عبد الرحمن الراشد

لا تزال معظم التصريحات الصادرة عن بغداد حذرة في الحديث عن تأمين الانتصار على الحرب ضد الارهاب في البلاد، فالجميع يتحدثون بسعادة عن خفض العنف دون اعلان الانتصار، وكذلك يفعل القادة العسكريون الاميركيون، لأنهم يعلمون انه جزئيا نتاج اتفاق اكثر من كونه انتصارا ماحقا.

وكان اول من دل على الاتفاق المسؤولون العراقيون في زياراتهم الى دمشق الذين تحدثوا عن عهد جديد من العلاقة مع سورية يقوم على التعاون بإغلاق حدودها امام المقاتلين العرب والعراقيين. اضافة الى الامساك السهل على خلايا كاملة بتجهيزاتها، يعتقد ان بعضها تم الاستدلال عليه. في نفس الوقت قفز العنف فجأة باستخدام الالغام الجانبية على الطرقات والهجمات الجديدة، التي يقول الاميركيون انها هجوم مدفوع من قبل ايران. ولعل أبرز ما أعلن تلك الكمية الهائلة من المعلومات التي تقول القوات الاميركية انه عثر عليها في شمال العراق، وتضم ملفات متكاملة حول المقاتلين. جميعهم عرب تسللوا عبر الحدود السورية، وتم ارشادهم الى مواقع القتال من قبل سماسرة نهبوا اموالهم قبل ان يتبرعوا بهم احياء لتنفيذ عمليات انتحارية، او المشاركة في القتال، ضمن صفوف القاعدة. المعلومات دلت على ستمائة مقاتل وفدوا للجهاد في العراق، لكن الرقم الكامل للمقاتلين اكثر بكثير من هذا. فقد ظهر انه كان يعبر الاراضي السورية شهريا باتجاه جبهات القتال العراقية نحو مائة وعشرة مقاتلين عرب في العام الماضي، اما الآن فقد انخفض العدد الى اربعين مقاتلا فقط. فما الذي حدث؟

لا شك ان الشحن الدعائي للجهاد في العراق تناقص كثيرا، خاصة بعد ان ادرك الكثيرون من النشطين في الاطراف العربية ان ايران المخطط الاكبر وانهم مجرد عسكر في حربها. الحقيقة ان الحرب في العراق فقدت جاذبيتها حتى للمتحمسين للموت. فهي حرب قذرة قتل فيها من المدنيين نحو أربعة آلاف عراقي، وجرح نحو عشرين ألفا، في 4500 هجمة نفذتها القاعدة خلال عام ونصف العام. الاميركيون يشهدون بان الحدود السورية، ضمن التعاون والاتفاق الجديد، اصبحت صعبة النفاذ على الارهابيين الى العراق، وبذلك اغلقت البوابة الرئيسية. كما ان الدول التي يأتي منها معظم المقاتلين هي الأخرى جعلت السفر الى سورية تحت المراقبة مثل السعودية. والقلق من موجات الراحلين الى العراق عبر سورية سمعته منذ اكثر من سنة، فالمشتغلون في الأمن يخشون ان العراق اصبح افغانستان جديدة حيث يذهب المنتمون للقاعدة للتدرب هناك ثم العودة الى بلدانهم لتنفيذ عمليات مبرمجة كبيرة. لكن المشكلة ان المنخرطين في مثل هذا العمل يتم ارشادهم للكيفية التي يمكن التهرب من ملاحظة الأمن، كما يستغلون تعدد الدول التي يمكن السفر عبرها الى سورية، فيسافرون عبر محطات بعيدة ثم السفر الى المحطة الاخيرة دمشق، ومنها يتم نقلهم الى العراق. الاتفاق حول حماية العراق من الارهابيين هو في حقيقة الامر حماية لكل دول المنطقة مثل السعودية ومصر والجزائر واليمن، وكذلك سورية. فسورية التي ظلت لا مبالية تجاه استخدام اراضيها معابر للقتال في العراق، بحكم ان لها هي الأخرى موقفا معاديا للوضع هناك، فإنها دلت المتطرفين على بلدها وممراتها ورجالاتها وأصبحت في دائرة الخطر. انه نفس الخطأ الذي ارتكبته دول الخليج في الثمانينات وكذلك باكستان وبسببه دفعت ثمنا مكلفا للتخلص من الارهاب الذي ارتد عليها.