحا غالبا ما يستقطب، إيجابياً، ناخبين جددا بدلا من أن يصوتوا لصالح مرشحة تردعهم، إيجابياً، في العديد من المناسبات.
وراء كل هذا يكمن شيء آخر بالتأكيد، وهو أن العديدين من متوسطي الأعمار وكبار السن في صفوف الديمقراطيين يرون إلى انتخابات عام 2008 من منطلقات مانوية (الإيمان بعقيدة أو فلسفة دينية ثنوية). إنهم لا يريدون مجرد إرسال ديمقراطي إلى البيت الأبيض بقدر ما يريدون تعويض أنفسهم عن ترك الأمور للجمهوريين خلال السنوات الثماني التي كان فيها جورج بوش رئيسا. وهم يريدون أن يتعافوا في نهاية المطاف من مآس سابقة. وعلى الرغم من أنهم يدركون إخفاقات كلينتون، فإنهم يجدون أن من السهل جدا تحميل مسؤولية هذه الإخفاقات إلى جانب واحد، وبالتالي يبدون استعدادا لان يقفوا وراء هيلاري باعتبار أنها ملاكهم الموكل بالانتقام لجيلهم.
إن المشكلة بالنسبة لهؤلاء الديمقراطيين هي أن الكثيرين جداً من ناخبيهم المحتملين لا يفكرون فعليا بهذه الطريقة. إن هؤلاء المقترعين الآخرين ndash;بوصفهم أكثر شبابا وأكثر استقلالية والذين يشتملون على عدد أكبر من الإناث- يقرون سياسة تأييد الحزبين، وسياسة أقل استقطاباً، لكنهم يرون في هيلاري عائقاً يعترض سبيل هذا النهج. إنهم لا يستطيعون انتظار ذهاب بوش، لكنهم لا يريدون إهدار السنوات الأربع أو الثماني التالية وهم يعيدون خوض معارك التسعينيات أو العقد الأول من القرن. وهم يشعرون بأنهم يستثمرون على نحو متدن عند الكلنتونيين. وباختصار، فإنهم مستعدون للتحرك، ليس إلى ما بعد سنوات بوش وحسب، وإنما أيضا إلى ما بعد سنوات كلينتون. وبالنسبة لهم، فان رسالة أوباما التي لا تتوقف والواعدة بالتغيير وبالبداية الجديدة - الممجوجة أحياناً، والتي كررها مع ذلك بإسهاب في خطاب فوزه في ديس موانيس- ما يزال رجعها يتردد أكثر بكثير من أي دعوة أخرى إلى حمل السلاح ضد العدو القديم.
شرح هذا بشكل دراماتيكي الكاتب المؤيد لمبادئ الحرية والمحافظ أندرو سوليفان في مقال له نشر أخيراً في الاتلانتيك مونثلي Atlantic Monthly، والتي يقرأ فيها ببصيرة نافذة جداً مرحلة ما بعد أيوا. حاجج سوليفان في أن ترشيح أوباما يمكن أن يكون نقطة تحول لأميركا، ذلك أن ترشيحه هو الوحيد في هذا السباق الذي يعرض على أميركا فرصة الدعوة إلى هدنة في حرب الثقافات السائدة منذ فيتنام، والتي خيضت عليها كل الانتخابات الرئاسية منذ عام 1968.
إذا ما صح ذلك، فإن انتخابات 2008 قد تكون مع ذلك حدا فاصلا. أما إذا أخذت شكل منافسة بين كلينتون وجولياني، فإنها ستعمل ببساطة على تكثيف الدائرة السامة التي حكمت السنوات الأربعين الماضية، بكل ما انطوت عليه. لكنها إذا أخذت شكلا حزبياً أقل تقليدية، خاصة على شكل منافسة باتت الآن غير قابلة للإخفاء بين أوباما وماككين، فان الأساليب والمناورات السياسية الاميركية قد تكون قادرة أخيراً على تخليص نفسها من نزعة المواجهة المدمرة التي وسمت الماضي القريب. وكما كنت قد طرحت مؤخراً في مناقشتي لكتاب رونالد براونشتاين المهم الجديد، فإن هذا يشكل فوزاً جديراً بجائزة.
لكن فوز اوباما في أيوا لا يضمن تلك النتيجة. فهناك، بعد، العديد من الاقتراعات التي ستجري في العديد من الولايات. لكن من شأن الفوز في أيوا أن يجعل ذلك أكثر إمكاناً إلى حد ما. وعلينا أن نرى الآن ما إذا كان باستطاعة أوباما أن يكرر الفوز في الانتخابات التمهيدية في نيوهمبشاير يوم الثلاثاء، (فاز بها كل من هيلاري كلينتون وماككين)، أم إذا كانت كلينتون تستطيع محاكاة زوجها من خلال القيام برحلة استعادة للعافية في الأرياف، وما تزال ثمة أيام قلائل أمامنا هنا في نيو إنغلند حيث درجة الحرارة تقل عن الصفر. لكن الاحتمالية الكبيرة هي أن الرئيس الأميركي التالي ربما يكون ابن إفريقي كان قد ذهب إلى مدرسة إسلامية عندما كان طفلاً ndash;والذي يبدو مع ذلك غير مأخوذ بالعرق أو الدين- تبدو وأنها رسالة قوية ومفعمة بالأمل كواحدة يمكن للجمهورية أن ترسلها إلى نفسها أو إلى العالم المتشوف الآن تحديدا.
كوتيشنز
quot;إذا تم انتخاب هيلاري كلينتون، فإنها سوف تعيد إشعال جذوة ثقافة الحروبquot;
quot;2008 سيكون عام انتخاب مفصلاً على مقاس المرشح الذي يعد بالأمل، وهيلاري كلينتون ليست ذلك المرشحquot;
التعليقات