أمير طاهري

عندما أثار الرئيس محمود احمدي نجاد مواجهة مع الولايات المتحدة بخصوص البرنامج النووي الايراني، كان يعتمد على مواجهة حادة ولكن قصيرة يمكن ان تقوي الجمهورية الاسلامية على المدى الطويل.

وأسس الرئيس المتحمس سياسته على مقولة نيتشه: ما لا يمكن ان يقتلني يقوينيraquo;.

والفكرة هي ان الايرانيين الذين نشأوا وسط حضارة تعتبر الصبر واحدا من اهم القيم، سيحققون الانتصار في أي مواجهة ضد عدوهم الغربي، ولا سيما الولايات المتحدة، الذين من المفروض ان لديهم القدرة على المواجهات الطويلة. فالإيراني يقضي عاما يغزل سجادة. ويطهو الحساء في فرن ليوم بأكمله. بينما الاميركي، يشرب قهوة سريعة ولا يمكنه التركيز على أي شيء لأكثر من عدة دقائق.

وبعد ثلاثة اعوام تقريبا، يبدو وكأن احمدي نجاد قاد ايران ليس الى شبكة معقدة من الامور غير المنطقية، ولكن الى مواجهة قصيرة وحادة يمكن ادارتها بقليل من التهديدات والمناورات السياسية.

ومن المتوقع ان يقر مجلس الامن، خلال الايام القليلة القادمة قرارا ثالثا، يفرض سلسلة من العقوبات الجديدة ضد الجمهورية الاسلامية. ومن المؤكد ان الخناق يضيق اكثر وأكثر وبدأت بعض العظام في التكسر.

وتأثير العقوبات المفروضة بالفعل يشمل زيادة في معدلات التضخم من 11 الى 20 في المائة، وهو يعكس الزيادة في تكلفة الواردات. ونقص المواد الخام وقطع الغيار ادى الى اغلاق العديد من المصانع مما ادى الى ضياع الكثير من الوظائف. وقدرت نقابات العمال الايرانية المستقلة، مؤخرا، ان اكثر من الف عامل يفقدون وظائفهم اسبوعيا. وعندما يشعر الاقتصاد الايراني بالتأثير الكامل للعقوبات الاقتصادية، ربما يجد اكثر من 2.5 مليون عامل ايراني انفسهم بلا عمل.

وبالرغم من عقود طويلة من الحديث عن (خود كفاي)، فإن الاقتصاد الايراني اكثر اعتمادا على التجارة الاجنبية اكثر من ذي قبل. ففي عام 1977، قبل استيلاء الملالي على السلطة، استوردت ايران 11 في المائة من طعامها. وطبقا لأكثر التقديرات المحافظة بلغت النسبة في الوقت الراهن 36 في المائة.

وفي عام 1977 استوردت ايران كمية صغيرة من المنتجات النفطية المتخصصة، وبصفة خاصة وقود الطائرات النفاثة. واليوم تستورد ايران نصف احتياجاتها من الغازولين.

وبالرغم من ان لديها ثاني اكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، فإن ايران مستوردة للغاز. وتذكر الايرانيون، في فصل الشتاء الحالي، وهو يرتعدون من البارد القارس، انهم يعتمدون على تركمانستان للحصول على غاز لتدفئة عشرات الالوف من البيوت عبر ايران.

وقد خففت الزيادة الحادة الاخيرة في اسعار النفط وطأة تأثير العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على الاقتصاد الايراني.

ولكن ماذا سيكون عليه الامر اذا ما انخفضت اسعار النفط المتقلبة بما يتراوح مابين 20 او 30 دولارا للبرميل الواحد. الميزانية التي قدمها احمدي نجاد تفترض سعر برميل النفط بأربعين دولارا بدون تعديلات بالنسبة للتضخم. وإذا ما طبقنا هذه التعديلات، فستحتاج ايران الى اسعار نفط تصل الى 80 دولارا للبرميل الواحد لاستمرار تعويم الاقتصاد.

ولا يوجد ادنى شك من ان العقوبات المفروضة حاليا تحقق الغرض منها وان العقوبات الجديدة المطروحة للنقاش في مجلس الامن ستضر بالجمهورية الاسلامية اكثر.

كل ذلك، لا يعني ان مجلس الامن يمكنه تحقيق اهدافه فقط عن طريق فرض العقوبات. ففي القرارين السابقين، فرض المجلس طلبا واحدا لا يمكن بسهولة التحايل عليه: يجب على الجمهورية الاسلامية وقف تخصيب اليورانيوم ووضع اجهزة الطرد المركزي لديها تحت سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومن الواضح ان احمدي نجاد لا يمكن ان يوافق على خطوة مثل هذه. فإن ذلك بالنسبة له يعتبر انتحارا سياسيا. وحتى إذا فكر في الإقدام على هذه الخطوة، فمن المؤكد انه سيحاول الإقدام عليها في وقت لاحق عقب الانتخابات البرلمانية في مارس (آذار) المقبل، إن لم يكن بعد انتخابات الرئاسة عام 2009.

