انفجار الكرنتينا: بريد لبناني لرسائل اقليمية ودولية وبعثة من واشنطن للتحقيق

الأكثرية تسأل موسى عن جدول المعارضة لتقرر من سيحاور باسمها

بيروت - النهار

مع ازدياد التداخل بين أزمة الانتخابات الرئاسية وأزمات المنطقة، جاءت جريمة التفجير الارهابي في الكرنتينا امس لتطلق رسائل متعددة الاتجاه، أبرزها حصول التفجير عشية عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عصر اليوم الى بيروت، وتشابهه مع انفجار الرميلة في الثامن من الجاري والذي استهدف quot;اليونيفيلquot; عشية وصول موسى أيضاً حاملاً المبادرة العربية.
وازاء تعدد القراءات لمغزى الانفجار، توقف المراقبون عند الهدف الاميركي الذي تمثل في احدى السيارات الديبلوماسية التابعة لسفارة الولايات المتحدة والتي كانت الهدف الرئيسي وقصد به الرد على جولة الرئيس الاميركي جورج بوش في المنطقة وما رافقها، وخصوصاً في الامارات، من مواقف ضد ايران وسوريا وquot;حزب اللهquot;.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـquot;النهارquot; ان هذه المرة الأولى في سياق الاحداث الجارية في لبنان منذ خريف 2004، يستهدف الوجود الاميركي، الامر الذي يثير مخاوف من ان يكون ذلك تمهيداً لمسلسل استهداف البعثات الاجنبية والعربية شبيه بما حصل خلال المرحلة الأولى من الاحداث اللبنانية عام 1975. وأشارت الى ان ما جرى في الكرنتينا أمس هو quot;رسائل اقليمية ودولية على الساحة اللبنانية التي تحولت صندوق بريدquot;.

لكن غبار انفجار الكرنتينا لم يصرف انتباه المسؤولين والسياسيين عن الجولة الثانية من محادثات موسى ابتداء من اليوم في بيروت.
وأبلغت مصادر الاكثرية الى quot;النهارquot; انها ستواكب هذه الجولة بطلب معرفة جدول التفاوض مع المعارضة، وألا تزال هذه مع المبادرة العربية، خصوصاً ان ما أعلنه حديثاً رئيس quot;تكتل التغيير والاصلاحquot; النائب العماد ميشال عون اطلق أولويات لا تمت الى المبادرة بصلة مثل الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، وتأليف حكومة انتقالية والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة. وأضافت انه في ضوء ما سيعود به موسى من المعارضة، ستقرر الاكثرية من سيمثلها في الحوار معها وليس بالضرورة ان يكون هذه المرة رئيس quot;كتلة المستقبلquot; النائب سعد الحريري.
وأفادت أوساط في المعارضة ان هذه لن تلجأ الى التصعيد أو النزول الى الشارع قبل 27 من الجاري موعد الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية العرب والمخصص لمراجعة ما انتهت اليه جهود موسى لتنفيذ المبادرة العربية. ورأت ان لا رئيس للجمهورية او حكومة قبل القمة العربية المقررة في آذار المقبل في دمشق وربما امتد هذا التأجيل الى الانتخابات النيابية المقبلة وسط تفاهم على quot;ستاتيكوquot; يضمن الاستقرار الامني وتصريف الحكومة الحالية الاعمال في حدها الادنى.

وردت مصادر وزارية على هذا الطرح بالتأكيد ان الموقف الذي سيسمعه الامين العام لجامعة الدول العربية ابتداء من اليوم هو الاصرار على تطبيق المبادرة العربية بالترتيب الآتي: انتخاب العماد ميشال سليمان فورا، ثم تأليف حكومة في رعايته، فاعداد قانون جديد للانتخاب.
اما في ما يتعلق بالازمة المعيشية التي تحاول المعارضة استغلالها، فقالت المصادر ان قرار الحكومة هو اغراق لبنان بالقمح ولو ادى ذلك الى فتح مجال امام المهربين لتسريب هذه المادة الى خارج لبنان. وتساءلت quot;هل اذا جاء الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله رئيسا للحكومة يمكنه ان يخفض سعر النفط عالمياquot;. وخلصت الى quot;ان لبنان يدعم المحروقات افضل من الكثير من دول العالم بما فيها ايران، وتاليا فان كل هذه الضغوط لن ترهب الحكومةquot;.
وعن انفجار الكرنتينا قالت مصادر امنية انه نجم عن عبوة موجهة زنتها 15 كيلوغراما من مواد شديدة الانفجار كانت في كيس بلاستيك او حقيبة على الطريق البحرية في محلة الكرنتينا وجرى التفجير بواسطة جهاز تحكم من بعد. اما السيارة المستهدفة التابعة للسفارة الاميركية، فكان في داخلها لبنانيان موظفان في السفارة وقد اصيبا بجروح. كما سقط في الانفجار ثلاثة قتلى هم سوري كان على دراجة نارية، ولبنانيان لم تعرف هويتهما وقد احترقا داخل سيارة مدنية.
اما الجرحى فبلغ عددهم 26 غالبية اصاباتهم طفيفة، وبينهم قس اميركي.
ولاحظت المصادر تشابها كبيراً بين عبوة الكرنتينا وتلك التي استهدفت عناصر من الكتيبة الاسبانية في الجنوب قبل اشهر.

