رضي السماك

قبل مدة نشر الدكتور عبد الله بن سليم الرشيد كتاباً لطيفاً بعنوان ldquo;الافاكيه والنوادرrdquo; دعا فيه إلى استخدام النكتة في التدريس، لتقريب المادة الدراسية إلى أذهان الطلاب. والعرب سادة النكتة، وهم من أكثر الناس ولعاً بالفكاهة، ويندر أن تجد أديباً أو شاعراً أو عالماً أو مفكراً من كتابنا القدامى لا يلجأ إلى الطرائف في كتاباته، وإذا كان الكاريكاتير يقوم على الإسراف في المبالغة، فإن معظم قصائد شعرائنا الكبار من هذا النوع.

وفي القرن الماضي، عندما كان الأدب أدباً، والشعر شعراً، كان عندنا طائفة من الأدباء والشعراء برزوا في عالم السخرية والضحك، وكانت مجالسهم وأحاديثهم ومنتدياتهم أجمل ما عرفناه في الأدب الفكاهي، ومن هؤلاء: الشيخ عبد العزيز البشري، وإمام العبد، ومحمد البابلي، وحافظ إبراهيم، وجميل صدقي الزهاوي وأحمد الصافي النجفي وغيرهم، فقد كان المرح يحل حيثما يحل هؤلاء. وكانت الناس تتناقل نوادرهم وأحاديثهم، كما تتناقل ldquo;آخر نكتةrdquo; في هذه الأيام. فقد كان كل واحد منهم يمثل الروح المرحة في أرقى صورها، وأرقى مظاهرها، وكانت هذه الروح مرادفة لكلمات ldquo;أدبrdquo; وrdquo;ثقافةrdquo; وrdquo;شعرrdquo; في شخصياتهم.

ونستغرب ونحن نقرأ لكتابنا وشعرائنا المحدثين أو ldquo;الحداثيينrdquo; غياب هذه الروح تماماً عندهم، فهم لا يتحدثون إلا عن الضياع، والتمزق، والتقيؤ، والقهر والمعاناة، والغربة، وكل ذلك بأسلوب يدفع إلى التقيؤ ويشيع الكآبة والسوداوية في النفس.

وكتابنا الكبار في الماضي كانوا يعانون من كل ما نعاني منه حالياً، ومن ذلك: الفساد، وطغيان الأجنبي، ولكنهم كانوا يعبرون عنه بلغة تحيي الأمل وترسم الابتسامة على الشفاه، تأملوا عبد العزيز البشري يكتب عن زيور باشا، أحد رؤساء الوزارات في العهد الخديوي: ldquo;المصريون يأخذون على زيور ldquo;كلهrdquo; ما لا يحصى من الجرائم على القضية الوطنية، فهم يأخذون عليه سفهه بأموال الدولة واستهتاره بمصالحها، ولكن من الظلم أن يؤخذ البريء بجريرة الآثم، وأن يعاقب المظلوم بجريرة الظالم، فقد يكون الذي اقترف كل هذه الآثام هو ldquo;كوعrdquo; زيور، أو القسم الأسفل من غدته، أو المنطقة الوسطى من فخذه الأيمن، والحق والعدل يقضيان بتأليف لجنة تقوم بعمل تحقيق مع صاحب الدولة، فتسأل أعضاءه عضواً عضواً، وتحقق مع أشلائه شلواً شلواً، وربما تجد هذه اللجنة أن العضو الوحيد المقطوع ببراءته من الآثام هو مخ زيور، فما أحسبه شارك ولا دخل في شيء من كل ما فعل صاحبهrdquo;.