سليم نصار

انتهت يوم الأربعاء الماضي جولة الرئيس الأميركي جورج بوش في شرم الشيخ، حيث أعلن انه سيعود مرة أخرى الى المنطقة لدفع عملية السلام.

وأعرب عن تفاؤله بإمكان التوصل الى اتفاق سلام بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية قبل انتهاء ولايته في كانون الثاني (يناير) 2009.

وبخلاف مواقفه السياسية السابقة، اعترف بوش في ختام جولته، بأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط، علماً بأنه كان يرفض الإقرار بهذه الحقيقة، مدعياً ان الأحداث الماضية أفرزت قضايا إضافية لا تقل أهمية عن قضية فلسطين، مثل قضية كردستان ومشكلة تمدد النفوذ الايراني في الخليج، وظهور laquo;القاعدةraquo; كتهديد متواصل للأنظمة القائمة ولأمن الولايات المتحدة.

ويبدو ان ما سمعه بوش من زعماء الخليج قد بدّل موقفه بالنسبة الى تفسير أحداث المنطقة. أي الأحداث التي قدمها الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز واعتبرها نقيض الافتراضات الخاطئة التي تقول إن القضية الفلسطينية تمثل جوهر النزاع في الشرق الأوسط. ونقلت صحيفة laquo;يديعوت أحرونوتraquo; خلاصة الأمثلة التي قدمها بيريز لدعم وجهة نظره. قال ان هذه القضية لا تمت بصلة الى عشرات النزاعات العربية - العربية التي اندلعت قبل السبعينات وبعدها. ففي حرب العراق - ايران سقط أكثر من مليون قتيل فوق جبهة تبعد مئات الأميال عن اسرائيل وفلسطين. وفي الحرب الأهلية السودانية قتل أكثر من مليوني نسمة. وفي الحرب اللبنانية الأخيرة (1975 - 1990) فقد الوطن الصغير أكثر من 120 ألف شخص. كذلك سقط أكثر من 140 ألف قتيل أثناء غزو العراق للكويت.

واعترض الرئيس بوش على تجريد القضية الفلسطينية من كل الأسباب التي اشعلت ست حروب، وأوقعت آلاف الضحايا منذ حرب 1948.

وحذره بيريز من خطأ التوهم بأن الضغط على اسرائيل لتقديم تنازلات مرضية للعرب، سيحقق الأمن لبلاده. وذكّره بأن واشنطن كانت تمارس على بلاده أقوى الضغوط يوم تم تفجير السفارة الأميركية وقيادة المارينز في بيروت سنة 1983. ولم تسلم سفارتا أميركا في كينيا وتنزانيا سنة 1998 من هجمات الارهابيين الذين نسفوا المدمرة laquo;كولraquo; في عدن سنة 2000، ثم اتبعوا هذه العمليات بهجمات 11 ايلول (سبتمبر) التي حصدت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل. وأنهى بيريز حديثه بالقول ان الارهاب laquo;الاسلامويraquo;، لا فرق أكان شيعياً بتوجيه من ايران، أو سنياً بتوجيه من laquo;القاعدةraquo; يطمح الى اقتلاع الوجود الأميركي من الشرق الأوسط لأسباب دينية واقتصادية وسياسية وعقائدية. وعليه نصح بيريز الرئيس بوش بألا يمارس الضغط على اسرائيل، لأن ذلك يضر بعلاقات الحليفين، ويقوض فرص السلام، ويدفع العرب الى التشدد، ويقلل من رصيد المرشح الجمهوري في الانتخابات المقبلة.

فوجئ الرئيس بوش بردود فعل مغايرة للتوقعات التي رسمها في مخيلته شمعون بيريز حول الخطر الذي تمثله ايران على العرب عموماً، وعلى سكان الخليج خصوصاً. وقد باشرت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في إطلاق تصريحات من على متن الطائرة الرئاسية المتوجهة الى الكويت، تركز على إظهار الدور الأميركي لحماية الأنظمة المعتدلة من هجمات ايران و laquo;القاعدةraquo; و laquo;حزب اللهraquo; و laquo;حماسraquo;. وكانت بهذا الكلام تشير الى اتفاقية التعاون الدفاعي التي ارتبطت بها الكويت مع الولايات المتحدة منذ سنة 1991. ويقيم أكثر من 26 ألف جندي أميركي في ثكنات صحراوية في الكويت يقدمون الدعم اللوجستي المطلوب لنحو ربع مليون من جنود التحالف الغربي في العراق وافغانستان. وأُعلن في واشنطن قبل ثلاثة أسابيع عن بيع الكويت صواريخ موجهة بالليزر بقيمة 328 مليون دولار، وبرر laquo;البنتاغونraquo; تمرير هذه الصفقة بأنها جزء من مشروع كبير لمواجهة التهديد الإيراني وقوى متطرفة أخرى.

