دورها اجتماعي في التوجيه والإرشاد الديني

الكويت - فاطمة سالم

تتشح الحسينيات في الكويت بالسواد إحياء لذكرى استشهاد سبط رسول الله.. (صلى الله عليه وسلم ) وحفيده الحسين بن علي رضي الله عنه، على رمضاء كربلاء في العراق مع بعض من أهله وصحبه في العام 61 للهجرة، ولهذه الذكرى منزلة خاصة لدى معظم الكويتيين، ويعتقد من يجهل تاريخ الكويت القديم أن الحسينيات هي مجالس طارئة وجديدة على المجتمع الكويتي.وغاب عن ذهنهم أن الحسينيات يرجع تاريخها إلى ما قبل أكثر من مئة وخمسين عاماً،

وتزامنا مع حلول ذكرى عاشوراء ألقت laquo;أوانraquo; الضوء على هذا الموضوع ورصدت النشاط الديني الملحوظ في جميع الحسينيات المنتشرة في البلاد، من خلال جولة على عدد منها ولقاء بعض من روادها، والمحطة الأولى كانت ديوان الحاج ناجي البحراني، الذي يشهد إحياء ذكرى عاشوراء منذ أكثر من خمسين سنة، حيث يروي لنا روادها تاريخ وأدوار المجالس الحسينية وكيف كانوا يحيون ذكرى أهل البيت (ع) في إطار من التسامح الاجتماعي، واحترام الخصوصية والتنوع والانفتاح وهي أبرز سمات المجتمع الكويتي .

امتداد تاريخي

بداية يحدثنا الحاج ناجي البحراني عن الإمتداد التاريخي للحسينيات في الكويت وكيف كانت بدايتها فيقول: في الواقع تاريخ الحسينيات في الكويت يعود إلى أقدم من تلك التواريخ المذكورة سابقا، حيث كانت مجالس بعض الوجهاء والأعيان من الشيعة تستخدم لقراءة وإحياء ذكرى الحسين laquo;عraquo; ومناسبات أهل البيت laquo;عraquo; من دون أن يطلق عليه اسم حسينية كما هو حال الكثير من المجالس والديوانيات في هذه الأيام، ومن أوائل الحسينيات هي ديوانية للمرحوم السيد علي السيد أحمد الموسوي الخباز في العام 1815بعد قدومه من البحرين، حيث كان موقعها التأسيسي في فريج البحارنة بشارع الميدان بمنطقة شرق في عهد حاكم الكويت الثالث الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح الملقب بجابر العيش، ثم انتقلت إلى منطقة بنيد القار في العام 1963 ثم انتقلت إلى الدسمة ومازالت تؤدي دورها حتى اليوم في مبناها الجديد تحت اسم حسينية سيد عمران وهو أحد أحفاد السيد علي الموسوي الخباز.

الجعفرية

وبعدها شيدت الحسينية الجعفرية ولقبت بأم الحسينيات و بدأت القراءة فيها في بيت الحاج إبراهيم المله في العام 1852 ميلادية ثم أوقفت رسمياً على يد المرجع الديني آية الله الميرزا علي الحائري وذلك قبل 95 عاماً، وجعل الولاية عليها بيده ثم بيد أخيه آية الله الميرزا حسن الحائري، وتعتبر الحسينية الجعفرية الوحيدة في الكويت التي يتم فيها القراءة الحسينية صباحاً ومساءً وبشكل يومي وطوال العام، حيث كان يرتادها حكام الكويت سابقا ، كما كانت مركزاً للتجمع ولإثبات هلال شهر رمضان المبارك وعيد الفطر السعيد وهذا ما جبل عليه أهل الكويت حكاما ومحكومين، من التآلف والمحبة والوحدة الوطنية مع نبذ الطائفية التي لم يكن لها مكان في هذا البلد العزيز، كما كان لمراجع الدين العظام اتصالات ولقاءات مستمرة مع الحكام والمسؤولين و تتم بعض هذه اللقاءات في الحسينية الجعفرية بعيدا عن الحساسية والفرقة

