زهرة مرعي

من ضمن الإحتفاليات التلفزيونية بنجوم المسلسلات الرمضانية كان لتلفزيون 'الجديد' في لبنان حصته، فهو عاش على ما يبدو فرحة ذلك النجاح الذي حصده مسلسل أسمهان وراح يبني عليه ما يستحق من إحتفاليات. الإحتفال الأهم كان في زيارة السيدة كاميليا جنبلاط ـ إبنة أسمهان ـ تلك الزيارة التي جمعت بين أسمهان ـ سلاف فواخرجي ـ وإبنتها المفترضة. هذا اللقاء بثته نشرة الأخبار الرئيسية ولم يكن في برنامج خاص. وفيه عبّرت الإبنة التي يفترض أنها الوريثة الشرعية الأولى لأسمهان عن رضاها الكامل عن المسلسل. وخلال هذا اللقاء الذي نسقة فريق الأخبار في تلفزيون 'الجديد' وكانت شاهدة عليه مديرة الأخبار مريم البسام بنفسها، عبرت السيدة كاميليا عن رضاها الكامل عن المسلسل وعن صورة والدتها التي ظهرت في سياقه. وإن كان اللقاء برمته ودياً للغاية، وفيه الكثير من القبلات والإحتضان، فذلك يأتي من رقة الشخصية الإنسانية التي تتميز بها سلاف فواخرجي الإنسانة. والتي كانت لا تزال تعيش في داخلها ذلك الإنحباس ضمن الشخصية التي لعبتها على مدى زمن. وفي لقائها هذا بكاميليا كانت سلاف فواخرجي في مشاعرها 'أسمهان' أكثر منها هي نفسها. والأهم في كل هذا اللقاء عدا عن إشباع حشرية المشاهد وحشرية الزائرين باللقاء مع إبنة الأسطورة أسمهان، أنه شكل براءة ذمة كاملة متكاملة للقائمين على مسلسل شغل الناس والقضاء. فكاميليا كانت في غاية الرضى. وهل الرضى مطلوب من غيرها وهي أقرب المقربين لأسمهان وأول الورثة في التراتبية العائلية؟ وبعد رضى كاميليا هل ستأخذ الشكاوى القضائية طريقها إلى نهايتها؟ هذا سؤال متروك للمستقبل والمحاكم، خاصة وإن إحدى هذه الشكاوى قد أُسقطت في بيروت، فيما تبقى الشكاوى في دمشق قائمة.
اللقاء مع كاميليا جاء في اليوم التالي للقاء الذي أجراه برنامج 'حديث الساعة' السياسي على شاشة 'الجديد' مع فريق عمل المسلسل. وهم سلاف فواخرجي، فراس إبراهيم، والمخرج شوقي الماجري. هذا اللقاء المميز الذي جرى في المكان الذي يعرف بقصر أسمهان في منطقة ضهور العبادية في جبل لبنان إنتهى بسماع المشاهدين على الهواء مباشرة لإطلاق نار في الخارج. وهذا ما دفع بمقدم الحلقة جورج صليبي لطلب القوى الأمنية اللبنانية لتأمين خروج فريق عمل أسمهان، وفريق 'الجديد' بأمان من المكان. وهذا ما حصل. وقد تضاربت الآراء حول أسباب إطلاق النار، ومنهم من فسره على أنه عدم رضى سياسي عن وجود ممثلين سوريين في المكان المحسوب على النائب وليد جنبلاط. ومهم من فسره قبائلياً وعشائرياً بأنه عدم رضى تام عن المسلسل الذي تناول عائلة عريقة من الطائفة الدرزية الكريمة. وفي كل الأحوال الأهم أن الأمور سارت فيما بعد على خير ما يرام ولم نكن مع دراما جديدة مباشرة على الهواء.
أما في سياق الحوار الذي قاده إعلامي من نجوم السياسة في لبنان بعد إجازة طالت على مدى شهر رمضان وهو الزميل جورج صليبي، نقول بأن براعته في إدارة عمله الأساسي وهو السياسة لم تنسحب كذلك على إدارته لعمل فني، وإن كان هذا العمل في قسم منه سياسياً بإمتياز. فجورج صليبي رغم إعجابه وبهجته الظاهرة بضيوفه وبالتنويعة المهنية التي وضعته في حوار فني، كان مربكاً ولم يكن منساباً كما هو في السياسة. وربما لم يكن على إستعداد كامل لحواره، أو هو إستسهله قياساً بمهماته السياسية. ولهذا ظهر خبازاً لغير خبزه. ومع ذلك نقول بأنه أمتعنا بالتعرف إلى وجهة نظر كل من المخرج شوقي الماجري، والممثل والمنتج فراس إبراهيم والإثنان معاً بينا أنهما كانا بصدد تقديم أسمهان كإنسانة طبيعية بكل ما يتعرض له الإنسان في حياته. ولم يكونا بصدد تقديم صورة متحفية خالدة وأيقونية. وهذا ما ظهر لنا فعلاً في سياق العرض. فالمشاهد أحب أسمهان الإنسانة، تضامن مع ضعفها، وأشفق عليها خاصة في هاجس الموت الذي كان يرافقها على مدار الأيام. والجديد الذي وصلنا من خلال هذه الحلقة قول فراس إبراهيم بأن بعضهم في جبل العرب تحدث عن إهدار للدم. وهذا ما نتساءل عن سببه، خاصة وأننا كمشاهدين تابعنا المسلسل وزدنا قناعة بأهمية الدور الوطني والقومي الذي كان لعائلة الأطرش في ذاك الزمن الصعب من تاريخ الأمة العربية وسورية بالتحديد.
وفي سياق آخر نسجل ملاحظة ظهرت في اللقاء المسجل الذي بثه تلفزيون 'الجديد' مع الكاتب والمخرج ممدوح الأطرش، والذي أظهر فيه رضاه عن المسلسل، رغم الإعتراضات على تواريخ معينة إعتبرها خاطئة. وهو بدوره أعطى من حيث يدري أو لا يدري براءة ذمة للمسلسل وأهله. بعكس ما كان عليه في يوم سابق في برنامج 'حوار مفتوح' مع الزميل غسان بن جدو، حيث بدا حانقاً. ولسنا ندري ما الذي تغير بين ليلة وضحاها بالتمام والكمال؟
هذا ما أحاط بمسلسل أسمهان كسيرة ذاتية. وفي العام المقبل سنكون بالتأكيد مع إشكالية جديدة، لأن شهية المنتجين والمخرجين مفتوحة على السير الذاتية. وعالمنا العربي يضيق ذرعاً بهذا الجانب من الفن. فالعائلات ترى أن تناولها يفترض أن يتم في الجانب المشرق والمنير. وترى أن السيرة الذاتية يجب أن تكون أسطورية بطولية، بعيدة عن المشاعر والأحاسيس. وكأن السير الذاتية والبشر الذين يتم إختيارهم ليقدَموا درامياً يجب أن يكونوا ملائكة ليس فيهم دماء تسري، وليس لديهم مشاعر تتحرك. وهنا نسأل من هو المشاهد الذي إستهان بأسمهان الأسطورية عندما شاهدها تشرب السكائر والخمر؟ وبكل تأكيد فإن هذا المشاهد وضع تلك المشاهد في سياقها الدرامي الطبيعي لإنسانة كانت حياتها سلسلة من العواصف الداخلية والخارجية، ونادراً ما كانت مبتهجة.

