اليكس فيشمان - يديعوت أحرونوت

لا يرغب وزير الدفاع ايهود باراك، في شن عملية واسعة ضد قطاع غزة، كما أن رئيس الاركان لا يعتقد أن التوقيت الحالي سليم لشن عملية عسكرية كبيرة ضد القطاع. وحتى حركة حماس غير جاهزة لامتصاص عملية عسكرية واسعة، وهي تواصل الطلب ، عبر رسائل سرية متكررة، بوقف النار.
إنه لأمر غريب حقاً. لا أحد يريد التصعيد في غزة، ومع ذلك، الجميع يفعلون كل شيء ممكن كي يتحقق هذا التصعيد. فكل طرف مقتنع بان لديه قدرة السيطرة على مستوى اللهيب، وفرض وتيرة التدهور. لكن في الواقع، الطرفان يخدعان نفسيهما. ذلك أننا أمام مسيرة تدريجية من فقدان السيطرة تؤدي بالطرفين إلى صدام محتم في موعد قريب جداً.
منذ الانقلاب العسكري الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة، تدور على حدود القطاع حرب استنزاف، وهذه الحرب تتواصل في الاحتدام خلال الاشهر الاخيرة. وفي هذا السياق، تنفذ اسرائيل سلسلة من العمليات العسكرية المكثفة الرامية إلى دفع أصحاب السيادة في قطاع غزة، أي حركة حماس، الى وقف تام للنار وفقاً لشروط اسرائيل. وبكلمات اخرى: تطالب اسرائيل حركة حماس بالتزام الهدوء المطلق، ولكنها في المقابل، لا تتنازل عن استمرار الحصار الاقتصادي واستمرار العزل السياسي اللذين يضعفان حركة حماس إلى درجة فقدان الحركة لسلطتها في القطاع.
احدى الروافع المهمة لحث هذه المسيرة يتمثل في جباية ثمن دموي باهظ من الفلسطينيين، بحيث يكون من شأن هذا الأمر ان يحول دون تمكين حماس من ترسيخ وجودها العسكري على الحدود مع القطاع، وردع الفلسطينيين من تنفيذ العمليات.
قتل الجيش الإسرائيلي في تشرين الثاني من العام 2007 وفي عمليات متفرقة، 36 فلسطينياً، وفي كانون الاول من العام الماضي، قفز عدد القتلى في الجانب الفلسطيني إلى اكثر من 60 وفي الاسبوعين الاولين من شهر كانون الثاني من العام الحالي، امكن حتى الان أحصاء اكثر من 55 قتيلاً فلسطينياً. وفي الاجمال أُحصي في القطاع في اثناء العام 2007 سقوط اكثر من 370 قتيلاً فلسطينياً، غالبيتهم من المسلحين. وقد قتل معظم هؤلاء في اشتباكات وقعت مع الجيش الاسرائيلي خلال الاشهر التي انقضت منذ الانقلاب الذي نفذته حركة حماس في غزة.
من الصعب التحرر من الاحساس الذي يفيد ان الجيش الاسرائيلي قام أمس بعملية تصفية حساب. ذلك أنه خلال زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى إسرائيل، طُلب من الجيش الإسرائيلي خفض مستوى الاهتمام بالقطاع. وقد استغلت حركتا حماس والجهاد الاسلامي هذه الفرصة واطلقتا قذائف هاون وصواريخ القسام. وعلى هذا الأساس، دفعت الحركتان امس الثمن لقاء ما قامتا به. فالجيش الاسرائيلي سجل لنفسه يوماً ناجحاً في اطار سياسة التأكل: اكثر من 18 قتيلاً، واكثر من 50 جريحاً، معظمهم مسلحون، ومعظمهم ان لم يكونوا جميعهم، من عناصر حركة حماس، الذين حتى قبل بضعة اسابيع كانوا عملياً خارج نطاق العمليات التي يبادر اليها الجيش الاسرائيلي.
ولكن السؤال هو أين موضع تلك النقطة التي تصل فيها حركة حماس إلى استنتاج مفاده بانه لم يعد لديها ما تخسره، وان ظهرها بات إلى الحائط؟ هل يتعلق الأمر بسقوط 100 قتيل آخر؟ 200 قتيل آخرين؟ 300 قتيل آخرين؟ احد لا يعرف الجواب.