معرفي

الحسينية الثالثة كانت حسينية معرفي ويؤكد الحاج ناجي البحراني أنها أول حسينية بنيت رسمياً وخصصت بالكامل لهذا الغرض، والتي أسسها الحاج محمد بن حسين بن نصرالله معرفي في العام 1905م في شارع الميدان ومقرها في ثلاثة بيوت ، حيث جرى دمجها في آواخر عهد الشيخ مبارك الصباح رحمه الله لتكون مدرسة علمية دينية جامعة، لان المجالس الحسينية تزود الجميع بأنواع العلوم دون مقابل، فكل من يحضر إليها يتعلم الدين والأخلاق والآداب والمعارف الاسلامية وأحكام الشريعة ولايزال مبناها قائماً إلى اليوم في مدينة الكويت في منطقة الشرق.

حسينية آل ياسين

ويمضي البحراني في سرده لتاريخ الحسينيات ويقول كانت حسينية آل ياسين تسمى بالحسينية الزينبية في فريح الحدادة وهي رابع حسينية تأسست في الكويت ويعود انشاؤها الى ما قبل العام 1909م وكانت بداياتها خاصة للنساء، وهي عبارة عن ديوان ملحق بمنزل الحاج ياسين الحداد تتوسط منطقة الصوابر القديمة وكانت تعقد لقراءة الحسينية مساء كل يوم ثلاثاء، واستمرت الحسينية رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها بسبب العوامل المناخية.

وفي منتصف الخمسينيات استطاع المرجع الديني الراحل آية الله الميرزا علي الحائري استخراج ورقة عدل عدسانية مستقلة للحسينية، وانتقلت إلى المبنى الحالي بمنطقة المنصورية، ولاتزال القراءة الحسينية فيها في كل ليلة طوال العام.

الخزعلية

ويتابع الحاج ناجي البحراني حديثه عن آخر حسينية معتذرا عن خيانة الذاكرة له في ذكر تاريخ باقي الحسينيات قائلا :اما عن الحسينية الخزعلية فقد كان الشيخ خزعل حاكم المحمرة يحرص على حضور المجلس الذي يقام في الليالي العشر الأولى من المحرم في مسجد المزيدي.. واقترح فيما بعد إنشاء حسينية، وفي العام 1913م بنيت حسينية أطلق عليها اسم الخزعلية إكراما للشيخ خزعل صديق الشيخ مبارك الصباح، وقد تبرع أهل الكويت حكاما ومحكومين جميعاً في بنائها على يد المرحوم الاستاذ راشد الرباح ومساعده علي أحمد الاسطى ، ولاتزال في مبناها الجديد مستمرة في العطاء إلى يومنا هذا .

ومن الحسينيات القديمة التي كانت قائمة داخل مدينة الكويت ومعظمها في حي شرق، حسينية سيد خلف، حسينية الحاج عاشور في شارع الميدان، بن حيدر في فريج المطبة ، الشواف وكانت مقابل مدرسة الصباح على شارع دسمان، الحسينية العباسية في فريج الحساوية، وعلي الخباز في براحة مجيبل ، والحاج حسين ششتر، وحجي غانم في براحة مجيبل، وبوعليان وقمبر بلوشي في فريج بلوش ،وحسينية التراكمة والسيد حسين العضب ،وحسينية بهشت للبلوش، والأربش قرب دروازة عبدالرزاق، وحسينية السيد علي في الميدان ، والحاج على الشمالي..

للحسينيات مواسم وأيام لإحياء ذكرى أهل البيت ويحدثنا عن ذلك الحاج أحمد المويل وينوه : أن أغلب الحسينيات في الكويت تبدأ موسمها خلال شهر رمضان المبارك ومحرم وصفر، وهناك حسينيات مفتوحة طوال أيام السنة على فترتين صباحية ومسائية إضافة إلي ليالي الجمعة، حيث القرآن والأدعية إضافة إلى إحياء ذكرى أهل البيت (ع) من ميلاد واستشهاد وغيرها من المناسبات الدينية والتاريخية وعلى رأسها ذكرى مولد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ووفاته في 28 صفر.

