سركيس نعوم

اللبنانيون يشعرون بقلق عميق حالياً وسيزداد قلقهم المقيم في عقولهم والقلوب منذ اواخر عام 2004 بعد التمديد القسري للرئيس اميل لحود والتطورات التي تلته سواء كانت سلبية كالاغتيالات والتفجيرات، او ايجابية كخروج الجيش السوري من لبنان وتكوّن غالبية نيابية مستندة، في حينه، الى غالبية شعبية تريد علاقات طبيعية وسليمة ومتكافئة مع سوريا لكنها ترفض وصايتها وهيمنتها وسيطرتها على كل كبيرة وصغيرة في البلد. ولازدياد الشعور هذا اسباب عدة، بعضها سياسي يتمثل بعجز الفريقين السياسيين الاساسيين في لبنان 8 آذار وquot;حليفهquot;، quot;التيار الوطني الحرquot;، و14 آذار عن التفاهم على صيغة وطنية تنهي الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، وتسهيل تشكيل حكومة ذات تمثيل واسع تتولى بمعاونة مجلس النواب اعادة بناء الدولة الغائبة مؤسساتها او المشلولة. وبعضها امني يتمثل بهشاشة الوضع الامني وبانفتاحه الدائم على التعكير والاهتزاز سواء بواسطة الاغتيالات او التفجيرات كما حصل أمس، او تحريك الشارع لأغراض اجتماعية ومعيشية ولكن بتوقيت سياسي لا علاقة له بهذه الامور، او اطلاق فوضى شعبية تبدأ سلمية ثم تنتهي عنفية ليس فقط لان الاحتقانات السائدة كبيرة، بل لان هناك من يريد لها نهاية كهذه تحقيقاً لاغراضه. وبعضها الاخير اقليمي ويتمثل بتحرك اقطاب المواجهة الاقليمية ndash; الاقليمية والاقليمية ndash; الدولية على لبنان الساحة وبواسطة quot;شعوبهquot; الادوات التي صارت عاجزة عن التحرر من quot;تحالفاتهاquot; الخارجية، إما لأسباب ايديولوجية وإما لاسباب مصلحية، وإما عجزاً وخوفاً على الذات.
هذا في العام طبعاً، أما في ما يتجاوزه الى الخاص فان ظهور شاكر العبسي زعيم quot;فتح الاسلامquot; على شبكات الانترنت وتهديده الجيش بكلمات وتعابير طائفية لا تقرّها غالبية المسلمين من لبنانيين وفلسطينيين، زاد قلق المواطنين الابرياء في لبنان ومعهم الفلسطينيون اللاجئون اليه. ذلك انهم لم ينسوا بعد حرب مخيم نهر البارد التي ادت الى تدميره وتهجير قاطنيه وتهديد الشمال، بل البلد كله، بمصير مضطرب ومظلم. كما ان الاعتداء الأخير على القوة الدولية المعززة quot;اليونيفيلquot;، وهو ليس الاول وقد لا يكون الاخير، ضاعف القلق نفسه، فضلا عن ان اغتيال رئيس العمليات في الجيش اللبناني الشهيد اللواء الركن فرنسوا الحاج، ورغم استمرار غموض هوية قاتليه والجهة او الجهات المحرضة على قتله والمخططة لذلك، يقلق على وجه الخصوص الجنوبيين. ذلك ان السيارة التي استُعمِلت في التفجير اشتُريت من صيدا قبل 18 ساعة الامر الذي يشير الى احتمال ان تكون هناك محاولة ما لوضع صيدا ومحيطها الفلسطيني في دائرة الاستهداف واستعمالهما في المواجهة الشرسة الدائرة في لبنان، بل في المنطقة كلها، سواء بفعل جهات اقليمية وعربية ودولية معروفة، او مع الارهاب القاعدي والبن لادني الذي يمكن أياً من هذه الجهات استخدامه سواء بمعرفة منه او بجهل او ربما تجاهل. اما لماذا صيدا ومحيطها الفلسطيني؟ فلأسباب عدة منها ان ساحة الشمال لم تعد مهيأة لحرب كتلك التي جرت في نهر البارد ومحيطه من دون ان يعني ذلك ان المتشددين الاصوليين المؤمنين بالارهاب، كما يسميه اعداؤهم او quot;الجهادquot; كما يسمونه هم، لم يعودوا موجودين في طرابلس وفي مجتمعاتها ومناطقها. ومنها ايضاً ان ساحة بيروت حساسة جداً والحرب فيها لا يمكن حصرها ومنع تفاعلها بحيث تتحول صراع كسر عظم بين المسلمين. وهذا امر مرفوض، على الاقل حالياً. وهو اذا حصل لا سمح الله سيكون اما في آخر مراحل الصراع الكبير الدائر، واما تنفيذاً لقرار بمحاولة حسم الامور في البلد. ولا يعني ذلك طبعاً ان بيروت الصغرى والكبرى ليست مرتعاً لكل انواع التطرف والاصوليات. ومنها اخيراً ان مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة وهو الاكبر بين مخيماتهم في لبنان رغم حال التعاون القائمة بين فاعلياته وفصائله على تنوعها والمجتمع الاهلي والمدني في عاصمة الجنوب صيدا - ان هذا المخيم او بعضه قد يكون مركزاً لخلايا وشبكات تتمتع بحمايات متنوعة وبتمويل وتسليح. وعندما يأتي الامر من اصحاب الامر الذين لا يعرفهم احد فان عناصر هذه الشبكات او الخلايا او بعضها تستيقظ وتبدأ العمل لتنفيذه ثم العودة الى مكان quot;توجههاquot; اذا تمكنت من ذلك. والأخطر هو انه في حال صدور أمر بفتح معركة كبيرة او بالاحرى حرب واسعة كحرب البارد او ان تحصل تطورات تجعل تلافي حرب كهذه صعباً جداً. وفي هاتين الحالين يكون الدمار شاملا وكذلك الاخطار واهمها تطور الحرب في اتجاهات داخلية ndash; داخلية، وإذذاك يقع الجميع في كارثة.
طبعاً هذا الكلام ليس للتخويف ولا للتهويل، ولكنه للفت القيادات السياسية والرسمية والامنية والحزبية والدينية والطائفية والمذهبية الى الواقع الخطر السائد ليس في محيط صيدا ومخيماتها وربما فيها فقط، بل في كل لبنان، ودعوتها الى وقف نحر الوطن وquot;شعوبهquot; من خلال الصراع الذي تخوض في ما بينها، سواء بالاصالة في النزاعات الداخلية، او بالوكالة عن الخارج في صراعاته. والتقاعس في هذا المجال يقرب من الخيانة الوطنية، لان الاعتدال ينقذ لبنان والتعصب والتطرف والارهاب تدمره، ولأن الحرب تقضي على المعتدلين بنائي الوطن وتعزز المتطرفين الذين لا يعيشون إلاّ على دماره، ولأن اي مشروع فئوي في لبنان يستحيل ان يتحقق على المدى الطويل ولان التقاء المصالح بين المتطرفين المنتمين الى quot;معسكراتquot; دينية او طائفية او مذهبية مختلفة والذي قد يغريهم بتقاسم البلد بعد quot;مسحquot; كل اطراف الاعتدال فيه، لا يمكن ان يكون الا ظرفياً وموقتا، لانهم بعد ذلك سيرتدّون بعضهم على بعض وسيعجزون عن التعايش وإن في جزءين منفصلين من الوطن الواحد.
في اي حال، وتخفيفاً من اي خوف او ذعر قد يشعر به القراء وخصوصاً في الجنوب الصيداوي ndash; الفلسطيني، نلفت الى ان الجيش اللبناني بنى علاقات عمل جيدة مع كل الافرقاء الفلسطينيين في الجنوب ومع كل الصيداويين والجنوبيين غير الصيداويين، ومن شأن ذلك مع بعض الصبر والحكمة ان يجعل اي تطور سلبي او عنفي محدوداً الا طبعاً اذا كان هناك قرار كبير غير لبناني بفتح جهنم في لبنان. ذلك ان لبنان غير مهيأ لمواجهته، ويا للأسف، الا انه يبقى من واجب ابنائه ان يستعدوا للصمود عند انفجار براكين جهنم هذه اذا انفجرت، وللاستعداد للبدء من جديد في بناء بلد قابل للحياة ومتمسك بثقافتها.