وليد شقير

أحد أسباب تعثر التسوية السياسية في لبنان لإخراجه من حال الفراغ الرئاسي التي ترشحه لأن يستنقع في الفراغ السياسي والمؤسساتي، إذا طالت، أن الأفكار المطروحة من أجل إحداث ثغرة في الجدار المسدود، تنطلق من قاعدة laquo;لا غالب ولا مغلوبraquo; لاستنباط الاقتراحات والخطوات الواجب تسويقها وإنجاحها، في وقت يعتبر أحد طرفي الأزمة أنه الغالب، فيما لا يعتبر الطرف الآخر نفسه مغلوباً.

فالقاعدة هذه التي صمدت واستمرت باعتبارها أحد أسس التسويات في لبنان على مدى العقود، يفرضها النظام الطائفي في لبنان. وهي القاعدة التي تمت على أساسها تسوية الحرب الأهلية القصيرة عام 1958، والتي خرج بها الفرقاء اللبنانيون برعاية عربية عام 1989 في ما سمي باتفاق الطائف. كما أن قاعدة لا غالب ولا مغلوب كانت أساس التسويات الظرفية داخل مؤسسات النظام السياسي اللبناني، سواء في القضايا laquo;الصغرىraquo; أم الأهم منها.

ومع محاولة تطبيق هذه القاعدة الآن، كما يصرح قادة لبنانيون ومسؤولون عرب وسوريون في توصيفهم خطة الحل العربي التي أقرها وزراء الخارجية العرب، فإن الأفعال لا تطابق الأقوال.

فالشروط التي تضعها المعارضة ومن ورائها سورية، على ملء الفراغ الرئاسي تنطلق من اعتبار نفسها غالبة في الصراع الذي تصاعد وأخذ أشكالاً كثيرة، دموية وسياسية وإعلامية، محلية وخارجية. لكن الفريق المقابل، أي قوى 14 آذار المدعومة من المجتمع الدولي وعدد من الدول العربية، لا يعتبر نفسه مغلوباً، كي يقبل بتلك الشروط ويذعن لها، سواء في تشكيل الحكومة المقبلة، بعد انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان أو في إدارة شؤون البلاد في المستقبل القريب، أو في تحديد اسم رئيس الحكومة... الخ. ولا تخفي دمشق وضع نفسها في موقع الغالب. وما قاله نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عن أن حلفاءها في لبنان باتوا أقوى مما كانوا عليه أثناء وجود قواتها فيه، دليل على ذلك، فدمشق تحضر لهذه الغلبة منذ ما قبل انسحابها من لبنان عام 2005، على رغم حرص وزير الخارجية وليد المعلم على تأكيد الانسجام السوري مع قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

وتعتقد دمشق بأنها حققت انتصاراً على المشروع الأميركي في المنطقة، عبر حرب تموز (يوليو) في مواجهة إسرائيل في لبنان، وعلى ما تعتبره تحالفاً أميركياً - إسرائيلياً - عربياً في غزة عبر تحالفها مع حركة laquo;حماسraquo;، وعلى الاحتلال الأميركي في العراق... وهي لذلك ترى نفسها في موقع laquo;الغالبraquo;. كما ترى أن لا بد للقوى الخارجية والولايات المتحدة، والقوى المحلية في لبنان، من ان تنسجم مع هذه الخلاصة وتقبل بترجمة هذه الغلبة على الصعيد الداخلي في لبنان. وقد اضطر حلفاؤها اللبنانيون الى التناغم معها في ذلك، فانتقلوا الى مرحلة يصعب عليهم العودة عنها. فهم عدّلوا وجهة نظرهم حيال صمود حكومة الرئيس فؤاد السنيورة السياسي إزاء العدوان الإسرائيلي عام 2006، وانقلبوا على الموقف منها بصورة مفتعلة وأسروا أنفسهم في اتهامات وجهوها إليها، بالعمالة واللاشرعية واللادستورية وبالتواطؤ مع العدو كي يبرروا لأنفسهم وللرأي العام، سياسة المساواة بين الغلبة على العدو وبين الغلبة على شركاء لبنانيين، واعتبروا ان إفشال العدوان الإسرائيلي على لبنان، على رغم الأضرار التي أصيب بها البلد الصغير، انتصار للبنان كله. وأبرز تعبير عن تلك المساواة بين الغلبة على إسرائيل والغلبة على لبنانيين آخرين قول الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006: laquo;وعدتكم بالنصر فتحقق (ضد إسرائيل) وأعدكم بالنصر مجدداً (ضد حكومة السنيورة)raquo;. وثمة من يقول ان كل المفاوضات الجارية محكومة بهذا الوعد الذي لم يتحقق، والذي كان يستند الى توقع سقوط السنيورة بفعل اعتصام المعارضة منذ 1-12-2006 في وسط بيروت.

لكن ما السبيل الى إقناع الفريق الآخر بوجوب أن يعتبر نفسه مغلوباً، لأن إسرائيل وأميركا هُزمتا، إذا كان يعتبر ان مشروعه اللبناني لا علاقة له بالمشروع الأميركي للمنطقة على رغم تلقيه الدعم من واشنطن لبنانياً؟ فاقتناع الأكثرية بأن ثمة مشروعاً سورياً - إيرانياً لجعل لبنان جزءاً من منظومة إقليمية هدفها التفاوض على تقاسم النفوذ الإقليمي، وأنها ترفض الانسياق في هذا المشروع، يجعلها تصر على الممانعة امام تغيير نتائج انتخابات عام 2005 التي حولتها أكثرية، في العهد الرئاسي الجديد حتى لا يتسلم هذا المشروع السلطة.

إذا كان الفريق الذي يعتبر انه الغالب سيستمر في وضع شروطه انطلاقاً من هذه القناعة والفريق الآخر لا يرى نفسه مغلوباً، فلا سبيل إلا باستخدام العنف ضده من اجل تحقيق الغلبة فعلاً. والعنف يعني الذهاب نحو الحرب الأهلية مجدداً، مهما كان هذا العنف مضبوطاً ومحدداً في المكان والزمان.

ألا يشعر الفريق الذي يعتبر نفسه laquo;غالباًraquo; انه ينزلق إليها شيئاً فشيئاً ليضطر لاحقاً للعودة الى قاعدة لا غالب ولا مغلوب؟