على المستوى النظري، بوسع القيادة الخمينية الحيلولة دون تولي احمدي نجاد الرئاسة لفترة ثانية. إذ ان تولي رئيس جديد، مثل هاشمي رفسنجاني رجل الأعمال الذي اصبح ملا، لا يرغب في المخاطرة بثروته في نزاع مع الغرب، ربما يصبح قادرا على التخلي عن المغامرة النووية حتى ولو لفترة محددة.

إلا ان إزاحة أحمدي نجاد من السلطة ليست أمرا سهلا، كما انه ليس من المؤكد ان تقدم طهران على قطع الطريق على فوزه بفترة رئاسة ثانية.

رضينا أم أبينا، لا يزال احمدي نجاد يتمتع بشعبية وسط القاعدة الآخذة في التقلص والتي تتشكل من الذين لا يزالون يؤمنون بالثورة الخمينية. وفي ظل غياب الحريات العادية، من الصعب التأكد من القوة الحقيقية للقاعدة المؤيدة.

ربما تكون نسبتها 1 بالمائة من تعداد السكان، كما تقول مجموعات المعارضة، وربما تكون 80 بالمائة، حسبما يزعم احمدي نجاد. إلا ان المؤكد هو ان رسالة التحدي الثوري لأحمدي نجاد تجد قبولا اكبر بكثير من رسالة رفسنجاني المراوغة. فأحمدي نجاد يمثل نزعة تطرف ممتدة لا يمكن وقفها إلا من خلال العمل العسكري.

لا يجب ان نشير إلى هتلر لأن احمدي نجاد ليس هتلر وإيران ليست ألمانيا.

رغم ذلك، يمكن إيراد نماذج أخرى.

أحلام جان بيرون بتحويل الأرجنتين إلى ثاني laquo;قوة عظمىraquo; في العالم انتهت بهزيمة جيشه في حرب حدودية ضد شيلي.

كيم ايل سونغ جاء إلى السلطة عندما نقلت قوة الأمم المتحدة، بقيادة اميركا، الحرب إلى داخل حدوده في كوريا الشمالية عام 1951.

أحلام جمال عبد الناصر بقيام إمبراطورية قومية عربية في ساحات معارك 1967.

laquo;الثورة الدائمةraquo; لماوتسي تونغ تعطلت عندما تنازعت جيوشه بفعل laquo;الحروب الخفيةraquo; للسوفيات على طول نهر اوسوري في عقد الستينات من القرن الماضي. كما ان مصير الخمير الحمر انتهى في مزبلة التاريخ عام 1979 عندما خسرت الحرب ضد فيتنام.

لم تلجم العقوبات عيدي أمين وأطيح عندما غزا الجيش التنزاني أوغندا وزحف نحو العاصمة كمبالا عام 1979.

بدأ الاتحاد السوفياتي في التفكك عقب هزيمة جيشه في أفغانستان أواخر الثمانينات.

نظام طالبان في كابل لم يبد اهتماما تجاه عقوبات الأمم المتحدة والضغوط الدبلوماسية عام 2001، وكان لا بد من إطاحته.

لم يعد ممكنا إقناع نظام صدام حسين بتغيير سياسته لأنه لم يكن يستطيع تغيير طبيعته، وكان لا بد من إيقافه عند حده عام 1991 ثم إطاحته عام 2003.

الأنظمة التي تفتقر إلى الآليات المحلية لتغيير السياسات يكون مصيرها تغييرا مفروضا عليها بواسطة قوة خارجية.

لذا، فإن القضية الحقيقية فيما يتعلق بالعقوبات الجديدة ضد الجمهورية الإسلامية لا تتركز في ما إذا ستكون فاعلة أم لا، لأنها ستكون فاعلة بالتأكيد. القضية الحقيقية هي ما إذا كانت تأثير هذه العقوبات سيقنع القيادة الخمينية بالانصياع لمجلس الأمن. بمعنى آخر، كلما كانت عقوبات الأمم المتحدة بلا أثر أو نتائج مطلوبة، كلما كانت حجة خيار الحرب قوية.

والسؤال الآن: إذا لم تنجح العقوبات، ما الذي يمكن فعله؟

التاريخ اثبت ان العقوبات، التي غالبا ما تطرح كبديل للحرب، من الممكن ان تنتهي كمقدمة للحرب.