يوسف الكويليت

من لبنان خرجت معالم الثقافة والصحافة العربية الحديثة،، ومن دهاليز السفارات الأجنبية تلاقت العمالة مع التجسس، فخلفت الأزمات، انقلابات ومزادات علنية وسرية في سوق تباع فيه السياسة بالملايين والملاليم، وطالما كل شيء مفتوح ومباح، فإننا لا نستغرب أن نعجز عن فهم الواحد زائد النصف المعدّل، وربع الربع المعطّل، وجداول الأرقام وquot;اللوغريتماتquot; دخلت الانتخابات، والموالاة والمعارضة، وفي المدن والعواصم العربية عشنا خدعة ديموقراطية الأثلاث والأنصاف، وجدول الضرب والطرح..

يوافق البعض على قرارات الطائف، وآخرون يرحّلونها إلى التقاعد والنفي، ثم يأتي من يرفض المشروع العربي، لأنه منحاز لطائفة ضد أخرى، ولا نعرف كيف نحل هذه الألغاز التي تعاكس القوانين وتبتدع أخرى، وتتلاقى ثم تتحارب على كلمة، أو فكرة..

فالهوى غربي، والمشكلة عربية، والمهمة إسلامية بذرائع طائفية مسيحية وغيرها، يطالب البعض بدفع الجزية، من قبل دول عربية، لأنها تستقبل الزعماء الأمريكيين، والغربيين، وبعض آخر ينادي بدفع الضريبة السياسية والمادية، مقابل الحلحلة، ولا أحد يعرف كيف يصل إلى لغز الرقم الصحيح الذي يمكن وضعه على هويات وجوازات كل لبناني يحمل جنسية هذا البلد ويدين له كوطن..

لقد كثرت التجاذبات، صارت كل الأرقام مغلوطة، رغم أن الرقم لا يحوّر لأنه حقيقة ثابتة إلا في النزاعات اللبنانية عندما تنقلب الأمور إلى ضدها، ولا أحد يريد مواجهة الواقع بدون ألوان ورتوش، وانتماءات تتغير بفعل الرياح التي تهب من الخارج، وقد عجز البصّارون والفقهاء وعلماء الحيل حتى التي تقلب القصدير إلى ذهب أن يصلوا إلى لغز لبنان..

من المستحيل أن تجعل كل إنسان زعيماً له أتباع وعبيد لأنه السيد المطلق لكن في لبنان كلّ يريد أن يكون المرشد والقائد، ، والنقي الطاهر، حتى لو طالته تهم هدم الوطن وأهله وهذه الصيغ التي وضعته في المآزق الحادة، لا يمكن أن تصلحه قوانين الغرب، ولا مفاهيم العرب، لأنه يحتاج إلى منفذين من خارج هذه المدارات، وبمواصفات يحددها اللبنانيون من خلال أثلاث أرقامهم وأرباعها، والمرجّح والمعطل والزائد والناقص..

نحب لبنان ونراه صورة جاذبة للثقافة والحرية، والمتعة، لكنه حالة خاصة، وأفضل الحلول أن يُترك البلد لأهله، يتخاصمون، ويتلاقون، وعندما يفرغون شحناتهم النفسية، والكهربائية، يمكن التواصل معهم بالشريك السياحي، والاستثماري، لكن البعيد جداً عن خصوماتهم السياسية، وتباعدهم الطائفي والفئوي، واستعانتهم بالأجنبي على المحلي..

كل الذين قطعوا الطرق البرية والجوية، وحاولوا غرس شجرة أرز جديدة في حرج أو على شاطئ البحر المتوسط، أو البقاع، صُدموا بأن كل حي له دولة وقضاة، ومفكرون وحكومات وبالتالي من غير المنطقي المجازفة بالدخول إلى هذه الدهاليز التي أعجزت كل من حاول فتح نافذة صغيرة في الزنزانة اللبنانية..

صنعوا حدودهم بأنفسهم، خلقوا تصفياتهم الجسدية، إما بواسطة، أو ذريعة حتى الألوان صارت تتغير، فهناك دماء زرقاء، وأخرى قزحية، وتحولت حروب الجينات إلى أن كل لبناني هوفصيل خاص، وعرق لا ينتمي لوطنه، وتلك عاقبة بلد يفتقد لمواطنين ينتمون إليه..