روجر كوهين - نيويورك تايمز
ليس من عادتي أن أوصي بأن تأخذ أميركا في سعيها لحل المشكلات الكبرى التي تواجهها، بتبني منتجات الصناعات الفرنسية. غير أن في تقديري أن لكل قاعدة استثناءً. والاستثناء الذي أعنيه هنا على وجه التحديد، هو شركة quot;أريفاquot; للطاقة النووية المملوكة للحكومة الفرنسية. والمعروف عن هذه الشركة أنها تسهم بتوفير نسبة 80 في المئة من حاجة فرنسا من الكهرباء التي تنتج في 58 محطة من محطات الوقود النووي المنتشرة في شتى أنحاء البلاد، إضافة إلى عملها الحالي في تطوير جيل جديد من المفاعلات النووية في منطقة quot;فلامفيلquot;، يتوقع لها دخول الخدمة عملياً بحلول عام 2012. وليس ذلك فحسب، بل إن هذه الشركة تصدِّر خبراتها ومهاراتها في هذا المجال إلى عدة دول أجنبية من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة والصين.
ولدى مقارنة نشاط هذه الشركة بما هو حادث عندنا في الولايات المتحدة، يلاحظ أن نسبة 20 في المئة فحسب من الطاقة المستهلكة في أميركا، تنتج في محطات الوقود النووي، بينما لم تدخل أي مفاعلات جديدة إلى الخدمة منذ عام 1996، ودون أن تصدر أي أوامر ببناء مفاعلات جديدة على امتداد عدة عقود. وفي الوقت نفسه تصيب الطاقة النووية الحوار القومي العام حول توليد الطاقة النظيفة غير الملوثة للبيئة في عصر التغير المناخي الحالي، بالشلل التام تقريباً.
وتترأس quot;آن لوفرجيونquot; شركة quot;أريفاquot;، وهي خريجة إحدى أرفع الجامعات الفرنسية. وقد اكتسبت آن لقب quot;آن النوويةquot; بسبب مهارتها الفائقة في تسويق المنتجات النووية. وللحقيقة فما أحوج أميركا لأمثالها من أجل تجاوز القصور النووي في منتجاتها من الطاقة. وقد انعكس هذا التردد إزاء تبني زيادة محطات توليد الطاقة النووية في البلاد، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية. فمن بين المرشحين quot;الديمقراطيينquot;، عبّر المرشح باراك أوباما عن عزم واضح على دعم هذه المشروعات، وإن شاب هذا العزم بعض الحذر إلى حد ما، قياساً إلى تحذيرات منافسته هيلاري كلينتون واعتراضات جون إدواردز. وعلى رغم حماس المرشحين quot;الجمهوريينquot; للطاقة النووية، إلا أن المسار العام للحملة الانتخابية بمجملها يشير إلى استمرار الخلاف السياسي بشأن الطاقة النووية بين المتنافسين.
وهذا ما يدعوني إلى القول بأن الوقت قد حان للتطلع إلى تجربة الفرنسيين. ذلك أنهم مضوا إلى الخيار الصحيح، إذ تقدر نسبة الفرنسيين المؤيدة للطاقة النووية بحوالي 70 في المئة، خلافاً لرفض أغلبية الألمان لها على رغم تبني ألمانيا للسياسات الخضراء الصديقة للبيئة. أما البريطانيون فقد كانوا أكثر ذكاءً في اتجاههم نحو سياسات الطاقة الخضراء، وذلك بانشغالهم في الوقت الحالي بإنعاش وتحسين أداء محطات طاقتهم النووية القائمة.
ومن جانبي فأنا أدرك القشعريرة التي تصيب الناس هنا لمجرد سماعهم لكلمة quot;نوويquot;، لكونها تثير في الأذهان مآسي هيروشيما وناجازاكي، وكارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل الروسي، وتلك الكارثة الناتجة عن الانفجار الجزئي الذي حدث في مفاعلات جزيرة quot;Three Milequot; في عام 1979، ناهيك عما تثيره الكلمة من رعب الانتشار النووي، والقنابل القذرة... وما إليها من مصائب. غير أن أهم الدروس الواجب تعلمها في عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر هو تجاوز الخوف، وخاصة غير العقلاني منه.