الا ان معلومات امنية اخرى قالت ليلا ان الانفجار نجم عن سيارة مفخخة من نوع quot;غولفquot; كانت متوقفة الى جانب الطريق من الجهة اليمنى، وقد انفجرت لدى مرور السيارة التابعة للسفارة الاميركية وعثر على محركها ويجري البحث عن رقم المحرك والهيكل. وقدرت زنة العبوة بنحو 25 كيلوغراما من المواد المتفجرة، التي تحوي كرات لايقاع مزيد من الاصابات. الا ان المكان المفتوح على البحر خفف ضغط الانفجار وحدّ من عدد الضحايا.
وتردد ان بعثة اميركية ستصل الى لبنان قريبا للتحقيق في الحادث.
واوضحت مصادر قضائية لـquot;النهارquot; انه لم يتم التأكد كليا من طريقة التفجير. وكان الانفجار تسبب بتحطم قساطل لمياه الشرب في المنطقة، وحضرت فرق فنية وعملت حتى ساعة متقدمة من الليل لاصلاحها ووقف تدفق المياه منها في مسرح الجريمة.

وفي القراءات المتعددة، التقت قراءتان واحدة للاكثرية واخرى لحركة quot;أملquot; في القول إن تفجير الكرنتينا يستهدف المبادرة العربية، فيما رأى quot;حزب اللهquot; بلسان أمينه العام ان للتفجير quot;تداعيات خطرة على أمن البلدquot;.
واستنكر الجريمة الاجتماع التشاوري الوزاري الذي رأسه رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة مساء أمس في السرايا، وقال ان quot;العملية الارهابية تضاف الى مسلسل العمليات الارهابية السابقة للنيل من أمن لبنان واستقرارهquot;. وصرح وزير الاعلام غازي العريضي بعد الاجتماع quot;بأن الحكومة ترى ان الرد الانجع عليها يكون بالتزام القرار العربي والذهاب فوراً الى تنفيذ بنوده لملء الفراغ في الرئاسة الأولى وتشكيل حكومة جديدةquot;.
وكان الاجتماع الوزاري مقرراً منذ ثلاثة ايام ومخصصاً لمتابعة مهمة عمرو موسى والوضع الاقتصادي والاجتماعي. لكن حصول الانفجار قبل ساعة ونصف ساعة من موعده حوله الى متابعة ذيوله.
واتصل رئيس مجلس النواب نبيه بري بالسفير الاميركي جيفري فيلتمان مستنكراً الحادث، فيما قالت حركة quot;أملquot; في بيان إن quot;الاستهداف السياسي للانفجار هو تعطيل المبادرة العربيةquot;.
ولفت رئيس quot;كتلة المستقبلquot; النائب سعد الحريري الى ان التفجير quot;يتزامن مع الجهود العربية لانهاء ازمة رئاسة الجمهورية ومنع اللبنانيين من التلاقي وفتح صفحة جديدةquot;.

وأصدرت السفارة الاميركية بياناً جاء فيه quot;ان جرائم كهذه لن تضعف الشركة الدولية التي تعمل على دعم وتعزيز استقلال لبنان وديموقراطيتهquot;.
وألغت السفارة استقبالاً كان مقرراً أمس في فندق quot;فينيسياquot; لمناسبة قرب مغادرة السفير جيفري فيلتمان لبنان.
وعلمت quot;النهارquot; ان السفير السعودي عبد العزيز خوجه أقام غداء أمس على شرف فيلتمان شاركت فيه شخصيات سياسية.