إلى جانب هذه الرافعة، تستخدم اسرائيل روافع اخرى، تتمثل في ضرب المنظومة المالية لحماس، ضرب الاقتصاد، المس بجودة الحياة لسكان غزة. وهناك ايضا عمليات الإحباط المركزة ( الاغتيالات) ضد النشطاء العسكريين، ولا سيما من حركة الجهاد الاسلامي، ولكن مؤخرا بدأت إسرائيل تلجأ إلى اغتيال نشطاء من حركة حماس أيضا. وحتى الآن لم تستخدم إسرائيل بعد رافعة الاحباطات (الاغتيالات) ضد أوساط القيادة السياسية العليا في القطاع، ورافعة الضرب المكثف للبنى التحتية ورموز الحكم في غزة. لكن هذا الأسلوب سيُعتمد، بل واسرع مما هو متوقع. ونحن على مسافة خطوة واحدة من هذا الأمر.
لكن في أي مرحلة تخلق جملة الروافع التي تستخدمها اسرائيل ذاك الشدخ الذي يدفع حماس إلى تحطيم كل الاواني وجر الجيش الاسرائيلي إلى داخل القطاع؟ هذه بالضبط هي المسألة التي يحطمون في المؤسسة الامنية رؤوسهم لمعرفة جوابها: إلى اين يمكن شد الحبل دون انقطاعه؟
لقد أعطت القيادة السياسية تعليماتها إلى الجيش الإسرائيلي كي يعمل بشكل عدواني ومكثف دون الانجرار إلى داخل القطاع وإلى احتلال الارض. ولكن هذه صيغة هشة من الصعب جداً الحفاظ عليها لفترة زمنية طويلة.
إن سقوط 19 قتيلاً فلسطينياً في يوم واحد لا يشكل حتى الآن الذريعة التي تدفع بحركة حماس إلى تغيير السياسة التي تعتمدها. ولكن حماس لمحت أمس كيف يبدو من ناحيتها quot;تحطيم الاوانيquot;: اطلاق نيران القناصة على مزارعين، اطلاق صواريخ غراد على عسقلان، واطلاق نحو 30 صاروخ قسام نحو مستوطنات غلاف غزة، وبشكل رئيس نحو سديروت. كانت هذه نماذج فقط، والتقدير السائد في المؤسسة الأمنية يفيد ان حماس يمكنها أن تضاعف هذه الأعداد وان تطلق عشرات الصواريخ في اليوم لفترة طويلة، حتى في اللحظة التي ينفذ فيها الجيش الاسرائيلي نشاطاً ناجحاً جداً.
لو ارادت حماس تحطيم الاواني أمس لكانت اطلقت نحو عسقلان ليس فقط صاروخاً من نوع غراد، بل كانت أطلقت ايضا الصواريخ الايرانية التي تلقتها. وفي هذه الاثناء فانها لا تحطم الاواني، ولكن في المؤسسة الأمنية يقدرون بانها ستحاول تنفيذ عملية ثأر ما، عملية استعراضية، اذا كان ممكناً فستنفذها ضد جنود الجيش الاسرائيلي، وهي تنوي القيام بعمل لا يلزم اسرائيل تلقائياً باتخاذ القرار بدخول عسكري كامل إلى القطاع.
الدرس المأخوذ من أحداث أمس: عمليات جزئية لن توقف صواريخ القسام. اجتياح عسكري، مهما كان ناجحاً، وحتى احتلال اجزاء من القطاع، لن يوقف اطلاق النار، على العكس من ذلك، فان من شأن الاحتلال زيادة حدتها. فصواريخ القسام ستتوقف، مؤقتاً على الاقل، إما بتسوية مع حماس أو باحتلال كامل للقطاع. هذا هو المفترق الذي نقترب منه بسرعة.
ثمة خيار عسكري، وثمة خيار سياسي. كلاهما غير مضمون، كلاهما مؤقت، وثمة ثمن لكل منهما. وعلى الحكومة أن تقرر ما هو الخيار الأجدى لنا.