بالأرقام المخيفة

يقال بأن كل 'طلقة' يهتز لها عرش الرحمن، ومن يعرف من خلال قناة 'إقرأ' بأن 76بالمئة من الزيجات في السعودية تنتهي بالطلاق، عليه أن يتصور عرش الرحمن في حالة إهتزاز دائم. رقم مخيف، لكنه في الوقت نفسه يسجل في خانة السعودية أنها تولي عناية جيدة للإحصاء في الجانب الإجتماعي. وتلك العناية تفترض بشكل طبيعي إعادة نظر جذرية في العلاقات والنظم الإجتماعية التي تشكل سبباً أساسياً من أسباب فشل الزيجات.
ثمة معلومات لافتة جداً جاءت في سياق الحوار بين مقدمة برنامج 'خارج الإطار' وضيفتها المختصة ومنها أن أكثر نسبة طلاق في المملكة تتركز في مدينتي جدة والمدينة المنورة، وهذا ما يستدعي البحث والتدقيق في النظم الإجتماعية والعلائقية التي تؤدي إلى هذا الطلاق المخيف. أما المحطة الأكثر إثارة في ما تابعناه فبرزت في سهولة الطلاق والتلفظ بهذه الكلمة التي هي أبغض الحلال، وبأنها دخلت النسق العصري التكنولوجي بإمتياز. فصار الطلاق في عصرنا يتم عبر الفاكس، وعبر الرسالة الهاتفية النصية. ولم تقل لنا المتحاورات لماذا لم يدخل البريد الإلكتروني والفيس بوك بعد هذا المجال السيئ في حياة البشر والعائلات.
أما الجانب الأكثر إثارة للسخط والإستياء فتمثل بدراسات قائمة في السعودية حسبت بالريال مدى الخسائر القومية المتأتية عن الطلاق، وهي بلغت بحسب ما علمنا 14 مليار ريال سنوياً. وهنا كان تعليق للمذيعة فوجدته بكل بساطة 'إستثماراً لا جدوى منه'!
لكن أحداً في تلك الحلقة لم يتحدث عن آثار الطلاق المدمرة على البشر من نساء ورجال وأطفال بشكل خاص. كما أن أحداً لم يتحدث عن الإنغلاق الإجتماعي الذي لا يسمح بتعارف الزوجين قبل الزواج بما هو كافٍ لتكون بينهما حياة مستقبلية على قدر مقبول، وليس كاملاً من الإستقرار.
حتى اليوم لا تزال بعض الحوارات تتغنى بمتانة الأسرة العربية قياساً إلى ما يسمى بنظر المنظرين إنهيار الأسرة الغربية لسبب أن الأفراد مطلقي الحرية. الآن وفي ظل تلك الأرقام المخيفة عن الطلاق في البلدان العربية هل لا يزال يحق لنا التحدث عن متانة الأسرة العربية؟ أشك.