احمد عمرابي

خلال الأسبوع الماضي أصدرت laquo;منظمة العفو الدوليةraquo; من مقرها في لندن بياناً تدعو فيه حكومات العالم الإسلامي إلى إلغاء القوانين التي تحرم الزنا. فالزنا في اعتقاد المنظمة ليس جريمة، وإذا أخذنا في الاعتبار أن منظمة العفو الدولية مؤسسة غربية لأدركنا أن دعوتها هذه تنطلق من منظومة القيم الثقافية الغربية وفي مقدمتها إشاعة الإباحية الجنسية ليس فقط بين الرجال والنساء وإنما أيضاً بين الرجال والرجال والنساء والنساء.

المجتمعات الغربية حرة في اعتناق وتطبيق أي قيم ترى أنها حسنة من منظور laquo;قداسة الحرية الشخصيةraquo;. لكن المحتم أن تنشأ مشكلة عندما يحاول الغرب فرض منظومة قيمه على شعوب العالم الإسلامي. بيان منظمة العفو الدولية تزامن من قبيل الصدفة مع انعقاد مؤتمر عالمي في العاصمة الاسبانية مدريد باسم laquo;تحالف الحضاراتraquo;.

وهو تجمع شارك فيه سياسيون وممثلو منظمات غير حكومية وممثلو مجتمع مدني من أنحاء العالم بغرض مخاطبة الاستقطاب المتنامي بين أمم وحضارات العالم ومن أجل تطوير بين الثقافات المختلفة. وفي صدد المؤتمر يقول عبدالله أحمد بدوي رئيس وزراء ماليزيا ان من أبرز مميزات هذا العصر هو التدفق الضخم للأدبيات الغربية لبث أفكار وقيم إلى بقية البشرية،

ويعلق على هذه الظاهرة قائلاً إن من سوء الطالع وجود توجه في الغرب لدفع الشعوب الأخرى إلى قبول الرؤية العالمية الغربية دون أي تساؤل. هنا يقع الصدام الثقافي الذي يؤدي بدوره إلى عداء مكشوف بين الغرب والشعوب الأخرى بوجه عام وشعوب العالم الإسلامي بصورة خاصة.

المشكلة العظمى هي إذن أن الغرب ممثلاً في طبقاته الحاكمة وقادته السياسيين وقيادات منظمات المجتمع المدني لا يريد أن يقر بأن للشعوب الإسلامية تاريخاً حضارياً وعقيدة دينية شاملة تنطوي على قيم ومبادئ تختلف تماماً عن ما لدى المجتمعات الغربية. وبالتالي يصر الغرب على تصدير قيمه وأفكاره ومعتقداته إلى العالم الإسلامي.

في هذا السياق تبرز الدعوة الغربية إلى فصل laquo;الدين عن الدولةraquo;، وهو مبدأ يجري تطبيقه في الغرب على مدى قرون، وقد تحول بالتدرج من فصل الدين عن السلطة إلى فصل الدين عن السياسة إجمالاً، إلى فصله عن المجتمع إلى أن أصبحت القيم الدينية الآن في المجتمعات الغربية وكأنها لا وجود إليها إطلاقها.

كما هو معلوم فان laquo;الحكمةraquo; الغربية من وراء فصل الدين عن المجتمع وعن شأن الدولة والحكم هي أن ممارسة العقيدة الدينية أمر فردي شخصي، وبما أن الدين يظل على هذا النحو حبيس الكنيسة فان ما يريده الغرب للشعوب الإسلامية هو أن يكون الإسلام حبيس جدران المساجد.

ربما ينطبق هذا المفهوم على ديانات ما ـ كالبوذية مثلاً أو الهندوسية ـ لكنه قطعاً لا ينطبق على الإسلام لأن الإسلام ينظم مسلك الفرد من المهد إلى اللحد بما في ذلك رؤيته للحياة العامة وعلاقة الحاكم مع المحكوم بل وشروط الحكم. الإسلام بكلمة واحدة أسلوب حياة ينتظم الفرد كما ينتظم الجماعة.

مؤتمرات حوار الحضارات أو تحالف الحضارات ينبغي أن يرحب بها المسلمون في كل زمان ومكان. لكن ليس من أدب الحوار أو مبادئ التحالف الحضاري أن تسعى ثقافة ما إلى فرض قيمها على ثقافة أخرى مما يبعث على الكراهية وتولد الاحتكاك غير المرغوب فيهما.