سعد محيو

لا أحد يعرف أو سيعرف (كالعادة) من نفّذ التفجير ضد سيارة السفارة الأمريكية في شرق بيروت. تماماً كما أن أحداً لا يعرف، ولن يعرف، (كالعادة) من استفز من في مضيق هرمز: الزوارق السريعة الإيرانية أم البوارج العملاقة لكن البطيئة الأمريكية.

الأمريكيون يستطيعون القول إن مهاجمة سيارة السفارة كان رسالة واضحة من الإيرانيين مفادها أن تهديدات الرئيس بوش ضدهم لن تمر بسلام أو من دون رد فعل. والإيرانيون يمكنهم القول إن هذه عملية استخبارية أمريكية موصوفة، هدفها تصعيد الموقف معهم مثلما حدث في مياه

الخليج، خاصة وأنه ليس هناك أي أمريكي قتيل أو حتى جريح في تفجير الكرنتينا.

الحقيقة في مثل هذه الظروف صعبة المنال. لكن ثمة حقيقة أخرى تبدو دانية القطاف وفي متناول اليد: التصعيد اللغوي والأمني يخدم بشكل رائع المتطرفين على كلتا ضفتي الصراع. فالرئيس بوش ومعه من تبقى من سرب المحافظين الجدد واليمينيين القوميين الجمهوريين، يرون في مثل هذه الألعاب النارية على حافة الهاوية، فرصة مثلى لإعادة توجيه المعارك الانتخابية الأمريكية نحو حصنهم الحصين: الأمن القومي الأمريكي. والرئيس أحمدي نجاد سيرى إلى هذا التطور على أنه ldquo;هدية جديدة من السماءrdquo;، كتلك التي أعطيت له فجأة العام ،2005 لمواجهة منتقديه الكثر في انتخابات مارس/ آذار المقبل.

وهذا يعني، بكلمات أخرى، أن جل السياسات الخارجية موضوعة هذه الأيام في خدمة السياسات الداخلية.

بالنسبة لأمريكا ليس هذا تطوراً جديداً البتة. في كتابه الشهير ldquo;نيكسون وكيسينجرrdquo;، يكشف الكاتب روبرت داليك النقاب عن أنه خلال تدقيقه بأكثر من 700 صفحة من المكالمات الهاتفية بين نيكسون وكيسينجر وهالدمان وأليكسندر هايغ، كان من الصعب عليه العثور على مبادرة خارجية واحدة لم يكن هدفها الأول والرئيس الكسب الداخلي: إما اغلاق الأفواه المحلية المعترضة، أو سحق المنافسين في الانتخابات، أو تلميع صورة الرئيس نيكسون بوصفه ldquo;تجسيداً للرجولة والحكمةrdquo; تمهيداً لإعادة انتخابه العام 1972.

قد يقال هنا إن بوش لم يعد الآن في موقع انتخابي تنافسي بعد انقضاء فترة ولايتيه الدستوريتين. وهذا صحيح بالنسبة له، لكن ليس بالنسبة لحزبه الجمهوري ومحافظيه الجدد. وهو، كما هم، مهتمون للغاية في بقاء البيت الأبيض في حوزتهم لأسباب اقتصادية واستراتيجية وسياسية في آن. ثم ان الرئيس المنقضية ولايته (كما بيل كلينتون بالأمس وبوش عما قريب) يضع كل وزنه ورصيده في الميزان لضمان النصر لمرشح حزبه. وهذا بالضبط ما يفعله بوش الآن انطلاقاً من الشرق الأوسط.

بالمثل، الخط الفاصل بين السياستين الداخلية والخارجية في إيران زال تقريباً منذ انتصار الثورة الإيرانية العام 1979. وهو في عهد أحمدي نجاد تبخر كلياً بعد أن فاز هذا الأخير في انتخابات الرئاسة وهو يركب موجة قومية إيرانية عاتية ضد التدخل الأمريكي في بلاده وفي الشرق الإسلامي.

ماذا يعني كل ذلك؟

أمر واحد: يجب، البتة، عدم الاستهانة بالتراشق الأمني والسياسي الراهن بين الأمريكيين والإيرانيين. ففي الميزان بقاء النظام أو على الأقل السلطة الراهنة في إيران، ومصير الرئاسة والسلطة السياسية في أمريكا.

وحين يكون سياسيون ldquo;إلهيونrdquo; كبوش ونجاد على رأس القوى المتصارعة راهناً من أجل البقاء، لا يبقى أمامنا سوى وضع أيدينا على قلوبنا خوفاً مما يمكن أن تؤدي إليه سياساتهم الداخلية.. في تجلياتها الخارجية.