في تعليقها على تصريحات الوزيرة رايس، ردت صحيفة laquo;كيهانraquo; الإيرانية بافتتاحية قالت فيها: laquo;تحاول الإدارة الأميركية استمالة قادة الدول العربية، وتحريضهم على معاداة ايران بحجة ان البرنامج النووي (السلمي) يهدد أمن المنطقة، وترمي هذه السياسة الى إخافة العرب من ايران، والى توفير الذرائع الداعية إلى استمرار الوجود الأميركي العسكري، وإلى خلق عدو جديد يوازي مكانة اسرائيل لدى العربraquo;.

وتخلص الصحيفة الى القول: laquo;الهدف غير المعلن من اعتماد هذه السياسة، هو صرف الأنظار عن استئناف عملية بناء المستوطنات في القدس الشرقية، وتشجيع العرب على مقاطعة ايران سياسياً ومحاصرتها أمنياًraquo;.

واستشهدت الصحيفة بما كتبته صحيفة laquo;عكاظraquo; السعودية، وقولها ان laquo;العالم العربي يحتاج الى مدّ الجسور مع ايران، لا الى مقاطعتهاraquo;. كذلك تسلحت بتصريح أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى الذي أعلن ان الدعوة الى عزل إيران مرفوضة بسبب عدم امتلاكها لأي برنامج تسلح نووي.

يستدل من التحركات التي قام بها وزير خارجية ايران منوشهر متقي، ان بلاده كانت تخشى من نتائج التعبئة الاقليمية التي تجمعها جولة بوش للمنطقة. لذلك زار البحرين بهدف تطمين المسؤولين وإزالة الشكوك والقلق من النفوس. وأعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، ان بلاده لم تلغ معاهدة حسن الجوار مع العراق، التي وقعها الشاه وصدام حسين في 6 آذار (مارس) 1975. وهي تنص على إعادة التخطيط النهائي لحدودهما البرية على اساس بروتوكول القسطنطينية لسنة 1913 ومحاضر جلسات قومسيون ترسيم الحدود لسنة 1914، إضافة إلى ترسيم حدودهما النهرية حسب laquo;خط التالوكraquo;.

وتمنى الوزير متقي اضطراد العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، مؤكداً ازدياد حجم التبادل التجاري إلى بليون دولار خلال سنة. وقال إن حجم التبادل التجاري مع دولة الإمارات وصل إلى 14 بليون دولار لسنة 2007، وأن مسألة الجزر الثلاث ستحل عبر الحوار الأخوي.

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حاول خلال السنة الماضية تطمين دول مجلس التعاون الخليجي إلى أن طموحات بلاده الاقتصادية لا تنطبق عليها اتهامات أميركا السياسية والأمنية. وهذا ما كرره أثناء مشاركته في قمة مجلس التعاون التي عقدت في الدوحة. ثم عاد وأكده للملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي دعاه إلى مكة خلال موسم الحج. ويبدو أن طهران تسعى خلال هذه المرحلة إلى الحصول على الدعم العربي من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وهي ترى في دبي شرياناً حيوياً لتجارتها، يساعدها على ذلك وجود أكثر من أربعمئة ألف مهاجر إيراني يعيشون في دولة الإمارات، إضافة إلى حوالي تسعة آلاف شركة مملوكة من إيرانيين ومسجلة في غرفة تجارة وصناعة دبي.

