أنور نعمة

العلم عالم متغير، فما قيل في الأمس قد لا يكون صحيحاً اليوم. والمؤسف في الأمر ان بعضهم يأخذ بعدد من النصائح وكأنها من المسلمات على رغم الشكوك التي تحوم حولها. قيل الكثير عن الأحماض الدهنية أوميغا-3، الى درجة ان كثيرين اعتبروها مادة سحرية بامتياز في إبعاد شبح الوفاة والأزمات القلبية والدماغية، غير ان المعطيات التي أتت بها الدراسات البحثية لم تكن نتائجها قاطعة في هذا المجال.
وفي خصوص الكحول الذي طالما أشيع عنه انه يحمي القلب، لم يتوصل العلماء الى إيجاد فروقات واضحة بين أولئك الذين تعاطوا الكحول بكميات معتدلة وآخرين هجروه كلياً منذ فترة طويلة أو أولئك الذين لم يقربوه أصلا. وفي أحدث دراسة نشرت عن الكحول ربطت دراسة أميركية بين تعاطي الكحول وزيادة خطر التعرض لأكثر أنواع سرطانات الثدي شيوعا بعد انقطاع العادة الشهرية.
وعن دور الألياف الغذائية في الحماية من البوليبات المعوية وسرطان القولون والمستقيم، لم يكن هناك إجماع من قبل العلماء على هذا الأمر، صحيح ان هناك دراسات جاءت محصلتها لتصب في مصلحة الألياف في انها تقي من أورام القولون والمستقيم، ولكن أبحاثاً أخرى أتت بنتائج تطعن في صحة تلك الدراسات.
وفي السنوات الأخيرة تزايدت الاهتمامات بحسنات الفيتامينات والمعادن ومنافعها في مجال الحميات الغذائية والصحة العامة لانتشار اعتقادات تفيد بأنها ناجعة في الحماية من الأمراض. وكانت دراسات سابقة متعلقة بالغذاء أوضحت ان الأشخاص الذين يتناولون أطعمة غنية بالفيتامينات نادراً ما يصابون بالسرطان مقارنة مع الذين يعانون نقصاً فيها، الأمر الذي أدى الى الاعتقاد بأن تناول أقراص الفيتامينات من شأنه ان يحمي الجسم من الإصابة بالسرطان.
فعلى صعيد سرطان البروستاتة مثلا ظهرت دراسات سابقة لفتت الى ان الفيتامين ي ومعدن السيلينيوم يفيدان في الحماية من سرطان البروستاتة، غير ان دراسة نشرت حديثا في مجلة سرطان البروستاتة الأميركية حملت معها ما لا عن هذا الموضوع.
القصة ان العلماء أرادوا ان يقطعوا الشك باليقين فيما يتعلق بالنصيحة التي تنادي بأهمية تناول المكملات من الفيتامين ي ومعدن السيلينيوم للوقاية من سرطان البروستاتة، ومن أجل الوصول الى الحقيقة أجروا دراسة شملت 35 ألف رجل أعمارهم من خمسين وما فوق، قسم هؤلاء أربع مجموعات:
- المجموعة الأولى اخذ أفرادها الفيتامين ي ومعدن السيلينيوم.
- المجموعة الثانية تناول أعضاؤها معدن السيلينيوم مع العقار الوهمي البلاسيبو.
- المجموعة الثالثة أعطيت البلاسيبو والفيتامين laquo;يraquo;.
- المجموعة الرابعة وضعت تحت اثنين من البلاسيبو.
وبعد متابعة استغرقت خمس سنوات أتت النتائج الأولية مخيبة للآمال، اذ لم يستطع الفيتامين laquo;يraquo; والسيلينيوم، سواء تم تناول كل منهما بمفرده أو مجتمعين معاً، ان يمنعا سرطان البروستاتة من الظهور. في المقابل تمخضت الدراسة عن نتيجتين. الأولى زيادة طفيفة في سرطان البروستاتة لدى الذين تناولوا الفيتامين ي لوحده. والثاني تسجيل ارتفاع خفيف غير ذي قيمة في سرطان البروستاتة لدى الرجال المصابين بالداء السكري الذين أخذوا معدن السيلينيوم فقط.
رب سائل قد يقول : لماذا هذا الاهتمام بالفيتامين ي والسيلينيوم معاً؟
المعروف عن معدن السيلينيوم أنه يقوم بأدوار مهمة في الجسم، تلقى دعما واضحا من الفيتامين ي، من هنا اهتمام العلماء بهما معا. وبما ان بعض الدراسات أشار الى امكانية الثنائي (السيلينيوم والفيتامين ي) في الحماية من سرطان البروستاتة حاول العلماء في الدراسة المذكورة أعلاه تقويم أفعالهما على أرض الواقع، ولكن للأسف لم تسفر النتائج عن شيء مقنع على هذا الصعيد، أي الوقاية من سرطان البروستاتة. في كل الأحوال، وكما ذكرنا أعلاه، فان النتائج أولية وليست نهائية لأن البحاثة لم يسجلوا عند مستهلكي المادتين المذكورتين ارتفاعاً في خطر الإصابة بسرطان البروستاتة.
