عبدالله كمال

[ (الطلاق زادت معدلاته) !!..ماهذا كيف نبدأ مقالاعن الحساب الختامى للحكومه بهذه الطريقه ؟...سوف اشرح لك.

[ فى مكتب رئيس مجلس الشعب ، التقيت بالصدفه مع الدكتوره مشيره خطاب امينه المجلس القومى للامومه والطفوله ..يبدو ان موعدى وموعدها مع الدكتور سرور قد تقاطعا لسبب ما ..ومن ثم وفى الانتظار كان ان تبادلنا الحوار الذى وصل الى نقطه مناقشه اوضاع محاكم الاسره ..وكيف انه من المطلوب اضافه عوامل انسانيه للتقاضى بحيث يمكن ان تقل معدلات الطلاق..وكثير منه يقع لاسباب تافهه ..منها مثلا ،وياللعجب،الاختلاف بين الاب والام على اسم المولود..غير اننى قبل ذلك فهمت منها انها تواجه مشكله اختلاف وجهات النظر مع جهات فى الدوله حول نصوص فى تعديلات قانون الطفل التى يتبناها مجلس الامومه والطفوله.

[ المجلس ..مجلس الامومه والطفوله ..يريد رفع سن المسائله القانونيه للطفل الى 12 عاما ..فى حين تريده بعض الجهات الامنيه كما هو الان عند السنه السابعه..وبينما نحن ننتناقش كان ان دخلنا سويا الى الدكتور سرور ..وفيما جلست انتظره فى صالون اضافى ..غير متململا.. لانى اريد ان ارى بعض مايحدث فى المطبخ ..كان ان عرضت عليه مشيره خطاب بعض المعوقات ..طالبه رايه القانونى ..وسمعته يقول لها : الداخليه بالتاكيد سوف ترى فى ذلك التعديل مايعطى الفرصه للعصابات الاجراميه لكى تجند عددا اكبر من الاطفال ..وهو مايضر الامن الاجتماعى .

[ هنا بيت القصيد الذى ارنو اليه ..هناك مؤسسات فى الدوله تتحاور ..وفى الامر الذى يتعلق بقانون الطفل ..وهو قانون يخص مساله خطيره..وزاره العدل تناقش مجلس الامومه والطفوله..والمجلس يطلب راى رئيس مجلس الشعب حتى قبل ان يقدم مشروع القانون لغرفتى البرلمان..والحوار دائر مع الداخليه ..و(الامومه والطفوله ) يمهد لعرض القانون على ممثلى الاعلام ..قبل ان يعلن مشروع القانون ..ومن المؤكد انه فى غضون ذلك سوف يجرى عليه نقاش فى الحزب الحاكم .

[ وباليقين فان هذا هو مايجرى فى مختلف الملفات..كل مؤسسه لديها رؤيه ..وعندها قطاع من مصالح الدوله لابد وان تحافظ عليه..وتطوره .. من وجهه نظرها ..و من محصله الرؤى وتضاغطها تظهر النتائج..ولابد ان هذا ينطبق على الموقعه الساخنه التى شهدها مجلس الشعب فى الاسبوع الماضى ..حين جرت المناقشات الملتهبه بين كل من المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ..والدكتور يوسف بطرس غالى وزير الماليه .

[ حوار ساخن ، بالتاكيد ، وسجال فيه ادانات واتهامات ، وامور اختلط فيها الشخصى بالموضوعى ، لكن المؤكد ان الهدف هو المصلحه العامه .. مؤسسات الدوله تتحاور ..واعتقد ان فى عديد من الغرف المغلقه تجرى مناقشات اسخن واعنف ..لاتعبر عن صراع ..او رغبه فى ادانات متبادله ..وانما فى الوصول الى افضل الحلول.

[ وقد تسألنى عن (العوامل الشخصيه ) فى هذه المشادات التى جرت فى قاعه مجلس الشعب بين الملط وغالى ..واقول لك قبل ان يسيل لعاب البعض ..هى عوامل كثيره اوجزها فيما يلى :

[ - كل من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ووزير الماليه ينتمى الى مدرسه اقتصاديه وايدولوجيه مختلفه ..الملط اميل الى يسار الوسط ..وغالى فى ابعد نقاط يمين الوسط ان لم يكن فى اول نقطه من اليمين المتشدد.

[- كلاهما ينتمى الى جيل مختلف .

