جميل الذيابي

تستعصي دولة العراق على كل الحلول، بسبب مؤثرات الاحتلال والتلوّن الطائفي والظروف الأمنية، إذ أضحت مستنقعاً laquo;صعباًraquo; يصعب تطهيره أمنياً، ومستنقعاً خصباً لجذب الجماعات الانتحارية والفاشلين والمرضى النفسيين، الذين يُجنّدون للموت لقتل أنفسهم وقتل الأبرياء.

نشرت laquo;الحياةraquo; في عددها الصادر بتاريخ 13 كانون الثاني (يناير) 2008، ملفاً مهماً تم العثور عليه عقب دهم موقع لأحد التنظيمات الإرهابية، التي تسللت إلى العراق عبر الحدود السورية، لتنفيذ عمليات قتل وتفجير وتدمير. يتضمن هذا الملف معلومات لأكثر من 600 مقاتل أجنبي، تم تهريبهم خلال السنتين الماضيتين من دولهم، السعودية واليمن وتونس والجزائر والمغرب ومصر ولبنان والكويت وسورية والأردن وفرنسا وإيرلندا والسويد وإسبانيا، عبر الحدود السورية الى العراق، للانضمام إلى laquo;دولة العراق الإسلاميةraquo; المرتبطة بتنظيم laquo;القاعدةraquo;.

القسم الأكبر من هؤلاء المقاتلين الذين وردت أسماؤهم في الاستمارات هم من: السعودية (246 مقاتلاً) وليبيا (115) وسورية (56) واليمن (47) والجزائر (45) والمغرب (36) والأردن (11) وتونس (11) ولبنان (8) واسبانيا (2) وإيرلندا (2) وفرنسا (3 من أصول مغاربية) والسويد (واحد) وبلجيكا (واحد).

يعتقد المحللون بان تأثير بعض المشاهد التلفزيونية الدموية، وتضليل بعض مواقع laquo;الإنترنتraquo;، وتواطؤ بعض الأئمة وخطباء التحريض، دوافع رئيسية لتسلل هؤلاء المقاتلين إلى العراق، إذ كشفت تلك الاستمارات ان غالبية المتطوعين تم تجنيدهم في بلادهم من أشخاص تعرّفوا عليهم في المساجد او الجامعات او أماكن العمل، ومنهم من تم تجنيدهم أثناء فترة الحج في مكة المكرمة او عبر laquo;الإنترنتraquo;.

في المقابل، تؤكد المعلومات ان هؤلاء المقاتلين أو laquo;المتطوعينraquo; يُغدر بهم في الغالب، ويعانون من معاملة غليظة من laquo;المنسقينraquo; بمجرد وصولهم إلى الأراضي السورية، حيث تُظهر الاستمارات تفاصيل الأساليب laquo;القاسية جداًraquo; في معاملتهم من جانب مستقبليهم في سورية، بغية إقفال باب العودة عليهم نهائياً وضمان عدم تراجعهم، إذ يجرّدون من كل ما يملكون، وتؤخذ ممتلكاتهم وأموالهم الشخصية laquo;عنوةraquo; تحت ذريعة laquo;التبرّعraquo; للمجاهدين.

القسم الأكبر من هؤلاء المتطوعين في العشرينات، ومعظمهم طلاب جامعات او معاهد في بلادهم، ومنهم من يمارس مهناً حرة او يعمل موظفاً مثل السعودي laquo;الاستشهاديraquo; الملقب بـ laquo;أبو باسلraquo; من مدينة ينبع، والذي توضِّح استمارته أنه وصل إلى العراق براً عبر الأردن بتاريخ 11 آب (أغسطس) 2007.

يصنّف laquo;المنسقونraquo; هؤلاء المقاتلين المتطوعين في مهنتين فقط، إذ يُطلب منهم اختيار المهمة التي يريدون القيام بها في العراق، لكنه لا يوجد أمامهم سوى خيارين اما laquo;استشهاديraquo; أو laquo;مقاتلraquo;.

اللافت أنه إضافة الى المنسقين الثابتين في الدول التي يتم فيها التجنيد، هناك منسقون متحركون يسهِّلون سفر المتطوعين مثل laquo;أبو علاءraquo; العراقي في مصر، و laquo;أبو عبداللهraquo; في السعودية، و laquo;أشرفraquo; في مكة أثناء مواسم الحج، و laquo;سراجraquo; في ليبيا، و laquo;شعيبraquo; و laquo;أيمن التونسيraquo; في لبنان.

الحالة الأمنية في العراق تتغير الى الأفضل بفضل ارتفاع حس المواطن العراقي ووعيه، كما أن هناك إصراراً laquo;شعبياًraquo; على وجوب الخلاص من الوضع الأمني المتردي، عبر إقرار مجالس الصحوات وإبرام اتفاقات عشائرية، وهو ما اضطر قادة الجماعات الإرهابية وأعضاؤها إلى اللجوء لاستخدام النساء والأطفال في العمليات الانتحارية.

من جهة أخرى، تشير التقارير الأخيرة إلى تناقص أعداد الجماعات المسلّحة في العراق بنسب كبيرة، فمن لم يُعتقل أو يُقتل فضّل العودة هارباً إلى بلاده وهو ما يحتاج إلى سرعة إيجاد رؤية أمنية مشتركة وتبادل المعلومات الأمنية بين دول الجوار، للوقوف في وجه نوايا هذه الجماعات والميليشيات المسلحة.

لا أشك لحظة في ان ظاهرة الارهاب لن تنتهي، طالما أن هناك من يؤججها ويغذيها باسم الدين، وهناك منابر للتطرف والتحريض laquo;قائمةraquo;، ومسموح لها بالتربص بالناس وتكفيرهم وإهدار دمائهم وتأويل نواياهم، فحتى إن هدأت فإنها ستعود وتثور. المهمة الأمنية laquo;صعبةraquo; لكنها ستكون laquo;أصعبraquo; في المقبل من الأيام مع عودة هؤلاء المسلحين التكفيريين الناقمين على بلدانهم.