وعلى رغم أهمية تطوير مصادر طاقة الرياح والطاقة الشمسية كبديلين محتملين لاعتمادنا الأكبر على مصادر الطاقة الأحفورية، إلا أن هذين البديلين لن يكفيا إلا جزءاً محدوداً للغاية، من حاجة أميركا للطاقة في وقت ليس أقل من منتصف القرن الحالي بأي حال. كما يتطلب إنتاج نسبة محدودة جداً من طاقة الرياح، استغلال مئات الأميال المكعبة من المساحات المفتوحة، في حين لا يتطلب بناء محطة للطاقة النووية سوى أقل من ميل مربع واحد. وكما تقول quot;جينويث كرافينزquot; مؤلفة كتاب quot;طاقة لإنقاذ العالم: حقيقة الطاقة النوويةquot;: quot;ما أشد كثافة الطاقة الكامنة في اليورانيوم. وحتى في حال اعتماد دولة ما على الطاقة النووية، لسد حاجتها الكاملة من الطاقة مدى الحياة، فإنه يمكن اختزان كل النفايات الناجمة عنها في علبة صغيرة من علب الصودا لا أكثرquot;. يذكر أن quot;كرافينزquot; كانت قد عارضت فكرة توسيع مشروعات الطاقة النووية، خوفاً من النفايات الضارة الناجمة عنها في بادئ الأمر. إلا أنها تمكنت لاحقاً من تجاوز تلك المخاوف، شأنها في ذلك شأن باتريك مور، مؤسس منظمة Greenpeace الذي تطرف في معارضته للطاقة النووية إلى حد وصفها بالجريمة، مع أنه تحول اليوم إلى أحد أقوى الأصوات المدافعة عن توسيع استخدامها. فهي قد اقتنعت مثله بالأدلة والبراهين المتعاظمة يوماً بعد يوم، على سلامة واقتصاد استخدامها. لكن على رغم تغير موقف باتريك مور إلا أن منظمة quot;Greenpeacequot; ظلت على رفضها للطاقة النووية. فقد حدثني محلل سياساتها quot;جيم ريكوquot; عن أن بناء المزيد من محطات الطاقة النووية سيكون مكلفاً للغاية، إلى جانب ما تنطوي عليه من مخاطر صحية وبيئية وأمنية. وعن هذه الأخيرة قال لي بالحرف الواحد: quot;لماذا بحق السماء تريد بناء المزيد من الأهداف لأعدائنا الإرهابيينquot;؟ وعلى رغم مشروعية السؤال ووجاهته، إلا أن الإجابة عنه هي: لما كان الإرهابيون قد أصبحوا بكل هذه القدرة على تحديد سياسات الطاقة الأميركية إلى هذا الحد، فإن من الأولى أن تسعى أميركا لخفض اعتمادها على موارد النفط الأجنبي. ومما يعترض عليه السيد quot;ريكوquot;، ارتفاع تكلفة إدارة عدد من محطات الطاقة النووية القائمة حالياً، إلى جانب مشروع التخلص من النفايات النووية المقترح إقامته في جبال quot;يوكاquot; بصحراء نيفادا، وخاصة أن هذا الأخير وحده يكلف نحو 30 مليار دولار لافتتاحه وبدء العمل فيه. ومن رأيه أن هذا مبلغ كبير للغاية، وفي الإمكان استغلاله في تطوير مشروعات أخرى لتنويع مصادر الطاقة الأميركية. ونرد هنا على هذه الحجة بالقول إن فرنسا تتمتع بأنقى هواء عالمي، على رغم أنها الدولة الأكثر اعتماداً على الطاقة النووية. ومما ساعد الفرنسيين على خفض تكلفة إنتاجهم لهذه الطاقة، اعتمادهم على التصميمات القياسية، وتحسينهم لتكنولوجيا الإنتاج. وليس ذلك فحسب، بل إن من أهم ما ساعدهم في خفض تكلفة الإنتاج، تدويرهم للجزء الأكبر من النفايات النووية نفسها، وإعادة إنتاجها في شكل طاقة نووية جديدة. وفي هذه العملية الأخيرة حل سحري مدهش لمعضلة التخلص من النفايات الناجمة عن هذه الطاقة.
وعليه ففي اعتقادي الشخصي أن في التعاون مع الفرنسيين في تطوير أجيال جديدة من محطات الطاقة النووية الأميركية، ما سيشير إلى حدوث تحول في العلاقات الفرنسية- الأميركية، مع الرئيس الأميركي المرتقب في العام المقبل، ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي.
التعليقات