على صعيد آخر، اجرى السنيورة اتصالا هاتفيا امس بوزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط الذي ابلغ اليه quot;ان منهج المثالثة (في الحكومة) يساوي بين الاقلية والغالبية في عدد الاصوات، وحقيقة الامر ان عدد النواب وغالبية النجاح عند الغالبية اكثر من عند الاقلية. وفي هذا السياق اجتمع جميع العرب عند هذه الرؤيةquot;.
واتفق الرئيسان المصري حسني مبارك والتركي عبدالله غول، بعد اجتماعهما امس في القاهرة، على ان المبادرة العربية التي تنص في بندها الاول على ضرورة الاسراع في انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، تمثل quot;فرصة يجب استغلالهاquot; في لبنان.

وحذّر موسى عشية وصوله الى بيروت، بعد لقائه مساء امس في القاهرة الرئيس التركي، من quot;مساع دولية لنقل ملف لبنان الى مجلس الامنquot;. وقال انه ذاهب الى بيروت اليوم الاربعاء في quot;زيارة عمل لايام عدةquot;، على ان يتوجه غدا الخميس الى دمشق quot;لاجراء محادثات مع المسؤولين السوريينquot; يعود بعدها الى بيروت.
واعتبر ان الانفجار quot;دليل على خطورة الموقف في لبنان وعلى ما يمكن ان نستخلصه من رسائلquot;.

وقد اطلق انفجار الكرنتينا ردود فعل عربية ودولية واسعة، فاعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها السعودي الامير سعود الفيصل في الرياض quot;ان الهجوم الارهابي لن يردع واشنطن عن جهودها لمساعدة القوى الديموقراطية في لبنانquot;.
وقال سعود الفيصل ان quot;هذا العمل الارهابي لن يثني عزم احد عن مساعدة لبنانquot;. واكد ان quot;المبادرة العربية لا تزال موضوعة على الطاولة. ونأمل ان يحث هذا التفجير اللبنانيين على التكاتف ويتوافقوا على الحل المتوازن المعروض امامهم لحل الازمة الدستورية والفراغ الرئاسيquot;. ودعا quot;من لهم تأثير في لبنان الى ان يؤازروا مبادرة الجامعة العربية لحل الازمة اللبنانيةquot;.
وفي باريس، استنكر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير quot;محاولات زعزعة الاستقرار في لبنانquot;، مكرراً الدعوة الى quot;انهاء الفراغ الخطر على رأس الدولة اللبنانيةquot;.
وندد المندوب الفرنسي الدائم لدى الامم المتحدة جان ndash; موريس ريبير بالتفجير quot;الجبانquot; بعد جلسة لمجلس الامن في شأن الوضع في ساحل العاج. وذكّر بتصريحات سابقة لكوشنير، قائلاً: quot;نحن مستعدون للعودة الى الامم المتحدة اذا فشلت المساعيquot; لانهاء الازمة في لبنان.
كذلك صدرت مواقف تنديد بالتفجير عن مساعد وزير الخارجية البريطاني تيم هاولز، ووزير الخارجية الالماني فرانك ndash; فالتر شتاينماير، ووزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما الذي عبّر عن quot;الأمل في ان يتمكن كل عناصر المجتمع اللبناني من عزل الفئات المتطرفة والعمل في أسرع ما يمكن في سبيل ايجاد حل توافقي وسلمي للأزمة اللبنانيةquot;.
وفي الامم المتحدة، استنكر التفجير الامين العام للمنظمة الدولية بان كي ndash; مون. وجاء في بيان للناطقة باسمه ميشال مونتاس ان بان أكد ان quot;من الضروري ان تعثر السلطات اللبنانية على منفذي هذه الجريمة الجبانة وتحيلهم على القضاءquot;.
وفي موسكو، نقلت وكالة quot;نوفوستيquot; عن بيان أصدرته دائرة الاعلام والصحافة في وزارة الخارجية الروسية ان quot;هذا العمل الاجرامي وقع في الوقت الذي يعاني لبنان أزمة سياسية حادة وتبذل جامعة الدول العربية جهوداً حثيثة لتسويتها على اساس الخطة العربية التي صادق عليها وزراء خارجية البلدان العربيةquot;. وأضاف: quot;نأمل في ألا تحول المحاولات الرامية الى زعزعة الوضع دون مواصلة اللبنانيين البحث عن سبيل للخروج من الازمة بانتخاب رئيس توافقي للبلادquot;.