سعد محيو
إنها القومية العربية قيد العمل.
هذا قد تكون الصورة الحقيقية التي ستبرز، حين ينجلي غبار ldquo;العبور الكبيرrdquo; الذي أطاح معبر رفح.
فجأة، نزل الجميع، الأطياف السياسية والحزبية كافة، إلى شوارع بيروت والقاهرة وغيرهما. ومن لم ينزل منهم في هذه العواصم وفي باقي مدن الشرق الأوسط العربي، عمد إلى التظاهر الصامت، ولكن الغاضب، مع النفس والأهل والأصدقاء.
فجأة، لم يعد هناك سيناء وغزة. الطبيعة انتقمت من المهندسين العسكريين ldquo;الإسرائيليينrdquo; الذين فصموا عرى هذه البقعة بالإسمنت والحديد والأسلاك الشائكة، فاستعادت المنطقة وحدتها وعادت الصغيرة الأسيرة إلى حضن شقيقها الأكبر.
الرئيس مبارك أدرك هذه النبض سريعاً، فسمح بتهاوي ldquo;جدار برلين ldquo;الإسرائيليrdquo;rdquo; بين مصر وفلسطين.
أول من فهم الأبعاد التاريخية المهمة لهذه التطورات كانت ldquo;إسرائيلrdquo; وواشنطن. في البداية، وقفت جملة طيور دفعة واحدة فوق رؤوس الناطقين باسم البلدين وهم يتعرضون لوابل من الأسئلة عما جرى ويجري في رفح. وحين أفاقوا من ذهولهم، لم يجدوا ما يقولونه سوى التهديد المبطَن لمصر، ثم تذكيرها بتعهداتها في اتفاقات السلام.
***
إنها القومية العربية قيد العمل.
خلال اختراق الغزاويين لسجنهم الكبير، كان خالد مشعل في دمشق يوحي بأنه على وشك إعادة وضع ldquo;المشعلrdquo; في يد العروبة، حين اقترح استراتيجية ldquo;تضع التحرير قبل الدولةrdquo;. هذا الكلام لم يكن فقط برسم ldquo;فتحrdquo;. إنه أيضاً، وربما أساساً، برسم العرب. إذ لا تحرير ممكناً لفلسطين من دون حركة تحرر عربية شاملة.
ياسر عرفات أمضى 35 سنة في النضال من أجل حل فلسطيني للقضية الفلسطينية، فاكتشف قبل وفاته، خاصة في كامب ديفيد-2 ، أن هذا الخيار لم يؤد سوى إلى حل ldquo;إسرائيليrdquo; للقضية الفلسطينية. ولو قيض له ( أو سمح له؟ ) أن يعيش أكثر، لربما وصل إلى القناعة بأن حركة التحرير الفلسطينية، وبسبب موازين القوى الدولية والإقليمية الكاسحة لغير مصلحة الفلسطينيين، كان يجب أن تكون جزءاً عضوياً من حركة التحرر العربية، لا جزءاً من النظام الرسمي العربي، كي تستطيع البقاء.
***
إنها القومية العربية قيد العمل.
وهذا قبل رفح، كان واضحاً في ظواهرالمقاومة العراقية، والمقاومة الفلسطينية ldquo;القساميةrdquo; (من صواريخ القسام)، والمقاومة اللبنانية، والممانعة الشعبية السورية والمصرية والمغاربية، وفي رفض العرب الخليجيين لإسقاط سمة العربي عن خليجهم.
صحيح أن كل هذه المقاومات لا تندرج في مشروع نهضوي قومي عربي واحد وهي تبدو كردات فعل أكثر من كونها فعلاً تاريخياً، إلا أن الصحيح أيضاً أنها كلها تشكّل في العمق نبضاً واحداً لأمة واحدة ترفض أن تذوب في ldquo;شرق أوسط يهوديrdquo; وتتحرك (برغم القصف العنيف الذي تتعرض له بكل انواع الأسلحة العسكرية والاقتصادية والثقافية) لاستعادة دورها التاريخي- الحضاري الكبير.
كتب المؤرخ إدوارد إيفان بريتشارد متحدثاً عن تجربة الثورة السنوسية في ليبيا في القرن التاسع عشر: ldquo;الحركة تمثّل رد فعل على السيطرة الأجنبية بقدر ما هي ثورة ضد الممارسة الدينية التقليدية. كان مذهبها تعبيراً عن رغبة قوية لدى أمة أرادت أن تعيش طبقاً لتقاليد مؤسساتها الخاصة. وهذه الرغبة يعبّر عنها الآن بلغة القومية السياسية، لكنها في الماضي كانت تعبّر عن نفسها في الحركات الدينية. إن القومية العربية ليست ظاهرة جديدة. إنها فقط تغيّر رداءهاrdquo;.
ومن إدوارد بريتشارد إلى الناطقين باسم ldquo;تل أبيبrdquo; وواشنطن، مع تحياتنا.
التعليقات