ويرى الصحافيون الذين رافقوا الرئيس بوش أثناء جولته، أن الدول الخليجية حذرت واشنطن من استخدام قواعدها المنتشرة على الشواطئ المقابلة من أجل ضرب المنشآت النووية الإيرانية. ومن المتوقع أن يزور وزير خارجية الكويت الشيخ الدكتور محمد الصباح طهران مرة ثانية بهدف ترتيب زيارة الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، تلبية لدعوة وجهها له الرئيس نجاد في الرياض.

في ختام الجولة، أصغى الرئيس بوش إلى مواقف المملكة من الشؤون المتعلقة بفلسطين والعراق ولبنان وباكستان والسودان وأفغانستان. واطلع خلال لقاءاته مع الملك عبدالله وولي العهد الأمير سلطان والأمير سلمان والوزير الأمير سعود الفيصل، على تسلسل مجريات الأحداث منذ لقاء الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت (شباط/ فبراير 1945). وقد خرج من تلك اللقاءات بانطباع مختلف حمله على القول إن القضية الفلسطينية في جوهر الصراع في الشرق الأوسط. كذلك خرج بانطباع آخر يتعلق بفشل الدعوة لبلورة تحالف عربي ضد إيران. وهذا ما سمعه في الكويت والبحرين ودولة الإمارات المتحدة. ثم سمعه من الأمير سعود الفيصل الذي اختصر موقف بلاده من هذه المسألة بالتالي: laquo;نحن جيران لإيران في منطقة الخليج. ونحن بالتالي نعمل من أجل سيادة الاستقرار والسلام والأمن بين هذه الدول. وإذا شعرنا بأي خطر، لن نتردد في مناقشته مع طهرانraquo;.

ولدى سماعها كل هذه الملاحظات، أبدت كوندوليزا رايس بعض التراجع في مواقفها المتشددة تجاه إيران وقالت في مؤتمرها الصحافي: laquo;إن إيران ليست عدواً دائماً للولايات المتحدة، وفي إمكانها تحسين علاقاتها مع واشنطن شريطة التخلي عن الطموح النووي في شقه العسكريraquo;.

ومثل هذه المراجعة قد تؤسس لتطوير علاقات ايجابية بين إيران والمجتمع الدولي في حال قرر المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي مساعدة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة محمد البرادعي. وهذا ما يتوقعه البرادعي قبل منتصف آذار (مارس) المقبل، موعد تقديم تقريره حول التوضيحات المطلوبة.

قبل مغادرته السعودية لم يستطع الرئيس جورج بوش اخفاء قلقه من بلوغ سعر برميل النفط مئة دولار. وتمنى على الملك عبدالله زيادة انتاج laquo;أوبكraquo; لاعتقاده بأن زيادة الانتاج تضع حداً لارتفاع الأسعار. وتبارى الاقتصاديون في شرح العوامل التي تحدد الأسعار العالمية وفي مقدمها عوامل العرض والطلب، إضافة إلى عوامل أخرى سياسية وأمنية ومناخية، كموجة الصقيع وانخفاض المخزون النفطي التجاري في الولايات المتحدة. ويرى المراقبون أن الهدف الاقتصادي من وراء جولة بوش يتركز على ضمان أمن الطاقة، وعلى تلميع صورة أميركا في العالم عقب تورطها في حربي أفغانستان والعراق.

الشركات المالية اليهودية في نيويورك متخوفة من انعكاسات حال الجمود والكساد في أميركا على الموقف السياسي المنحاز لإسرائيل. وهي ترى بلسان خبيرها المميز سيفر بلوتسكر، أن المستقبل يتهيأ لصعود ثلاث امبراطوريات جديدة هي: الصين وروسيا ودول الخليج. ذلك أن احتياطي حكومة الصين من العملة الصعبة يقدر بـ1.400 بليون دولار، في حين يتجاوز الاحتياطي الدولاري لروسيا خط الـ500 بليون دولار. أما احتياطي دول الخليج فيتفوق على الدولتين معاً. وفي تقدير الخبراء أن احتياطات الامبراطوريات الثلاث لا تقل عن 3.400 بليون دولار.

ويقول ايهود أولمرت إن الامبراطوريات المستيقظة الثلاث ليست ودية في علاقاتها مع إسرائيل، وأن الرئيس بوش قد يلجأ لإنقاذ وضعه المتردي إلى دول الخليج، مثلما لجأت المصارف الأميركية المنهارة إلى مساعدات هذه الدول!