علي محمد فخرو

مرة أخري يضيع الشارع العربي فرصة سياسية تاريخية متمثلة في زيارة الرئيس الأمريكي للأراضي العربية، والشارع العربي في هذه الحالة يعني كل مؤسسات المجتمع المدني والأهلي وفي مقدمتها الأحزاب والجمعيات السياسية. الرئيس الامريكي، الملطخة يده ويد مساعديه الأقربين وحكومته وجنوده ومرتزقته بدماء الألوف من العرب والمسلمين في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال وأفغانستان وباكستان وغيرهم، والمنتهكة بلاده لأبسط حقوق الانسان العربي والمسلم في عشرات معسكرات وسجون الاعتقال والتعذيب والاستباحة عبر القارات، والرافعة مؤسسات حكمه للواء الحروب بكل أشكالها ومستوياتها وعنفوانها وهمجيتها لتهميش وتشويه ثقافة ودين وطموحات ساكني أرض العرب والاسلام..

هذا الرئيس يأتي ويسيح وتغلق الشوارع لمرور مواكبه وتنحر الخراف ترحيباً بمقدمه وتقدم له الهدايا استجداء لصداقة بلاده، ثم يغادر ساحات سلسلة الجرائم التي ارتكبتها أجهزة نظامه دون أن يسمع الصوت السياسي لذلك الشارع ودون أن يشهد أي تعبير عن مكنونات قلب ذلك الشارع، اللهم إلا غمغمة من هنا وحشرجة من هناك تمثلت في برامج وكتابات إعلامية ونادراً في بضع مئات يقفون في أحد الشوارع محاصرين وهم يحملون لافتات مهلهلة وأعلام انتكست منذ زمن طويل.

قلب هذا الموضوع ليس ما سمعناه من عبارات المجاملة التي تلفظ بها هذا القائد أو ذاك الرئيس من مثل تطمينات ذلك المخدوع الفلسطيني لشعبه الجائع المنهك بتشييع جنازات موتاه اليومية بأن مباحثاته مع الرئيس الامريكي كانت ناجحة، ذلك أن المشهد الرسمي العربي أصبح يشبه في أغلبه حصاناً طريح الأرض لا يستجيب للجلد أو الشفقة.

لكن ما يدمي القلب في هذه المناسبة هو منظر مريض القرن العربي الجديد بامتياز: الشارع العربي، إذ ما الذي منعه، وأنظار وسائل إعلام العالم كله مركزة علي هذه الزيارة، من خروج ملايينه ليعبر عما يدعي أنه في قلبه من كره وغضب ويأس تجاه هذه القيادة الأمريكية الحمقاء الجاهلة التي أضافت، حتي أثناء زيارة العلاقات العامة هذه، حماقات سياسية وأمنية جديدة يخجل لها جبين كل ماهو إنساني ورباني، ألم يستطع مشهد وقوف الرئيس الامريكي، والواضع بفخار القلنسوة اليهودية علي رأسه، ليعلن عن تعاطف بلاده مع مبدأ يهودية إسرائيل وبالتالي محو ماضي وحاضر ومستقبل الوجود العربي الفلسطيني في الأرض المغتصبة..

ألم يستطع هذا المشهد أن يخرج هذا الشارع العربي المريض من غيبوبته؟ واعلان الرئيس الامريكي، الذي خطط لاحتلال العراق ورقص علي أشلاء جثث شعبه، بأن هذه الجريمة ستستمر لعشر سنين قادمة أو أكثر من خلال عقد اتفاق مع حكومة هو أوجدها وحماها..

هذا الإعلان أليس تأكيداً بأن العراق وغير العراق سيبقون أرضاً مستعمرة، بتواجد عسكري ونفوذ سياسي مهيمن أمريكي، مهما راوغت التسميات ومكياجات الخداع؟ ألا تعني تلك الإعلانات وأشباهها أبناء الشارع العربي، وهم المعنيون أكثر بكثير من أقليات الجاه والسلطة والاستزلام، حتي يخيم السكون المصم للآذان علي شارعهم وحتي تبخل الملايين منهم ببضع ساعات من وقتهم ليخرجوا في شوارعهم ويسمعوا العالم صوتهم ورأيهم وينتفضوا لكرامتهم ولإنقاذ مستقبل أولادهم وأحفادهم؟

لا تعني هذه التساؤلات قلة ثقة في الشارع العربي، فعبر القرون انتفض وضحي بالملايين من أبنائه وقاوم الاستعمار والظلم والطغاة. لكنها أسئلة موجهة الي قيادات هذا الشارع. ما الذي تفعلونه سنة بعد أخري، وعقوداً بعد عقود، ولماذا تبقون في مراكز القيادة إذا كنتم لا تستطيعون توعية أبناء هذا الشارع وإقناعه وقيادته للحركة والفعل لا في المناسبات العادية ولا في المناسبات التاريخية؟ نعلم أن الشارع العربي، وقد أثبت ذلك في فلسطين وجنوب لبنان والعراق، يغلي بألم الغضب والشعور بالهوان وكره الاستكانة، أفلا أوصلتم الغليان الي مرحلة الانفجار المبدع الخلاق كما فعلت قيادات المقاومة في ساحات المقاومة تلك.