[- يطبق الملط اساليب محاسبيه تختلف تاكيدا عن تلك التى يرى غالى انه يجب ان يتم تطبيقها . وهنا على سبيل المثال استند الى التقرير الموضوعى الذى اصدرته لجنه الخطه والموازنه فى مجلس الشعب برئاسه احمد عز..وقد تضمن تعليقا اوليا من وزاره الماليه على تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات اظهر اختلافا جوهريا فى منهج العمل ..وفى ذلك قال رد الماليه على قول الجهاز ان هناك فجوه مستمره بين الاستخدمات والموارد الفعليه : تحديد الفجوه المشار اليها ينبغى ان يتم فى اطار الاسس التى تعد بشانها الموازنه العامه..اى ان الماليه تقول ان الجهاز يستخدم اساليب مختلفه عن منهج متبع قانونا.

[ - الصوره الذهنيه العامه عن رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات سواء كان الملط او غيره هو انه الرقيب كاشف المخالفات..والصورة الذهنيه عن اى وزير ماليه سواء كان غالى او غيره لاتكون دائما مواتيه مع الراى العام ..فهو بالنسبه لعموم الناس فارض الضرائب وجابيها ..وهو المقتر على الميزانيات المطلوبه والذى يقيد تمويل البرامج ..ومن ثم فان اصابع الكثيرين تحت ضرس مسئولياته.

[ - كلاهما مفوه..غالى والملط ..وقادر على الجدل ..ولديه منطقه ..ولايقبل ان يخوض نزالا من هذا النوع لكى يخسره ..بل لكى يثبت انه استطاع ان يمرر رايه.

[ - الملط يريد ان يثبت استقلاليته واستقلاليه جهازه ..وعدم تبعيته ..وان كونه يدير احد ادوات الدوله ..لايمكن ان يعنى من جانبه (الطرمخه ) على الحكومه ..والتستر على اخطائها ..وغالى يريد باعتباره ممثل للحكومه ان يرضخ هذا الجهاز الذى يقوم كل يوم واخر بتوجيه انتقادات صارخه ساخنه من خلال فيض التقارير التى يحتكم عليها ..وينتجها على مدار الساعه.

[ وفى ذلك السياق لابد وان نقف مليا امام ماقاله الملط فى تمهيد بيانه حين دافع عن اختصاصه ..معلنا فهمه لفلسفه دوره ..اذ قال : quot; وقر فى ذهن البعض ان مهمه الجهاز المركزى للمحاسابات تنحصر فى القاء الضوء على الارقام الحسابيه جمعا وطرحا الى غير ذلك من العمليات الحسابيه ..او الادعاء بان جهاز المحاسبات لاعلاقه له بتقييم اداء ونشاط الحكومه ايجابا او سلبا ..او الادعاء بان مهمه الجهاز تقتصر فقط على المراجعه المحاسبيه بعد الصرف دون ان تشمل مراجعه السياسات الاقتصاديه والماليه التى تنفذها الحكومه ...

[ اضاف: تلك اقوال تخالف الدستور والقانون ومردود عليها بان الجهاز هو عين السلطه التشريعيه فى اعمال رقابتها الدستوريه على النشاط الاقتصادى والمالى للدوله بجميع وحداتها وهيئاتها وهو القوام على الرقابه الماليه بشقيها المحاسبى والقانونى والرقابه على الاداء ومتابعه تنفيذ الخطه والرقابه القانونيه بوصفه المراقب العام على حسابات الدوله وكافه الجهات الاخرى الخاضعه لرقابته.

[ والمعنى ان الملط وضع كينونه لجهازه فى اطار تفسيره للقانون والدستور تتجاوز كونه مجرد مراقب حسابات ..يتابع اداء مدير مالى ..فهذه ليست ميزاينه شركه وانما ميزاينه دوله وخطه حكومه تقوم على تلبيه احتياجات مجتمع وتنفق العائدات القوميه ..ومن ثم ليس المهم هو ماذا انفقت ..وانما لماذا وكيف انفقت ..واعتقد جازما انه سوف تظل المرعركه بين الحكومه والجهاز قائمه لكى تعيده الى حدود مربع (ماذا انفقت)..وبحيث يبتعد عن مربع (كيف ولماذا انفقت).

[ وهذه مسأله طبيعيه جدا فى كافه برلمانات العالم الحديث ..ولدى العديد من الدول اجهزه مماثله ..وفى الكونجرس تجرى مناقشات اكثر حده قبل وبعد الصرف..وتقدم تقارير محدده من جهاز مماثل ..فيها التقارير الشامله ..وفيها التقارير التفصيليه حول مسائل بعينها..وقد قرات على سبيل المثال تقريرا محاسبيا مقدم الى الكونجرس حول تقييم اداء المساعدات الامريكيه لمصر.

