منتصر الزيات

قرأت الأسبوع الماضي خبرا فركت عيني مليا لأصدقه، تعلق بتصريح لمصدر أمني كبير عن قرار أصدره اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية عن تركيب كبائن تليفونات عملة داخل السجون تتيح للسجناء محادثة ذويهم مرتين أو ثلاثا شهريا، تمتمت في نفسي قائلا يبدو أننا دخلنا في مرحلة حاسمة من تطوير أوضاع حقوق الإنسان داخل السجون المصرية. والعبد لله سافر كثيرا في أرض الله في مهمات تتعلق بعمله ووجدت السجناء يحادثون ذويهم ومحاميهم عبر الهاتف بصورة طبيعية فتمنيت اليوم الذي نصل فيه لهذا المستوي من معاملة المسجون بشكل يسمح له بالتواصل انسانيا مع أهله وأصدقائه وإطلاع محاميه تباعا بتطورات قضيته أو الاجراءات التي تتابع . وهذا الاجراء يتم تطبيقه بقواعد وأسس أمنية تعني بالثواب والعقاب ، والتحري لئلا تتحول إلي أداة لاستمرار الجريمة مثلا وهذه قواعد دولية معمول بها ، وأذكر أن السلطات الامريكية كانت تسمح للدكتور عمر عبد الرحمن بمحادثة أسرته كل أسبوع ، وفي ظروف معينة قيدت هذا الحق ومنعته لفترة طويلة ثم أعادته مؤخرا ليهاتف زوجته أو محاميه مرة واحدة شهريا .في كل الاحوال استبشرت خيرا وأنا أطالع الخبر ، والمسئولية تقتضي أن نثمن مثل تلك التصرفات أو القرارات الامنية مثلما ننتقد ما نراه سلبيا في ملف حقوق الانسان . وقبل هذا القرار أيضا كنا نثمن حالة quot; السماحquot; التي بدأت أجهزة الأمن في السجون تطبيقها علي ذوي السيرة الحسنة أثناء قضائهم فترة العقوبة أو الحبس الاحتياطي في اتصالهم بزوجاتهم عبر quot; الخلوة الشرعيةquot; رغم عدم تقنين الوضع بشكل صريح، كل هذه إضاءات في ملف حقوق الإنسان ومعاملة المسجونين في مصر.

لا نقول إن الصورة باتت وردية، أو ليس في الامكان أحسن مما كان، فلا شك أن البعض لديهم حساسية في التحدث حول هذا الموضوع بانفتاح، ولكن نقدر الجهود المبذولة في هذا الصدد لتكمل الصورة وتستمر الإنجازات بما يعود علي السجين بالمزيد في إطار سياسة الثواب والعقاب.

هناك بالقطع تجاوزات تحدث داخل بعض أقسام الشرطة من صغار الضباط أو ضباط الصف والجنود بخصوص معاملة المواطنين بما يتنافي مع آدميتهم ، ولا يمكن حمل هذه التجاوزات علي كونها أداء رسميا أو توجها داخل المؤسسة الأمنية ، وإنما ينبغي الاحاطة بها في هذا الاطار بل والسعي للحيلولة دون تكرارها أو توسعها ، ولا شك أن الاحكام القضائية التي صدرت بحق بعض الضباط المتورطين في كليبات استعمال القسوة مع المواطنين داخل أقسام الشرطة كما في قضية عماد الكبير أو تلبانة بالمنصورة لهي حلقة جديدة في طريق المعالجة الناجعة من المجتمع لمواجهة تنامي هذه الظاهرة.

لذلك لا أستطيع أن أخفي استغرابي من مشروع قرار للبرلمان الأوروبي ينتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر !! إذ لم يصدر هذا البرلمان مثل هذا القرار في وقت سابق كانت الأوضاع خلاله سيئة !! ويصدره في ظرف تاريخي خاص ربما يتعلق بمواقف للحكومة المصرية لا ترضي مصالح دوائر غربية، وهنا نتبين لعبة الابتزاز التي تحسن العواصم الغربية أو الأمريكية استخدامها ضد مصر خاصة أني لم أحط بإصدار البرلمان الأوروبي لقرار مثيل ضد معسكر جوانتنامو الذي تحتجز فيه القوات العسكرية الأمريكية مواطنون عرب ومسلمون من جنسيات مختلفة خارج إطار القانون وقد تناقلت الشهادات من الخارجين منه عن المعاملة الرهيبة التي يعامل بها أولئك المحتجزون به. ولا أخالف وزارة الخارجية المصرية حينما تتوجه بخطاب شديد اللهجة للدول التي شاركت في إصدار هذا القرار بقولها:quot; من الأحري أن تلتفت تلك الدول إلي ما يعانيه مواطنوها من انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان قبل أن تحكم علي حالة دولة أخريquot;. ولا شك أيضا أن هذا القرار ستكون له آثار سلبية علي العلاقات المصرية الأوروبية وقد أقر بالفعل الخميس الماضي رغم احتجاج القاهرة عليه.

لست ضد أن يفحص ملف الإفراج عن الدكتور أيمن نور لحالته الصحية أو لأي أسباب سياسية أو إنسانية أخري لكن شريطة أن يكون هذا شأنا مصريا خالصا وأظن أن نور نفسه نفي غير مرة أن تطلب الإفراج عنه جهات أجنبية، أيمن نور وزوجته ورجال حزبه يبذلون كل الجهود ويتخذون كل الإجراءات القضائية التي يمكن أن تحقق هذه النتيجة، صحيح أنهم يواجهون صعابا أو عقبات لكن مازالوا يحاولون ونضم صوتنا لهم في المطالبة بإطلاق أيمن نور.

لا أعتقد أن مصريا تجري الدماء في عروقه يقبل هذا القرار المهين الذي يتحدث أيضا عن حقوق الأقليات الدينية مثل الأقباط والبهائيين والشيعة. إننا ومختلف القوي الوطنية والمراكز والمنظمات الحقوقية المصرية نطالب ومن داخل مصر من فترة طويلة بضرورة تحسين أوضاع حقوق الإنسان وانتقدنا طويلا تجاوزات حدثت ولم تزل، لكننا نثمن كل التطورات الايجابية التي حدثت علي النحو الذي أشرنا اليه ونجاح الأجهزة الأمنية في دعم حركة المراجعات الفكرية داخل السجون للجماعات المسلحة ومن ثم الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين السياسيين خلال الخمس سنوات الأخيرة.

يجب ألا ننسي أن معاناة العراقيين بدأت حينما صدقوا يوما مزاعم واشنطن وحلفائها الأوروبيين بأن سبب تدخلهم هو دعم حركة حقوق الإنسان ووقف تجاوزات نظام صدام حسين في هذا الإطار، فكانت النقمة الكبري بمآس داخل سجون أبو غريب والبصرة لم تشهدها الإنسانية المعاصرة.