مهام الحسينيات

أما عن الأدوار والمهام التي تقوم بها الحسينيات فهي كثيرة وفي السياق يذكر سيد أحمد الشخص أهمية الحسينيات الاجتماعية ويقول : تقوم الحسينيات في الكويت بدور اجتماعي بارز فقد كانت أبواب الحسينيات مفتوحة للإرشاد والتوجيه الديني الذي يقوم به بعض الخطباء والعلماء، حيث كانت تعقد فيها مجالس العزاء والمآتم والاحتفالات الدينية والتاريخية، وذلك في إطار من التسامح، وتستقبل الحسينيات المناسبات الاجتماعية المختلفة مثل الزواج، وكذلك تستخدم في استقبال المعزين.. لافتا الى مساهمة الحسينيات الفعالة في تنوير عقول الشباب وإرشادهم وتوجيههم إلى الصراط المستقيم حيث إن الخطيب يتحدث في مواضيع علمية واجتماعية وأخلاقية وتاريخية إضافة إلى العلوم الدينية والمسائل الشرعية والرد على الكثير من الاستفسارات كما أنها تساهم في حل المشاكل الاجتماعية بكافة جوانبها بالاضافة الى مساعدة العائلات الضعيفة. وحول أسباب انتشار الحسينيات في الكويت يوضح فاضل أحمد الرمزي: إن سبب زيادة انتشار هذه الحسينيات يرجع إلى الاقتناع بما تقدمه من علوم وثقافة في جميع المجالات وتجسيد للآية الشريفة raquo;ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوبraquo; إضافة إلى التأكيد على الآيات الشريفة والأحاديث النبوية في حق أهل البيت laquo;عraquo;ومكانتهم وفضائلهم ودورهم الكبير، بالإضافة إلى دور حكام آل الصباح والأسرة الحاكمة في المساهمة الفعالة في إنشاء تلك الحسينيات ومساعدتها مادياً ومعنوياً ولاننسى دور الحكومة والتي تهيئ لهذه الحسينيات الأجواء الهادئة من تنظيم السير عند معظم الحسينيات وخاصة خلال العشر الأوائل من شهر محرم الحرام.
على صعيد اخر
ذكر الاستاذ عبدالله الحاتم في كتابه laquo;من هنا بدأت الكويتraquo; عن الدور الكبير الذي قام به مجلس الحاج عبدالنبي معرفي في عهد الشيخ مبارك جابر العبدالله الصباح laquo;صباح الأولraquo; أثناء الأزمة التي لحقت بالكويت عام 1818م بفتح مخازنه المملؤة بالتمر والدبس للمحتاجين من أهل الكويت فيما أطلق عليه سنين laquo;الهيلكraquo; ، وفي تاريخنا الحديث كان للحسينيات وخطبائها وأصحابها دور مشرف في استنهاض الناس ضد مؤامرة عبدالكريم قاسم في العام 1961م وتهديداته ضد الكويت حيث خرجت المظاهرات والمسيرات من مختلف الحسينيات،

و في الثمانينيات كان دورها مشرفا لتوحيد الكلمة بوجه كل من حاول إثارة الفتنة الطائفية من السائرين على ركب صدام حسين الذي مافتئ يدق إسفين التفرقة بين الشيعة والسنة في الكويت.

اما الدور الابرز الذي لعبته الحسينيات في تاريخنا المعاصر فيؤكد وقوفها في وجه الغزو الصدامي للكويت، حيث كانت الحسينيات منطلقا للمقاومة والتصدي للعدو الغاشم، منطلقين في ذلك من وحي نهضة الحسين المباركة خصوصا أن الغزو حدث في شهر محرم الحرام، واستمرت الحسينيات برغم الضغوط في الدعوة laquo;للتكبيرraquo; من على سطح المنازل بمناسبة مرور شهر على الغزو كشعار لرفض العدوان وإعلان التمسك بالوحدة الوطنية، واستمرت الحسينيات في دورها المشرف حتى كتب لهذا البلد ان يتحرر من نير الاحتلال فعادت الحسينيات إلى دورها في التوجيه والارشاد ورص الصفوف وتوحيد الكلمة.