[ والاهم ، ان مما اكسب حدث الاسبوع الماضى اهتماما اضافيا ، هو ان ساحه هذه المساجله القانونيه التى جرت بموجب احكام الدستور ..هى مجلس الشعب ..وتكوينته معروفه ..حيث توجد معارضه لاباس بها ..ساندت بشكل او اخر جهاز المحاسبات وان قطع عليها الملط طريق المزايده..وهناك اغلبيه وجدت فى كلام الملط مايسمح لها باعلان انحيازها الى صوت الناس ..دون ان يسبب ذلك تعقيدا قانونيا ..او مشكله سياسيه اذا هى خرجت عن الالتزام الحزبى .

[ فى الواقع ، لا اعتقد ان غالبيه النواب كانوا يدركون اهميه هذا النقاش حول الحساب الختامى ..بدليل اننى رايت الدكتور فتحى سرور قبل بدء النقاش باربعه وعشرين ساعه يرفض عددا من طلبات القاء البيانات العاجله من اربعه نواب..فى قاعه مجلس الشعب ..ويحيلها الى اللجان المختصه ..ويقول لهم : لاتضيعوا وقت الجلسات فى امور جانبيه ..عندنا جلسات مناقشه الحساب الختامى ..وهو موضوع مهم ويعبر عن دور المجلس الرقابى .

[ لقد رضخ النواب الاربعه ، لانه لم يكن لديهم بديل اخر ، وفيهم معارضون وواحد من نواب الاغلبيه ، غير ان نظره على الطلبات التى اراد كل منهم القاء بيانات بصددها فى المجلس يثبت الى اى مدى يرغب العضو فى ان يخاطب الناخبين ..ويؤكد لهم انه متوافق مع اهتماماتهم ..هذا يتكلم عن سعر المازوت ..وذاك يتحدث عن اكتشاف مقبره للاسرى المصريين ..وبعضا من تلك الامور المتوهجه ..التى تجعل الصور تلمع فى الجرائد..فاذا ما تم دفع هذه الامور الى اللجان ..التى تحظى باضواء اقل ..كان ان وجد النواب والاعلام فى مساجله غالى والملط مايمكن ان يلبى الاحتياجات المماثله .

[ لكن للموضوع جوانب موضوعيه مهمه .

[ ففى التعديل الاخير للدستور ، تم الدفع بطاقه حيويه على هذا البعد الرقابى لمجلس الشعب ..حين عدلت الماده 118 بشأن الحساب الختامى وجعلته يعرض على المجلس فى غضون سته اشهر وليس فى غضون سنه من انتهاء العام المالى ..وبالتالى فان قصر المده الزمنيه جعل الارقام اكثر طزاجه ..والمسائل اقرب ..وبما يؤدى عمليا الى تصويب مسارات السياسات العامه ..وليس بعد ان تكون الميزانيه الجديده للدوله قد اوشكت بدورها على الانتهاء.

[ اذا مااضفت الى ذلك ان الدستور المعدل قد جعل الحكومه مجبره على ان تقدم مشروع ميزانيتها الى مجلس الشعب قبل ثلاثه اشهر من موعد العمل بها(وفق نص الماده 115 من الدستور) ..وفى اطار صلاحيات تسمح للمجلس بان يتدخل فى تعديل ابواب الميزاينه ..واقتراح مضامين قد تخالف ndash; وفق شروط ndash; ما تقدمت به الحكومه .. وقد قال احمد عز رئيس لجنه الخطه والموازنه انه يتوقع وصول مشروع الموازنه الى المجلس بين مارس ومايو..فاذا مااضفت ذلك سوف تدرك ان الحكومه صارت اكثر تقييدا وخضوعا للمراقبه والمسائله عما كان عليه الوضع من قبل ..فهى تخرج من حساب ختامى ..لكى تواجه نقاشا حول الميزانيه ..ويكون عليها حين تتشكل مره جديده ان تحصل على الثقه من البرلمان .

[ هذه زاويه غائبه فى قراءه المساجله التى جرت وفق منطق برنامج الاتجاه المعاكس ..اعنى اننا بصدد ترقيه عاليه لدور المجلس الرقابى على الاداء الحكومى ..ونحن بصدد تطبيق جوهرى لتعديلات دستوريه جرى اختصارها فى مجموعه من المسائل السياسيه فى حين ان بها مضامين عديده وكثيره جدا ..سوف تتبين بمضى الوقت و تتجسد مع استمرار توالى التطبيقات.

