زيّان

وسط هذه الضوضاء الصوتيّة والاستنكارات المنهالة من العواصم العربية وسواها، يتساءل المرء أما كان ممكناً إبعاد كأس هذه المجزرة عن شعب غزة، والحؤول دون تحويل القطاع ركاماً وأشلاءَ؟
أجل، سارت تظاهرات. وصدحت هتافات. وارتفعت قبضات في الهواء. وستتكرر هذه المشاهد هنا وهناك.
إلا أن ذلك لن يوقف الهجوم الهمجي، ولن يقدٍّم أية مساعدة عمليَّة لغزة وأهلها واطفالها ودموعها ودمائها.
ولن يردع اسرائيل.
ولن يسكت المدافع.
أيّاً تكن النتائج، والاضرار، والخسائر، والخلاصات، والنهايات، فإن غزة هي التي تدفع الثمن وحدها، ومن دم ابنائها شيوخاً ونساءً وفتية واطفالاً، وهي التي ستستيقظ كل صباح لتجد انها مغمورة بالدمار.
والى ذلك كله، فإن غزة تعرف قبل العدوان الاسرائيلي، وقبل ان تغرق في الدم، انها اسيرة صراعات ثلاثة: صراع فلسطيني ndash; فلسطيني، صراع عربي ndash; عربي، واخيراً صراع فلسطيني ndash; اسرائيلي.
إذاً، وسط هذا اللاتضامن الفلسطيني، واللاتضامن العربي، وفي هذا الوقت الضائع دولياً واقليميّاً، كيف تزجُّ بنفسها في الأتون الاسرائيلي، وفي فترة التسليم والتسلُّم، أو اللاحكم في البيت الأبيض الأميركي؟
في هذا التوقيت السيئ، ووسط هذا التراكم من الصراعات والتناقضات، تحوَّل شعب غزة مجموعة من أكياس الرمل والمتاريس البشرية، يتواجه خلفها وحولها متصارعون على حساب الدم والارواح.
إنما، وأياً تكن الآراء والانتقادات في هذا الصدد، هناك الجانب الانساني الذي يجب ان يدفع بالعرب بقوة، وبصرف النظر عما فعلته أو تفعله quot;حماسquot;، الى الضغط والسعي الحثيث لوقف العمليات العسكريَّة أياً يكن الثمن.
فهذه هي أولويَّة الأولويّات، وهذا ما قاله امس عمرو موسى، الذي قفز ببراعة فوق الصراعات المتقاطعة على أجساد الغزاويين، ليوجه الاهتمامات في هذا الاتجاه.
لن ينتهي الصراع العربي ndash; العربي غداً، ولن يتوحَّد الموقف الفلسطيني قريباً، ولن ينتهي الصراع الفلسطيني ndash; الاسرائيلي في المدى المنظور.
من هنا الدعوة الى التعجيل في وقف آلة القتل الاسرائيليّة، كبند أولي، وقبل أي شيء آخر.
المهم أيضاً، وفي المنقلب اللبناني الحسّاس والواقف دائماً على شوار، ألا يكون هناك من يستسهل التورُّط في حروب يعرف الجميع سلفاً ما هي نتائجها وذيولها وأخطارها.
وما مِنْ أحد في حاجة الى التذكير بأن لبنان لا يزال يعاني آثار حرب تموز، وعلى كل المستويات.