بشير عبدالفتاح

بعد أن ألف المؤرخ الأميركي ويليام شيك وزوجته آمي كتاباً قبل أعوام تناولا خلاله التجربة السياسية لمرسر لانغستون في عنوان laquo;جون مرسر لانغستون والحرب من أجل حرية السود laquo;، بوصفه أول أسود ينتخب للكونغرس عن ولاية فيرجينيا، يعكف الزوجان حالياً على تأليف كتابهما الجديد بعد مرور153 عاماً على تجربة لانغستون، عن أميركي آخر أسود، يريانه قريب الشبه بلانغستون، هو باراك حسين أوباما، أول سيناتور أسود في مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوي منذ عام 2005، كما ينفرد بكونه أول أميركي أسود يخوض انتخابات الرئاسة الأميركية عن أحد الحزبين الكبيرين، بعد أن أنهى مرحلة الانتخابات التمهيدية في الحزب الديموقراطي لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية والتي استغرقت rlm;16rlm; شهراًrlm;، rlm;بفوزه على خصميه الرئيسين جون إدواردز ثم هيلاري كلينتونrlm;، ويتأهب للمرحلة الأصعب والنهائية من الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في rlm;4rlm; تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ضد منافسه الجمهوري جون ماكين.
وذهب مراقبون أميركيون إلى الاعتقاد بإمكان فوز أوباما استناداً إلى اعتبارات، أهمها سعي الأميركيين إلى التغيير وطي صفحات مؤلمة سطرها الجمهوريون بسياساتهم الرعناء على مدى ثماني سنوات، إلى جانب نجاح أوباما في استمالة بعض القوى المؤثرة في حسم المعركة الانتخابية، كاللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل، إلى جانب الإعلام الأميركي، شركات السلاح، شركات النفط والطاقة، شركات الدواء، شركات تكنولوجيا المعلومات الجبارة IT، مثل ميكروسوفت وغوغل وانتل. ولما كان دور المسيحيين الإنجيليين البيض تنامى في حسم الانتخابات الرئاسية في السنوات الأخيرة، حرص أوباما على أن يبرز إنجيليته ويظهر اعتزازه بها .
وفي معرض حرصه على استجداء دعم يهود أميركا زار أوباما إسرائيل، كما ألقى خطاباً أمام الاجتماع السنوي لمجموعة الضغط اليهودية الأميركية laquo;إيباكraquo; أكد فيه دعمه لإسرائيل واعترافه بأن القدس ستبقى عاصمة laquo;موحدةraquo; لها، مشدداً على أن أمن إسرائيل أمر مقدس وغير قابل للتفاوض. ولم يفته إبراز حرصه على ضمان تفوقها العسكري، معتبراً أن الذين يهددون أمنها كإيران وحركة حماس وحزب الله، يهددون أمن الولايات المتحدة ذاتها، وندد بمنكري الهولوكوست وبمن يريدون تدمير إسرائيل ولا يعترفون بوجودها.
وفيما أشاد أوباما بالنضال المشترك بين اليهود والسود داخل الولايات المتحدة ودعم اليهود قضية الحقوق المدنية للسود هناك، حرص على أن يبرئ ذمته من خلافات سابقة بين الجانبين على خلفية مساندة بعض قيادات السود حقوق الشعب الفلسطيني. ويبدو أن مساعي أوباما هذه بدأت تؤتي أكلها، إذ أعتبره بعض رموز اللوبي اليهودي مجدداً لأواصر التعاون بين اليهود والسود في الولايات المتحدة.
وفي الإطار ذاته، يرى أنصار هذا التوجه في أوباما وجهاً شاباً يتبنى فكراً غير تقليدي يلامس تطلعات الناخب في ما يتصل بإنعاش الحلم الأميركي والنموذج الحضاري. وفي حين لم يتجاوز أوباما الستة وأربعين عاماً، فإن ماكين أتم عامه الحادي والسبعين ما سيجعله أكبر مرشح أميركي يخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى. ولخص أوباما برنامجه الانتخابي في عنوان كتابه الأخير laquo;جرأة الأملraquo;، مؤكداً ولايات متحدة متصالحة مع نفسها، وفي كلمته في تموز (يوليو) 2004 خلال مؤتمر للحزب الديموقراطي في بوسطن بصفته نائباً محلياً يسعى لأن يصبح سيناتوراً، أكد أنه laquo;لا وجود لأميركا يسارية وأخرى محافظة، ولا وجود لأميركا سوداء وأخرى بيضاء أو لاتينية أو آسيوية، هناك الولايات المتحدة الأميركية فقط، نحن واحدraquo;. ومنذ ذلك الوقت، لفت أوباما الأنظار وبدأ يستحوذ إعجاب الكثيرين من السود والبيض، حتى أن ساسة أميركيين لم يتورعوا عن تشبيهه بالرئيس الراحل جون كنيدي، الذي أشار مساعده تيودور سورنسن إلى التقائهما في الشباب، الوسامة، القدرة على الخطابة وجذب إعجاب الجماهير.