من ناحية أخرى أفادت نتائج عدد من الدراسات الضيقة على الحيوانات، بأن تناول الفيتامين سي والفيتامين ي يسهمان في خفض الإصابة بالسرطان. كما أشارت دراسة فنلندية شملت الرجال الى فاعلية الفيتامين ي في تراجع سرطان البروستاتة بنسبة 32 في المئة والى انخفاض عدد الوفيات بنسبة 41 في المئة.
الا ان الدراسة الأميركية التي أعلن عن مضمونها في اجتماع الرابطة الأميركية لأبحاث السرطان والتي جند من أجل تنفيذها أكثر من 14500 طبيب أميركي عمرهم الوسطي 64 عاما وزعوا أربع زمر، تناولوا خلالها تشكيلة مختلفة من الفيتامينات او عقار البلاسيبو الوهمي، لم تحمل في طياتها، بعد 8 سنوات من المتابعة، ما يشير الى فائدة الفيتامينات في التقليل من احتمال الإصابة بالسرطان. أكثر من هذا، فقد فشلت الفــيتامينات في تقليص خطر التعرض للأمراض القلبية، كما لم يجد الباحثون اي اختلافات إحصائية حول معدلات الوفاة من السرطان. وفي معرض تعليقه على النتائج قال البروفسور هوارد سيسو من كلية هارفارد للطب laquo;من وجهة نظرنا لا يوجد سبب ملزم لتناول الفيتامين سي والفيتامين ي كمكملات غذائية، حتى يظهر دليل آخر مختلفraquo;.
أما آيد يونغ مدير المعلومات الصحية في مركز أبحاث السرطان في بريطانيا، فنوه الى تنامي الأدلة التي تشير الى عدم فائدة الفيتامينات في الوقاية من السرطان مشدداً على ان الحمية الصحية هي الأهم.
ومن الفيتامينات الأخرى التي أثارت ضجة هناك الفيتامين د، فمنذ عشرات السنين والعلماء يهتمون بهذا الفيتامين لأنهم لاحظوا في تحرياتهم ان القاطنين في النصف الكرة الأرضي الجنوبي هم أقل إصابة بالسرطان مقارنة بنظرائهم الذين يعيشون في النصف الشمالي، وقد عزا العلماء الأمر الى كثرة الشمس في خطوط العرض الجنوبية، ومن حينها أجريت دراسات أوضحت ان الذين يأخذون جرعات إضافية من فيتامين د هم أقل عرضة للإصابة بسرطانات معينة.
وبعد نشر الدراسات التي تفيد ان الفيتامين د يحمي من السرطان، اصبح هذا الفيتامين أشهر من علم وأخذ يشغل حيزاً مهماً في الأخبار، وكانت النتيجة ان اتجه الناس الى السعي للحصول على كميات أعلى من تلك التي يوصى بها. وأمام هذا الهوس الشعبي الذي لاقاه الفيتامين المذكور كان لا بد من وضع الأمور في إطارها الصحيح، ومن أجل تحقيق ذلك أجريت دراسة حكومية أميركية هي الأولى من نوعها تم نشرها في نهاية العام 2007 كشفت ان القضية المتعلقة بالفيتامين التي تدعي انه يقي من السرطان لم تحسم بعد.
ففي دراسة شملت نحو 17 ألف شخص قام الباحثون بقياس مستوى الفيتامين د في دماء المشاركين، وذلك ضمن بحث وطني يعنى بصحتهم. الدراسة استغرقت عقدا من الزمن توفي خلاله اكثر من530 شخصاً، وبعد قراءة متمعنة في المعطيات التي تم الحصول عليها، لاحظ المشرفون على الدراسة ان مستويات الفيتامين د،سواء كانت عالية او منخفضة، لم تلعب اي دور في خطر التعرض للموت من السرطان. وتعقيبا على النتيجة حذرت جوهانا دواير الاختصاصية في التغذية لدى دوائر الصحة القومية الأميركية بقولها laquo;ان الفيتامين د على رغم أن له فوائد متنوعة تتعدى العظام، الا انه لا ينبغي لأخصائيي الرعاية الصحية والصحة العامة ان يتعجلوا في إطلاق الأحكام ويفترضوا ان الفيتامين د عقار سحري ويستهلكوا كميات كبيرةraquo;.
في الختام، هناك أشخاصاً يأخذون الفيتامينات بداعي خفض مستوى الكوليستيرول الضار في دمهم، ولهؤلاء نقول انه سبق لدراسة علمية أميركية ان كشفت ان حبوب الفيتامينات لا تخفض الكوليستيرول السيئ إطلاقاً، بل يمكنها زيادة خطره من خلال تأثيرها السيئ على عمل الكبد الذي، كما هو معروف، ينتج هذا النوع من الكوليستيرول الذي يتراكم على بطانة الشرايين فيشجع على حصول الأمراض القلبية الوعائية.