لميس ضيف

في‮ ‬حديثه عن الملحمة الحسينية‮ ‬يقول المطهري‮:‬
لقد استشهد الإمام الحسين ثلاث مرات‮.. ‬الأولى على‮ ‬يد اليزيديين بفقدانه لجسده،‮ ‬والثانية على‮ ‬يد أعدائه الذين شوهوا سمعته واساءوا لمقامه لا سيما المتوكل العباسي،‮ ‬أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على‮ ‬يد أهل المنبر الحسيني‮ ‬وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم‮laquo;.‬
فمما‮ ‬يُؤلم له‮.. ‬هو ما نراه من سيطرة الخطاب التقليدي‮ - ‬المتمحور حول مظلومية الإمام وصحبه والتباكي‮ ‬على مصابهم‮ - ‬على المنابر الحسينية‮.. ‬طاغياً‮ ‬بذلك على فلسفة المدرسة الحسينية التي‮ ‬جاءت لتربي‮ ‬الناس على المروءة والصبر والغيرة على الإسلام‮.. ‬وعلى المبادئ الأخلاقية والإنسانية‮.‬
وليتنا قد توقفنا عند تسطيح الواقعة واكتفينا بتفريغها من أهدافها ورسائلها الحضارية‮.. ‬ولكنا تمادينا عن ذلك وقمنا بحشوها أيضا بالتحريفات والمغالطات والأساطير،‮ ‬والقصص القاصرة عن أن تصبح تاريخاً‮ ‬يألفه أو‮ ‬يقبله العقلاء،‮ ‬فجعلنا واقعة كربلاء بذلك عرضة لتندر وهجوم الآخرين علينا‮.. ‬عوضاً‮ ‬أن تكون بوابتنا لنقل وشرح مبادئ الثورة للآخرين‮.. ‬لدفع المجتمع الإسلامي‮ - ‬والعالمي‮- ‬على تقديرها وإجلالها‮..‬
فاختلاق قصص تدعي‮ ‬أن جيش عمر بن سعد بلغ‮ ٠٠٨ ‬ألف بين مشاة ورماة‮.. ‬وان الواحد من اصحاب الحسين كان‮ ‬يقتل ‮٠١ ‬آلاف بضربة واحدة‮.. ‬وأن‮ ‬يوم عاشوراء كان ‮٢٧ ‬ساعة‮.. ‬وان الحسين‮ (‬ع‮) ‬قد قتل ‮٠٠٣ ‬ألف في‮ ‬صبيحة عاشوراء،‮ ‬بينما قتل العباس ‮٥٢ ‬ألفاّ‮ ‬قبل أن‮ ‬يخرّ‮ ‬صريعا‮.. ‬وخرافات أخرى كثيرة حقق فيها العلماء ووقفوا على بطلانها كعرس القاسم مثلاً‮ ‬الذي‮ ‬تدعي‮ ‬روايات المآتم أنه وقع ليلة عاشوراء‮.. ‬ورواية قدوم السيدة زينب ووقوعها على جسد ابي‮ ‬عبدالله وهو‮ ‬يحتضر‮.. ‬ناهيكم عن الافتراءات التي‮ ‬تقال في‮ ‬بعض المآتم والتي‮ ‬تصور أهل البيت وأصحاب الحسين وهم جزعون‮.. ‬يلتمسون شربة ماء بكل ذل ومهانة من الأعداء‮ raquo;‬أنظر الهامش‮laquo;!!‬
بالطبع كل تلك شوائب أُقحمت على الملحمة الحسينية في‮ ‬عصور متقدمة‮.. ‬بعضها أًدخل عفوياً‮ ‬مدفوعاً‮ ‬بالطبيعة البشرية التي‮ ‬تميل للمبالغات وصناعة الأساطير حول الأبطال‮.. ‬فيما أدخل بعضها الآخر عنوة لاستدرار الدمع والتأثير على الناس‮.. ‬وأياً‮ ‬كان المبعث،‮ ‬فإن امتزاج تلك المبالغات والمغالطات مع الواقعة الأصلية لم‮ ‬يسيء لقضية الحسين وثورته الخالدة أمام الآخرين فحسب‮.. ‬بل وأدى لتنفير الأجيال الجديدة من أبناء الشيعة من المآتم وخطابها الساذج المجافي‮ ‬للمنطق والعقل‮.. ‬نخص بذلك تلك الروايات التي‮ ‬يروج لها الخطباء‮ raquo;‬المستوردون‮laquo; ‬والتي‮ ‬تتحدث عن ظهور الأئمة لبعض مواليهم في‮ ‬أوقات الشدة بأشكال مختلفة منها أشكال سباع وأسود والعياذ بالله‮.. ‬وغيره من الكلام المسف‮.. ‬الذي‮ ‬أساء للشعائر والمنبر الحسيني‮.. ‬وللشيعة كمذهب وجماعة‮..‬
وهناك من تصدى من العلماء لهذه الخرافات وانكفأ على تنقية الروايات وتصليح اعوجاجها‮.. ‬أبرزهم بالطبع العلامة الوائلي‮ ‬رحمة الله عليه الذي‮ ‬قام بتهذيب الحزن والبكاء وتسخير المنبر لنشر الوعي‮ ‬السياسي‮ ‬والفكري‮.. ‬ولكن أتباع مدرسته لازالوا للأسف قلة مقابل جحافل الخطباء‮ ‬الذين‮ ‬يركزون على قشور الواقعة مهملين معانيها ومدلولاتها‮..‬
ويبقى لنا أن نقول هنا‮.. ‬إن تنقية الخطاب هي‮ ‬مسؤولية الجميع‮.. ‬الخطباء بالتصدي‮ ‬للخرافات وتجريد خطابهم منها‮.. ‬والجماهير بالتثقف والقراءة وإعمال العقل‮.. ‬فالحسين‮ (‬ع‮) ‬لم‮ ‬يضح بنفسه لنبكيه كل عام ونفرش في‮ ‬حبه الموائد‮.. ‬بل فعل لتكون ذكراه مناسبة لإحياء مبادئه وقضيته والتذكير بقيمها‮ ‬ومعانيها السامية‮.. ‬وإحياء المناسبة بهذا النهج هو سبيلنا الحقيقي‮ ‬لتكريم أبطال كربلاء‮..‬