ماريا اباكوفا - إم. سي.تي

تعتبر كل من إيران والقاعدة العائقان الرئيسيان في طريق سير الشرق الأوسط نحو الديمقراطية والحرية. فهما ترعيان الإرهاب في شتى أنحاء العالم وتهددان الاستقرار الإقليمي. كانت هذه هي الرسالة الرئيسة التي تضمنتها كلمة جورج بوش التي ألقاها خلال زيارته إلى ابو ظبي في جولته الشرق أوسطية الأخيرة.

مما لا شك فيه أن الكلمة التي ألقاها الرئيس بوش في مركز الإمارات للدراسات والأبحاث الاستراتيجية تلخص الغاية التي كانت وراء جولة بوش الشرق أوسطية، والتي استهدفت كسب دعم عربي لسياسة أميركا المعادية لإيران. لكن من غير المرجح أن تفلح كلماته في إذابة الكثير من الجليد على الرغم من وعوده (التي لم يتم الإفصاح عنها صراحة) بتقديم كل أنواع الدعم الذي يمتد من التعاون الأمني، وحتى المساعدات الاقتصادية والاجتماعية للعرب.

وحتى عندما كان بوش يتحدث في أبو ظبي، وزعت وزارة الخارجية الإيرانية على سفراء دول مجلس التعاون الخليجي المعتمدين لدى طهران رسالة موجهة من الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، والتي تدعو إلى تعاون أوسع إطاراً.

وفي كانون الأول-ديسمبر الماضي، ولأول مرة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، حضر الرئيس الإيراني قمة زعماء دول المجلس التي انعقدت في الدوحة، وعرض على دول المجلس الست تشكيل منظمة أمنية إقليمية مشتركة، ومزيداً من الروابط الاقتصادية والثقافية الكثيفة. والآن، جدد الرئيس احمدي نجاد دعواته تلك لتتزامن مع زيارة بوش للمنطقة.

لعل عرضا متزامنا لتعاون أمني من طرف بوش واحمدي نجاد كان لينطوي على إطراء للزعماء الإقليميين، لولا مخاوفهم من أن واشنطن وطهران إنما تصفيان ببساطة حساباتهما على حساب بلدانهم. ولعل أقل شيء يريده العرب من كل هذا هو أن يضطروا إلى الاختيار بين هذين الطرفين.

بالنسبة لدول الخليج العربية، تظل الولايات المتحدة حليفاً (كثير المطالب بوضوح) وشريكاً اقتصادياً أيضاً، في حين ظلت إيران منافساً لها منذ زمن بعيد. لكن ذلك لا يعني أن الدول الخليجية لا ترغب في الاحتفاظ بعلاقة مستقرة مع طهران، خاصة وان الشارع العربي يظل أميل إلى طهران أكثر من ميله إلى واشنطن. ولعل التحدي الرئيسي أمام لنخب السياسية المحلية يظل يكمن في الحفاظ على ميزان القوى. وعلى الرغم من هجماتهم الشفوية ضد إيران، من آن لآخر، فإنهم يدركون أن تفاعلهم معها حول كل موضوع يظل ضمانة للإبقاء على الاستقرار في المنطقة.

ستظل البلدان العربية تتجنب أي مواجهة مع طهران ما لم تستفزها الأخيرة إلى الانخراط في نزاع مفتوح. وتستطيع واشنطن بالكاد التعويل على ذلك: ذلك لان الإيرانيين يتوافرون على ذكاء حاد يحول دون سماحهم بحدوث هكذا مساق من الأحداث. وفي الغضون، لا يبدو من المرجح أن تثمر كلمات بوش في حفز الزعماء الإقليميين على تشكيل ائتلاف موثوق معاد لإيران.

إلى ذلك، يبدو من غير المرجح أيضا أن تلقى محاولة الرئيس الاميركي الوصول إلى الجمهور العربي بدورها الكثير من النجاح. ومهما كان شعور العرب حيال الإيرانيين وسياستهم الحالية، فإنهم يظلون أكثر تشككا وانعدام ثقة في واشنطن. وبذلك، فإنها لا رحلة بوش إلى الشرق الأوسط ولا كلمته التي ألقاها في أبو ظبي تستطيع أن تغير ذلك. بل هما تجعلان من الأمور أكثر سوءاً في واقع الحال.

إن من غير المرجح أيضا أن يتم كسب ود المواطنين العرب بالكلمات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون، والصادرة عن الرجل المسؤول عن إراقة الدماء في العراق وانعدام القانون في سجن أبو غريب في العراق أو سجن غوانتانامو.

إلى ذلك، قد يؤول العديدون في المنطقة ثناء بوش على بعض الدول بسبب الانتخابات الأخيرة التي أجرتها على انه ضرب من النفاق. لم ينس الرئيس الأميركي في كلمته ذكر الانتخابات البلدية التي أجريت في المملكة العربية السعودية، والانتخابات البرلمانية في الأردن والمغرب والبحرين، والانتخابات الرئاسية في اليمن. وقد وصف انتخاب محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية بأنه علامة على أن الفلسطينيين يريدون التحرك باتجاه الديمقراطية والسلام، لكنه تجنب، عن مكر، ذكر الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في عام 2006، والتي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

فعلى أن تلك الانتخابات كانت قد وفت بكافة المعايير الديمقراطية، إلا أن النتائج التي أفضت إليها لم ترق للولايات المتحدة الاميركية. وقد قدم الحصار الذي تم فرضه على الفلسطينيين في غزة في أعقاب تلك النتائج مثالا للديمقراطية أكثر إقناعا بكثير من خطابات بوش.

بينما يدعو الرئيس الاميركي شعوب الشرق الأوسط إلى التعبير عن إرادتهم بحرية، فانه يظل مستعداً بالكاد للاعتراف بالاختيارات التي ربما يسفر عنها ذلك التعبير. ولا تتألف المعارضة المحلية في معظمها من الليبراليين المؤيدين للغرب، وإنما من إسلاميين يصنفهم بوش على أنهم أعداء للديمقراطية والسلام. وغالبا ما يحظى هؤلاء بدعم عريض في بلدانهم ويؤيدون عقد انتخابات حرة ونزيهة. لكن الرئيس الاميركي يرى ما يريد أن يراه فحسب، مقسما العالم بذلك إلى مؤيدين للديمقراطية ومتطرفين فحسب.

يعرف الناس في الشرق الأوسط أن بوش لا يفهم منطقتهم، وان من المرجح أنه لن يفهمها على الإطلاق. أما الزعماء العرب الذين يحتاجون إلى دعم واشنطن، ويفهمون مع ذلك التبعات الممكنة للسياسة الاميركية، فإنهم يفهمون ما يجري. والسكان المحليون، سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين ليبراليين، يظلون الأكثر إدراكاً لتلك التداعيات. ولهذا، يظل من غير المرجح أن يكون لكلمة الرئيس الاميركي المذكورة الكثير من الأصداء في المجتمع الشرق أوسطي، بغض النظر عن حجم الإصلاح والدعم الخارجي الذي ربما تحتاجه منطقتهم. إن شعوب المنطقة تظل في حاجة إلى الديمقراطية والإصلاح أكثر من حاجتها إلى خوض مواجهة.

ولعل النقطة الرئيسية في هذه القضية لا تتعلق فقط بالمواجهة مع إيران، وإنما الخطوط التقسيمية داخل العالم العرب،ي وداخل كل بلد على حدة. ويعتقد العرب بان زيارة لن تفضي سوى إلى زيادة توسيع الشقوق والصدوع.