[ وعلى الهامشمن هذا اود ان اذكر اننى كتبت من قبل عن متابعتى لنوع من النقاش الضروس الذى صادفته فى ايرلندا حين كان يزورها الرئيس مبارك قبل نحو عام ..ودار حول الموازنه العامه للدوله ..كافه محطات التلفزيون كانت تنقل على الهواء ..والمناقشات كانت تجد متابعه لساعات طويله فى المنازل والمكاتب والمقاهى ..وفى اليوم التالى كانت الصحف تعج بملاحق كامله تحلل مضامين الموازنه التى تحددمصالح الناس لمده عام كامل ..وتقول لهذا انت سوف تستفيد كذا ..وانت سوف تخسر هذا .

[ اذا ماعدنا الى القاهره وفى الاطار الموضوعى ، اقف امام تصريح مهم ادلى به الدكتور فتحى سرور لى فى حوار مهم اجريته معه لجريده روزاليوسف اليوميه نشر يوم الاثنين الماضى ..قال فيه : ليس على الحكومه ان تنظر الى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات على انه (علقه وتعدى).

[ وقد تجلى المعنى فى اليوم نفسه حين بدات المناقشات ..من خلال الملاحظات التى سجلها الملط على الاداء العام للحكومه ..الصحيح بالطبع انه سجل امتداحاته لبعض الايجابيات ..فى حدود 3 صفحات فلوسكاب ..الا انه ضمن تقريره نقدا لاذعا ( سوف تجد نصه فى التقرير التالى على صفحات المجله)كان عنوانه من الفقره الاولى ان ماتحقق من انجازات اقتصاديه لم ينعكس على الحياه اليوميه للاغلبيه العظمى من المواطنين ..quot; فلم يشعر الفقراء ومحدودى الدخل بل والطبقه المتوسطه بانجازات الحكومه الاقتصاديه ..فالعائد لايتساوى بالضروره مع كل فئات المجتمع ولايتم توزيعه بشكل عادل ..ومن ثم يرى الجهاز ضرورة ان تكون السياسات الماليه والاقتصاديه للحكومه اكثر انحيازا للغالبيه العظمى من المواطنين وبما يحقق العداله الاجتماعيهquot;.

[ وباليقين فان تلك هى النقطه المحوريه الاهم التى تدين الحكومه ..النقاط الاخرى فيها جدل فنى كبير ..وهذه الملاحظه هى التى اهتمت بها الصحافه ..واهتم بها نواب البرلمان ..وهى ايضا التى تتوافق مع اتجاهات الراى العام التى ترى ان السياسات الاقتصاديه لاتتوزع بالعداله الواجبه .

[ مضمون كلام الملط ، اذا مافسر بوضوح بعيد عن الصياغات اللغويه المحتاطه التى استخدمها يتهم الحكومه بانها حكومه (فئه) ..وانها تنحاز للاقل وليس للاغلبيه ..فكيف تتوقع رد فعل نواب الاغلبيه الذين يمثلون شرعيه الحكومه حين يسمعون هذا الكلام..حكومه اغلبيه تخدم فئه قليله من المجتمع.

[ وبغض النظر عن المساجله ، او حتى قل الملاكمه السياسيه، التى جرت ، فان الحكومه تتلقى جرس انذار جديد حول هذا الموضوع..وتوضع للمره المائه امام التحدى الذى يواجهها ..وهو انها ناجحه اقتصاديا وفاشله اجتماعيا ..وقد كان هذا مادفعنى من قبل الى ان اصفها فى وقت مبكر بانها (حكومه الايدى الناعمه)..وفى مرات اخرى قلت انها تتحرك على ساقين ..الاولى تدفعها للامام من خلال النجاح الاقتصادى ..والثانيه تجرها الى الخلف من خلال الفشل الاجتماعى.

[ وقد كان خطاب الرئيس مبارك ، فى الاجتماع المشترك لمجلسى الشعب والشورى فى بدايه الدوره البرلمانيه ..واضحا فى ذلك السياق وموجها الى تعديلات جوهريه فى التوجه الاجتماعى للحكومه..صحيح بالطبع انه لم يحكم عليها بالفشل ..ولم يقل ذلك فى خطابه..والصحيح انه بمنطق كونه رئيس الدوله ..حلل اسباب تاخر ترقيه العداله الاجتماعيه الى ان تكون الاولويه الاولى ..فى ضوء ملابسات المسار الاقتصادى المتقاطع الذى شقت مصر طريقها خلاله منذ منتصف الثمانينات..الا ان هذا التحليل لايخلى مسئوليه الحكومه الحاليه ..فهى المنوطه الان بتحقيق العداله الاجتماعيه.

