داود الشريان

دور الصحافي هو نقل ما يحدث، وما حدث، وما سوف يحدث. والصحافة هي نقل الأخبار ورواية القصص. هذا هو الدور التقليدي للصحافي في الظروف العادية. لكن الصحافي الفلسطيني يعيش ظروفاً غير عادية. والقضية هنا لا علاقة لها بالحرية، ونظام القيم الخاص بالصحافي، ونزعات التحيز والتراكم الثقافي، وقبول الصحافي بنصف رغيف من الشعير أو التضور جوعاً. المسألة هي التفريق بين الموضوعية والحياد، ومربط الفرس هنا التخلص من جدل الربط بين الحياد والموضوعية.

الحياد كذب بواح. والموضوعية حق مستباح. الحياد مستحيل. والموضوعية ممكنة وواجبة. ليس مطلوباً من الصحافي الفلسطيني ان يكون محايدا. بل من المعيب ان يكون كذلك. فالحياد كذبة أطلقتها الصحافة الغربية وصدقها بعضنا، والالتزام بالحياد في حال الصحافي الفلسطيني، عار عظيم إن تمَّ، وتصرف مستحيل، ناهيك عن أن الصحافة هي فن الممكن. فهل من المعقول ان يكون الصحافي الفلسطيني محايداً وهو يري جيش العدوان والهمجية الإسرائيلية يقتل اطفاله، وأسرة جاره وصديقه. الحياد بهذا المعنى خيانة وجبن، فضلاً عن انه ضد الاخلاق والفروسية والمهنية. لكن الموضوعية أمر مختلف. الموضوعية هي ان تقول الحق ولو على نفسك، ومن الموضوعية ان لا تتجاهل الصحافة الفلسطينية ان ثمة يهوداً غضبوا من أجل أهل غزة. وان في أميركا واوروبا مواطنين يهوداً رفعوا أصواتهم من أجل نصرة الشعب الفلسطيني، وكان موقفهم اكثر وطنية وخلقاً من بعض الكتاب العرب.

هل من حق الصحافي الفلسطيني ان يغضب وهو يرى القتل؟ نعم من حقه ان يغضب، بل من واجبه ان يرفع صوته، ويجاهر بالرفض، ومن حقه ان يشير بالصفة والمعلومة والرأي الى همجية قتلة الاطفال والنساء، لكن ليس من حقه ان يزوِّر الارقام، او يكذب. فالصحافي ليس عضوا في حزب. وليس جندياً في ميليشيا. الصحافي شاهد على الحقيقة. ومثلما انه ليس مطلوباً من الشاهد ان يتجرد من المشاعر، فليس مطلوباً منه ان يتجاهل الحقائق. ولهذا على الصحافي الفلسطيني ان يفرق بين الموضوعية والحياد. عليه ان يتصرف بتلقائية ووطنية. ومن يدّعي ان الصحافة ضد الوطنية والتلقائية فهو مدع وكذاب. ورغم انني لا أعرف معنى أشر، فمن يقول ذلك فهو كذاب أشر.