حسان يونس

تم تقديم لبنان على الدوام باعتباره مثالا للتعايش والتعددية في ظل القانون، لكن ذلك لم يكن سوى كذبة، فمنذ استقلال هذا البلد والخلافات تنخر فيه وما تم اعتباره في وقت من الاوقات مركزا للاشعاع الثقافي في العالم العربي، تحول الى مثال لما يمكن اعتباره استحالة التعايش بين الاعراق والاديان والمذاهب المختلفة.

يهاجر اللبنانيون بكثافة من وطنهم بعد ان ادركوا استحالة العيش فيه والتعايش مع ما فيه والمدهش ان احدا لا يريد الاعتراف بالمشكلات الحقيقية التي ادت الى ما نراه اليوم بل ان البعض مايزال يصر على ان مشكلة لبنان تكمن في تدخلات الآخرين، وهؤلاء حملوه ما لا طاقة له على احتماله، فانتهت الامور الى نفق مسدود معبأ بكل ما يمكن ان يقود الى انفجار خطير، يبدو ان الكل بات مستعدا له، مع ان هناك ما هو اسهل يمكن الاعتماد عليه، وهو اصلاح نظامة الديمقراطي والخروج من دائرة التقاسم الطائفي للسلطات الذي يتحمل وزر كل ما حدث في هذا البلد منذ استقلاله وحتى اليوم.

كيف يمكن لهذا الشعب المثقف والمولع بالحياة ان يكون في الوقت ذاته اكثر تعصبا وولعا بالموت من اي شيء آخر رأيناه؟

انها الطائفية وهذه اخطر من كل مرض عرفته البشرية واكثر فتكا منه بدءا بالطاعون وانتهاء بالايدز لذلك فإن كل حديث عن التوافق في ظل النظام السائد هو ضرب من الخيال وحتى لو تحقق ذلك فإنه لن يستمر طويلا بأي حال من الاحوال.

ما هو البديل طالما ان استبدال النظام السياسي الطائفي بآخر ديمقراطي غير وارد وغير مطروح؟

البديل هو التقسيم وهذا قائم بالفعل على الارض، وفي النفوس وطالما ان الامر على هذا النحو فلماذا لا يصار الى تكريسه والاعلان عن قيام مجموعة دول، مساحة كل منها اقل من منتزه عام؟

مشكلة لبنان شائكة ومعقدة وما تم طرحه عبر عقود كمثال على التعايش يثير السخرية فلم يكن هناك اي تعايش بدليل الازمات المتعاقبة التي عصفت بهذا البلد وافظعها الحرب الاهلية التي استمرت طيلة 15 عاما وشهدت قدرا من العنف والوحشية لم نر مثيلا له الا في رواندا ابان حربها القبلية.

لا يمكن القبول بفكرة ان ما حدث خلال السنوات الـ 15 السوداء كان حروب الآخرين على ارض لبنان ان ذلك ليس صحيحا على الاطلاق، فما حدث هو حرب اهلية طائفية تفجرت بسبب انعدام القدرة لدى اللبنانيين على قبول بعضهم البعض بسبب النظام الطائفي المتخلف الذي يذكرهم في كل لحظة بأنهم اعداء وان الحل الامثل يكمن في حرب دموية جديدة هدفها ازاحة الآخر، او تكريس مبدأ المواطنة، وكف يد رجال الدين عن التدخل في شؤونهم السياسية.