[ ولكن السؤال هو : هل سعى جودت الملط الى تجقيق مكانه شعبيه على حساب الحكومه؟ هل يريد ان يزايد ويكون (حبيبا للشعب )..بينما الحكومه هى التى لاتلبى مطالب الشعب ؟

[ واقعيا لايمكن تجاهل ان المناخ العام يجعل هناك نوعا من المزايدات السياسيه فى الساحه..لا اعتقد انها تطال سلوك هذا الرجل الوقور..ومن المؤكد ان هناك من يرغب فى ان يوحى انه اقرب الى الناس من غيره ..وانه يشعر بما يعانى منه غالبيه المواطنين ..من غلاء ومن معاناه اقتصاديه ..هذه ظاهره لابد من الاعتراف بها وبعض من تستهويهم هم من المعسكر المحسوب على الاداره ..ولكن الامر اكثر تعقيدا من هذا.

[ دعنا نسجل بعضا من الملاحظات فى هذا السياق :

[ - هناك دوله ..وهناك حكومه..الدوله اشمل من الحكومه..والحكومه هى اداره تطبق السياسات التى ترى انها تحقق اهداف الدوله ..وخطايا الحكومه او عدم قدرتها على ان تحقق الاهداف لايعنى ان الدوله قد فشلت فى ان تلبى احتياجات الناس ..وانما ان الاداره فى تلك المرحله لم تتمكن من ان تحقق ماتريد الدوله ..باعتبار الدوله اشمل ومظلتها اوسع فى التعبير عن عموم اركان المجتمع .

[ - الدوله وفقا للدستور هى الضامن ..والماده السابعه تنص على انها تكفل التضامن الاجتماعى..والماده الثامنه تنص على انها تضمن تكافوء الفرص..وفى نصوص اخرى تكفل الدوله التعليم والثقافه والخدمات الصحيه..والتامين الصحى والاجتماعى..وفى الماده 23 ماينص على ان الدوله تضمن عداله التوزيع ..وتكفل رفع مستوى المعيشه والقضاء على البطاله.

[ الحكومه فى هذا السياق هى اداه الدوله ..ولكى تتحقق الدوله من ان قيامها بدورها الدستورى يتم فان لديها ادوات موازيه ..تراقب ..وتسائل..وتتابع..البرلمان بغرفتيه يفعل هذا..الجهاز المركزى للمحاسبات يقوم بذلك ..جهاز الرقابه الاداريه يواجه الفساد..الصحافه تعكس رؤى واحتياجات الناس ..والمؤسسات المختلفه تقوم بدورها فى سياق تحقيق اهداف الدوله وفق العقد الاجتماعى الموقع مع المواطن ..وهو المعبر عنه فى الدستور.

[ وبالتالى فان الجدل بين ادوات الدوله سوف يظل قائما طالما ظلت الدوله قائمه..وانتقاد الحكومه فى هذا الاطار انما هو نوع من تحقيق دور الدوله ..اكثر من كونه سعى لنيل لقب (حبيب الشعب)..سواء كان الساعى هو البرلمان او جهاز المحاسبات او الصحافه .

[ والجدل يصبخ معركه ساخنه وصاخبه وحاده حين تكون الملاحظات صارخه ..وحين تصر سياسات الحكومه على انتهاج اتجاهات تمثل خطرا حقيقيا على احساس الناس بان الدوله تلبى لهم مايريدون ..

[ وهو فى جانبه الاهم ، اى الجدل الذى قد يصبح معركه ، يعبر عن محاسبه صارمه ..ومسائله شرسه..فى ضوء التعديلات الدستوريه الاخيره ..التى تتابع تاثيراتها يوما تلو اخر.

[ ولكى تكون الصوره اكثر وضوحا ، سوف ابتعد فى النهايه عن هذه المساجله التى جرت الاسبوع الماضى فى مجلس الشعب بين الحكومه والجهاز المركزى فى ساحه البرلمان ..واتجه الى حكم صدر عن المحكمه الدستوريه برئاسه المستشار ماهر عبدالواحد ..وفيه تم اعتبار ان اللجان القضائيه المشكله للفصل فى المنازعات العماليه غير دستوريه ..لانها تضم غير القضاه واعطتهم خصائص القضاه .

[ فهل كانت المحكمه الدستوريه فى مساجله مع البرلمان الذى اصدر القانون ..وهل كان ماهر عبدالواحد يريد ان يكون حبيبا للشعب على حساب فتحى سرور ؟ الاجابه هى النفى بالطبع..وانما كان عبدالواحد يحقق دور لاحدى مؤسسات الدوله وفق صلاحياته الدستوريه .

* رئيس تحرير روز اليوسف المصرية