سركيس نعوم

بعد ستة وعشرين يوماً من الآن يختار الاميركيون رئيسا جديدا معه اعضاء مجلس النواب وثلث اعضاء مجلس الشيوخ. ورغم انه من السابق لأوانه الجزم بهوية الرئيس الجديد فان استطلاعات الرأي تعطي مرشح الحزب الديموقراطي باراك اوباما ارجحية للفوز على منافسه مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين. واهمية هذه الاستطلاعات انها اتت بعد مناظرتين بين المرشحين طغى على المناقشات فيهما موضوع مستجد لكنه اساسي وخطير هو انهيار سوق المال الاميركي المعروف بـquot;وول ستريتquot; واضطرار الادارة الاميركية الجمهورية المشارف حكمها الانتهاء الى التدخل بقوة في قطاع المال والمصارف والعقارات خلافاً لإيديولوجيتها الاقتصادية، بغية تلافي الانهيار الشامل الذي لا بد ان يهدد الدولة الاعظم مكانة وهيبة ونفوذا خارجيا ورفاهية واقتصادا ونموا... ومن هاتين المناظرتين اظهر الناخبون المحتملون رضاهم عن الطريقة التي تحدث بها اوباما عن المشكلة الأخطر في تاريخ اميركا منذ نحو 79 عاماً واقتناعهم بمقارباته لمعالجتها في حال وصوله الى البيت الابيض. الا ان طغيان الازمة الاقتصادية ndash; المالية ndash; المصرفية على المناقشات المشار اليها لم يكن على حساب السياسة الخارجية التي شكلت خلافاً لـquot;التقاليد الاميركيةquot; همّاً يومياً للناخبين في الولايات المتحدة وخصوصاً بعد حربي افغانستان والعراق اللتين لم تحققا ما كان يؤمل منهما واثرتا سلباً على اميركا الداخل واميركا الزعامة الاحادية للعالم وسمحتا للارهاب الدولي بالانتشار في حين ان الهدف منهما كان التصدي له والقضاء عليه بعد الذي فعله في نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من ايلول 2001. الى ذلك تعطي استطلاعات الرأي نفسها الحزب الديموقراطي فوزاً آخر هو الحصول على غالبية جيدة في الكونغرس الاميركي بمجلسيه الامر الذي ينزل بالحزب الجمهوري هزيمة ساحقة قد لا يقوم منها الا بعد سنوات طويلة اذا نجح في تقويم حكمه الاخير للولايات المتحدة على مدى ولايتي جورج بوش الابن واستخلاص العبر منه ووضع سياسة جديدة تحقق اهدافاً جديدة تؤمن المصالح الاميركية الحيوية والاستراتيجية داخل اميركا وخارجها واذا اخفق منافسه الديموقراطي في الحكم بعد الفوز المحتمل في الرابع من الشهر المقبل.
كيف ينظر قادة العالم الى الفوز المحتمل لباراك اوباما بالرئاسة الاميركية وبينهم زعماء الشرق الاوسط بمن فيهم قادة الدول في العالمين العربي والاسلامي؟
لا يملك احد جواباً جاهزاً عن هذا السؤال. علما ان بعض هؤلاء القادة وقد يكون معظمهم من العرب والمسلمين قد يفضل بقاء الجمهوريين في البيت الابيض ربما لانه لا يعرف اوباما كفاية رغم كل ما قاله منذ ترشحه للرئاسة ومعرفته انه مرشح حزب يملك سياسات واضحة الى حد كبير تتعلق بقضايا الداخل الاميركي كما بقضايا الخارج التي تركز معظمها ويا للأسف في منطقتهم. وربما لانه لا يستطيع توقّع المواقف التي قد يتخذ والسياسات التي قد ينتهج حيال قضايا وازمات ملحة يتوقف عليها مصيرهم ومصير انظمتهم والبلدان التي تحكمها. ذلك ان شخصية الرئيس واقتناعاته ومواقفه تؤثر على نحو كبير في سياسات ادارته حيال قضايا عدة طبعا لا يعني ذلك في رأي متابعين اميركيين للاوضاع في الولايات المتحدة ان اميركا الجديدة رئاسة على الاقل أو رئاسة وكونغرسا ستعيش مرحلة فراغ على مستوى السياسات والاستراتيجيا الى ان يكوّن الرئيس الجديد اوباما، في حال فوزه، ادارته ويحدد اولوياته في السياستين الداخلية والخارجية وفي المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلاده، وهذا امر يجب ان يعرفه قادة العالم او معظمهم. ذلك ان في اميركا quot;مؤسسةquot; معروفة quot;بالاستبليشمنتquot; قائمة من زمان وقيّمة على استقرار اميركا ومصالحها وقادرة على ادارة الامور ريثما يتكيف الرئيس الجديد مع موقعه. وهي موضع ثقة الاميركيين وتحديدا حزبيهم الكبيرين لكن ذلك على صحته لا ينفي انه على قادة العالم اياهم ان ينتظروا اوباما نحو سنة. اولا، كي يكوّن ادارته والفريق الذي سيحكم بواسطته. وثانياً، كي يحدد خياراته المتنوعة داخلياً وخارجياً. علما ان هذا الانتظار قد لا يكون ضروريا اذا كانت الادارة السابقة لادارته تركت له مشاريع حلول وتسويات لمشكلات اقليمية ودولية واضحة ومقبولة وصالحة للتنفيذ. اذ انه يستطيع في حال كهذه بعد الاطلاع عليها وتعديل ما يراه ضروريا حفاظا على مصالح بلاده ان يعمل في سرعة لتنفيذها.
هل من اثر لوصول اوباما الى البيت الابيض على الشرق الاوسط وفيه؟
يقول المتابعون الاميركيون انفسهم ان احداً من قادة هذه المنطقة لا يريد ان يخطىء اثناء اقامته علاقة مع الرئيس الجديد في البيت الابيض. ويقولون ايضاً ان احدا منهم او بالاحرى غالبيتهم لا تريد الانخراط معه في مغامرة او مغامرات او جره الى امر كهذا لان عواقب مغامرات سلفه كانت وخيمة. ويعني ذلك ان على هؤلاء ان يمنحوا هذا الرئيس الوقت الكافي الذي قد يكون سنة كي يوضح افكاره ومشروعاته وان يعطوا انفسهم وقتاً ايضاً لفهمه وحتى قراءته اذا جاز التعبير وذلك كي لا يرتكبوا اخطاء قاتلة.