تركي الدخيل

أواصل لكم الحديث عن قصتي مع الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله، التي بدأتُها أمس.
بعد أن عرضتُ القصة على المفتي، قلتُ للشيخ: إن ضيفي يدعو عليّ بدعاء تَقشعَِرُ منه الأبدان، فما العمل؟!
قال رحمه الله: على كل حال، إن لم تتقول عليه ما لم يقل، فلا أثر لدعائه. إن المتقاضين يدعون على القضاة، عقب الحكمِ عليهم، وليس لذلك قيمة، ما لم يكن القاضي ظالماً.
انصرفتُ وقد ارتاح ضميري، وسكنت نفسي، وزال اضطرابي، وانزاع ما بي من قلق.
بالأمس القريب، وجدتُ في الإنترنت من يدعو الله عليّ ليشُلّ أركاني (يصيبني بالشلل)، ويُجَمِّدَ الدماء في عروقي!
أتدرون لماذا؟!
لأن فهمه قادهُ إلى اعتباري ضد الإسلام!
لم يَقُل بطبيعة الحال: فهمه هو للإسلام، فهو اعتبر فهمه المقياس الصحيح للدين، بل ربما قال بلسان الحال، لا المقال، إن فهمه هو الدينُ الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم!
في ذات الفترة، كنتُ أرى مقطعاً مصوراً لخطيب جمعة مغربي، يشكو إلى الله حال بعض النوّاب الذين رآهم الخطيب ضد الإسلام، مما اقتضى للتفاعل مع القصة أن هاج الخطيب وماج، حتى استدبر المصلين وتوجه إلى القبلة، فدعى الله أن يشُلّ أركانهم وأن يُيَبس الدماء في عروقهم، وأن يجعل الموت غاية ما يتمنون من الدنيا!
لكيلا أظلم الشيخ المغربي، فقد اشترط لتنفيذ هذه الدعوات، أن يكون في سابق علم الله تعالى، أن المدعو عليهم ليسوا أهلاً للهداية، وأحسبهُ اشترطَ اشتراطاً بدعياً، لم يكن عليه سلفٌ، ولا دلّ عليه أثر!
إن مشكلة الداعين بالسوء على الغير، أنهم يُعّبِّرون عن أنفسهم، ويُريدون أن يُلبِسوا الإسلام ثوباً من ثياب التشفي، والبغض، وهو ما لا قِبل للدين به.
الدين السامي، الممتلئ بصنوف الرحمة، والعفو، والسماحة، واللين... لم يكن يوماً ديناً للكراهية، وإلحاق الآذى، حتى بمن لا يتبع تعاليمه، ولا هو دينٌ يتمنى للآخرين صنوف العذابات، ويرجو وقوع أنواع البلايا بهم، وتأملوا إن شئتم كيف بعث الله من هو خيرٌ منكم، إلى من هو شرٌ منا، فقال له: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى)!