غير أن تلك المعطيات والمؤشرات، التي لا يمكن إغفال دورها في تدعيم الموقف التنافسي لأوباما، لم تكن لتمنع بروز تحديات يمكن أن تحول دون وصوله إلى البيت الأبيض، فلا يزال أوباما في حاجة ماسة الى أصوات مؤيدي هيلاري كلينتون من المسنين والنساء البيض والعمال وذوي الأصول اللاتينية، ليستطيع التغلب على منافسه الجمهوري ماكين، وهي الشرائح التي سبق وأن ضنت عليه بأصواتها في الانتخابات التمهيدية، كما أن دعمها له في الانتخابات النهائية ليس مؤكداً، على رغم مساعي كلينتون لتوحيد صفوف الديموقراطيين ضد المرشح الجمهوري ماكين بعد خروجها من السباق.
لكن التحدي الأصعب أمام أوباما هو سيرته الذاتية، فعلى عكس لانغستون، الذي كان والده أميركياً أبيض، مسيحياً ثرياً وأمه من أصول هندية أميركية، فإن والد أوباما مسلم شيعي أفريقي من كينيا وأمه بيضاء أميركية من وسط الغرب، في ما جري العرف أن يتحقق في الرئيس الأميركي شروط ثلاثة لا تقبل الجدال وهي كونه أبيض بروتستانتياً أنكلوساكسونياً، وعلى رغم أن أوباما أكد أنه مسيحي بروتستانتي ولا يمت الى إسلام والده بصلة، كما بدأ حملته الانتخابية من كنيسة للميثوديين في إنديانولا جنوب دي موين، إلا أن طيف والده المسلم ولون بشرته الأسود يأبيا إلا أن يثيرا ضده حفيظة مجتمع أميركي بات أقل تسامحاً، إذ لا يزال من الصعب على الغالبية البيضاء أن تقبل بأن يحكمها رئيس أسود قبل أن تتحرر من أوهام laquo;الإسلاموفوبياraquo; والتفوق العرقي وتتطهر من الشعور بالاستعلاء حيال السود. وفي حين تجلى قسط من صعوبة المعركة التي خاضها أوباما ضد هيلاري في تمركز أنصار التفرقة العنصرية واصطفافهم وراءها في مواجهته، ظل أوباما يشكو تلقيه سلسلة من الرسائل الإلكترونية العنصرية عبر بريده الإلكتروني في مجلس الشيوخ.
ويبدو أن أزمة أوباما في تجميع كتلة من الأصوات طاولت حتى أبناء جاليته، يشكك قطاع منهم في إمكانية حصد أوباما جميع أصواتهم، كما يأخذ عليه بعض مسؤولي الجالية السوداء أنه ليس أسود بدرجة كافية، ويعيبون عليه انتقاده الخطاب السياسي للسود، حينما وصفه بأنه laquo;ما زال متقوقعاً في الستينات من القرن الماضي laquo;فضلاً عن إمعانه في استرضاء القوى المؤثرة في العملية الانتخابية، خصوصاً اليهود وإن على حساب القيم الإنسانية أو مبادئ السود الراسخة.
وفيما يغلب الطابع العسكري على عائلة ماكين البيضاء، يعاني أوباما من جهل الأميركيين بتاريخ عائلته.
يحاول ماكين إبراز اختلافه مع إدارة بوش في قضايا مثل رفضه السجون السرية وتعذيب المعتقلين، وتحفظه على موقف حكومة حزبه من ارتفاع حرارة الأرض والإنفاق الوطني. ويحاول أن يقدم نفسه للناخبين على أنه مرشح جمهوري مختلف يرنو إلى مصالحة الأميركيين وتحسين صورة حزبه وبلاده عالمياً.
ومما يدعم الموقف التنافسي لماكين في مواجهة أوباما أن مساحة التسامح الأميركية حيال السود وذوي الجذور الإسلامية لن يكون بمقدورها أن تتيح لأوباما أكثر من كونه مرشحاً عن الحزب الديموقراطي للرئاسة، كما يصعب على المساعي لترميم اللحمة الداخلية للولايات المتحدة أن تصل إلى حد انتخاب شخص أسود تجري في عروقه دماء إسلامية. وفي السياق ذاته، يمكن القول إن حصر الحزب الديموقراطي مرشحيه في امرأة مثل هيلاري كلينتون ورجل أسود مثل أوباما إنما يصب في مصلحة المنافس الجمهوري والرجل الأبيض الكاثوليكي الأنكلوساكسوني جون ماكين، الذي بدا وحده الأوفر حظاً بعد أن توافرت فيه التركيبة الثلاثية للرئيس.