نصر طه مصطفى
أنهى الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم الأربعاء الماضي زيارته الطويلة والمثيرة للجدل إلى المنطقة العربية، والتي صال وجال فيها كما لم يفعل أي رئيس أمريكي من قبل، ولقي خلالها حفاوة كبيرة غير مسبوقة منذ لحظة وصوله إلى تل أبيب وحتى لحظة مغادرته شرم الشيخ، ولا أظن أن الرئيس بوش طوال سنوات حكمه السبع الماضية قد مارس كل ذلك الكم من مراسم الاستقبال والتوديع الرسمية في أسبوع واحد، كما حدث في زيارته الشرق أوسطية، كما أني أظن أنه طوال نفس السنوات لم يحصل على ذلك الكم من الهدايا باهظة الثمن والأوسمة الرفيعة المكلفة في جولة واحدة كما حدث في جولته العربية، التي ستبدو كما لو كانت حسن ختام لعهده الطويل بأحداثه لا بسنواته بالطبع. ومع ذلك فقد يصدق القول إنه كان أقل من حظيت زيارته بشيء من التفاؤل الشعبي العربي بين جميع الرؤساء الأمريكان الذين سبق لهم زيارة المنطقة، فالرجل نجح بشكل غير مسبوق في خلق حواجز نفسية حقيقية لم تكن معهودة بين الشعوب العربية والولايات المتحدة، التي كانت زيارتها وتلقي العلم فيها والهجرة للعمل لديها من أكبر الطموحات لدى المواطن العربي، في حين أن مثل هذا الطموح تراجع كثيرا اليوم لأسباب باتت معروفة، ويتساءل كثيرون هل يمكن أن تنتهي مثل تلك الحواجز لو خرج المحافظون الجدد من البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني من العام القادم؟
الأمر سابق لأوانه، وما يعنينا أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش قد غادر المنطقة محملاً بالأوسمة والهدايا لكنه عاد خالي الوفاض سياسياً إذ يمكن القول إن ما جاء من أجله لم يتحقق كما كان يأمل، فلا هو عاد إلى بلده بوعود عربية بدعم أي موقف عسكري يتخذه ضد إيران، ولا هو عاد إلى بلده كذلك بمؤشرات توحي بإمكانية قيام سلام حقيقي بين الفلسطينيين وrdquo;إسرائيلrdquo;، لأن هذه الأخيرة ليس لديها أي نوايا جادة لتنفيذ خارطة الطريق المعلنة منذ عدة أعوام. ولذلك أعلن بوش، وهو لايزال في منتصف جولته، أنه سيعود إلى المنطقة وإلى ldquo;إسرائيلrdquo; تحديداً في مايو/ أيار القادم، الأمر الذي يعني إدراكه التام بمدى فشل رحلته الحالية في تحقيق نتائجها المرجوة، وهو ما يقتضي منه العودة في أقرب وقت لمواصلة جهوده على صعيد مباحثات السلام الفلسطينية ldquo;الإسرائيليةrdquo; المتعثرة، والتي ستظل متعثرة كما يبدو لعدة أسباب، واحدة من أهمها تصريحات بوش نفسه في القدس بخصوص قضية اللاجئين ويهودية الدولة العبرية والحدود ومسألة المستوطنات، حيث أبدى آراء مؤيدة إلى حد كبير للموقف ldquo;الإسرائيليrdquo; تجاه هذه القضايا، التي تمثل جوهر ولب أي تسوية نهائية، وهو ما يعني بكل تأكيد أن الضغوط الأمريكية خلال الشهور الأربعة القادمة التي ستسبق الزيارة القادمة للرئيس بوش ستتركز على الجانب الفلسطيني فقط ولن تكون هناك إلا ضغوط شكلية على الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo;، التي أعلن رئيسها أثناء وجود الرئيس الأمريكي في المنطقة أن احتمالات السلام مع الفلسطينيين ضعيفة، وأكثر من ذلك فقد تواصلت المجازر ldquo;الإسرائيليةrdquo; الدموية العنيفة ضد الفلسطينيين في غزة من دون أن يشعر الرئيس بوش بأي حرج سياسي أثناء لقاءاته بالقادة العرب وهو يبحث معهم مستقبل مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وrdquo;الإسرائيليينrdquo;.
جاء سيد البيت الأبيض إلى المنطقة وهو يراهن على كسب تأييد قادتها لتوجهاته السياسية الحادة ضد إيران، وبالذات في مجال توجيه ضربة عسكرية محدودة لها تحول بينها وبين الاستمرار في مشروعها النووي، لكن بوش فوجئ بالكثير من الصد والرفض من قبل قادة الدول الخليجية التي زارها، والتي استضاف قادتها قبل شهر واحد فقط الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في قمتهم الدورية في بادرة هي الأولى من نوعها منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل أكثر من ربع قرن. ولست أدري إن كان الرئيس بوش قد استطاع تفهم وجهة نظر القادة الخليجيين تجاه مسألة مخاطر الحل العسكري مع إيران على أمن واستقرار المنطقة، خاصة أن تصريحاته في هذا الصدد كانت عنيفة وحادة ولم تعكس أي تراجع عما رسخ في ذهنه بشأن النشاط النووي الإيراني، وما يثير استغراب معظم المراقبين أنه لم يبد أي تأثر بما ورد في التقرير الشهير الذي صدر مؤخراً عن أجهزة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والذي أكد أن إيران أوقفت أنشطة تخصيب اليورانيوم منذ عام 2003م بما يعني أنها لا تتجه لتصنيع سلاح نووي، ومن ثم فلم يعد لدى الولايات المتحدة أي مبررات لتوجيه ضربة عسكرية ضدها. فدول الخليج التي ترى بنفسها الحال الذي وصل إليه العراق إثر الغزو والاحتلال الأمريكي له، وتدرك كذلك حجم الورطة التي وجدت واشنطن نفسها فيها وإلى جانبها ورطت معظم دول المنطقة، التي أصبحت أوضاع العراق أكبر مصادر التهديد والقلق بالنسبة لها، فكيف سيكون الحال إذن إذا وسعت الولايات المتحدة حروبها في المنطقة لتشمل إيران، التي يستحيل أن تكون لقمة سائغة كما كان العراق؟
ولذا فقد كان من الطبيعي مهما كانت قوة علاقاتها بواشنطن أن تقول لها هذه المرة (لا)، وحتى إذا كانت تشاطر الولايات المتحدة الرأي بالنسبة للدور الإيراني الذي يتسع ويتعمق باستمرار في المنطقة، فدول الخليج قررت هذه المرة أن تسعى لمعالجة الخلاف الأمريكي الأوروبي مع إيران بالطرق السلمية، خاصة أن الأوروبيين أنفسهم يفضلون هذا الحل كذلك، إلا أن ما يصدر عن الرئيس جورج بوش الذي يعيش عامه الأخير في البيت الأبيض تجاه إيران سيظل عامل قلق لجميع دول المنطقة، وسواء قرر شن ضربة مفاجئة أم لا، فإن مشكلته في العراق ستظل مرهونة بالموقف الإيراني، الذي أصبح صاحب القول الفصل في شؤون العراق، بل وامتد نفوذه ليصبح قادراً على تعطيل انتخاب رئيس جديد للبنان.
التعليقات