علي الموعي، مالك عسّاف، محمد جمّول

خيبة أمل كبيرة تنتظر أولئك الذين يتوقعون أن ترافق حلول العام الجديد فترة من الهدوء، تعقب الاضطرابات التي شهدتها الساحة الدولية طوال العام الحالي. ذلك أن العام 2009 سيكون لتسوية الحسابات في عالم متغيّر سياسياً واقتصادياً وعلى كل صعيد.

فإلى جانب الحدث السياسي الأبرز، المتمثل في تولّي الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما مقاليد الحكم في البيت الأبيض، ستتميّز الانتخابات التي ستشهدها الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، وألمانيا صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، وبلدان القارة القديمة عَبْرَ انتخابات البرلمان الأوروبي، والانتخابات الرئاسية في إندونيسيا، أكبر البلدان الإسلامية سكاناً، ومناطق ساخنة أخرى مثل جنوب أفريقيا وإيران وأفغانستان، بتركيز الناخبين على الأوضاع المحلية داخل بلدانهم، وعلى انعدام الاستقرار في الأسواق ومواقف حكوماتهم منها.

معنى ذلك أن آثار الهزات الارتدادية للأزمة المالية التي عصفت بالعالم في العام 2008، ستظل قائمة. كما أن الازدهار غير المسبوق، الذي ارتفع إجمالي الناتج القومي للعالم بموجبه ما بين 4 - 5 في المئة، سيتراجع إلى ما دون 3 في المئة، وستشهد الاقتصادات القوية مرحلة كساد.

المشكلة لا تنحصر في السياسة والانتخابات والاقتصاد فحسب، بل إن آثارها تمتدّ إلى الآداب والعلوم والإنسان حيثما وُجد، في الصحة والمرض. ونعرض في ما يلي لوجهات نظر عدد من الزعماء والشخصيات البارزة حول مختلف القضايا التي تشغل بال العالم مع حلول العام الجديد.

كيسنجر: أميركا ستبقى الأقوى لكنها

لن تحتفظ بموقع المعلم

سيكون التحول في الإجماع لدى واشنطن بأن مبادئ السوق أهم من الحدود القومية، أهم حدث يشهده العام 2009. وقد كانت منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أهم المدافعين عن هذه المبادئ.

لقد أدى غياب الرقابة إلى نشوء نوعٍ من المضاربة المعقدة، التي لا يضاهي تعقيدها المتزايد إلا افتقارها المتزايد للشفافية. نجم عن ذلك فترة غير مسبوقة من النمو، إلى جانب الوهم بأن النظام الاقتصادي يستطيع الصمود إلى ما لا نهاية عبر الديون. لكن هذه الفترة ما لبثت أن وصلت إلى نهايتها.

أي نظام اقتصادي، ولاسيما اقتصاد السوق، ينتج رابحين وخاسرين على حدٍّ سواء. وفي حال كانت الهوة شاسعة، فإن الخاسرين سينظِّمون أنفسهم سياسياً لإعادة صياغة النظام الحالي، ضمن الدول، وأيضاً فيما بينهم. وهذا سيكون من المواضيع الرئيسية للعام 2009.

التفوق العسكري والسياسي لأميركا أنتج تشوهاً سيكولوجياً مماثلاً. الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفييتي أغرى الولايات المتحدة بالسعي لتحقيق أهداف سياسية عالمية، في عالم بدا وكأنه أحادي القطبية، لكن تلك الأهداف طغت عليها الشعارات أكثر مما طغت الجدوى الاستراتيجية.

والآن بعد أن انكشفت عيوب النظام الاقتصادي، فإنه يجب التعاطي مع الهوة بين نظام اقتصادي عالمي والنظام السياسي العالمي، باعتبارها من القضايا الهامة في العام 2009. يجب تصحيح الاقتصاد ومراجعة برامج التفويض، وأيضاً التغلب على اعتماد الاقتصاد على الديون، على أمل الاتعاظ من دروس الماضي حول إفراط الدولة في فرض الرقابة.

ستبقى أميركا الدولة الأقوى عالمياً، لكنها لن تحتفظ بموقع المعلِّم الذي يحب إعطاء الدروس للآخرين. وإلى جانب إدراكها لمحدودية هيمنتها، سيتحتم عليها توسيع حدود تشاورها مع الآخرين. وسوف تكون منظمة الدول الثماني، بحاجة إلى ممارسة دور جديد يشمل كلاً من الصين والهند والبرازيل وربما جنوب أفريقيا.

وزير الخارجية الأميركي الأسبق

بول آلِن: إتاحة الحصول على المعلومات مجّاناً تسرّع عجلة التقدم

يُعتبر كشف اللغز المتعلق بكيفية عمل الدماغ، المعضلة الأكثر تعقيداً في مجال العلم. إذ لايزال 95 في المئة أو أكثر من أسرار عمل الدماغ عصياً على الاكتشاف والتفسير.

قبل ستة أعوام، جمعتُ فريقاً من كبار الاختصاصيين في جراحة الأعصاب بهدف إيجاد قاعدة بيانات شاملة عن كيفية تحوّل الجينات إلى حالات مَرَضية في الدماغ، وأسّستُ في العام 2003 laquo;معهد آلِن لعلم الدماغraquo;، بغية جمع معلومات موسوعية عن الموضوع. وبعد ثلاثة أعوام أصبح لدينا أطلس حول تفاعلات الجينات في الدماغ، ووضعنا هذه المعلومات تحت تصرّف متصفحي الإنترنت بالمجّان. لكن الباحثين في أنحاء العالم نظروا إلى الغاية وراء المبادرة بعين الشك، ذلك أن البحث العلمي ظلّ مقصوراً على الجهود الفردية التي أحاطها أصحابها بالتكتم أملا في احتكار النجاح وحصد الجوائز.

لكن أسلوب laquo;مشروع الجينوم البشريraquo; كان مختلفاً، وقد ركّز على تعاون مجموعة من الفِرَق للاضطلاع بجهد جماعي من أجل هدف واحد. وفي رأيي فإن تسريع عجلة التقدم والتجديد يأتي من إتاحة الحصول على المعلومات بالمجّان كأساس للبحث، إلى جانب تبادل الأفكار بانفتاح والتعاون على تحقيقها.

واليوم، يُقبل الكثير من العلماء على الاستعانة بالأطلس من أجل مواصلة أبحاثهم حول مرض الشلل الرعاشي (الزهايمر) والخلل ثنائي الأقطاب ومتلازمة الداون (التوحّد) والتخلف العقلي والصرع، كما يوفر الأطلس للعلماء نظرة معمّقة حول الإدمان والبدانة والنوم والسمع والذاكرة.

يُضاف إلى ذلك أطلسٌ شارف العمل به على الانتهاء، حول اضطراب وظائف الحبل الشوكي وإطلاق الجزء الأول من أطلس آخر حول الدماغ البشري العام 2010 ضمن مشروع يستغرق إنجازه أربعة أعوام.

ومن المنتظر أن يشهد العقد المقبل التعرّف على كيفية تفاعل الجينات في كل جزء من الدماغ، واكتشاف أنجع الأساليب للتحكم بأنشطتها بهدف علاج الأمراض الدماغية، بالسهولة التي يتم بها تركيب مُنظم لضربات القلب أو ركبة اصطناعية في الوقت الحاضر.

المؤسّس المُشارك لمعهد آلِن لعلم الدماغ (ومايكروسوفت)

الملكة رانيا: الأردن يقترب حثيثاً من جَسر هوّة المعرفة

أبرز ما يستقبل به الأردن العامَ الجديد، نهضة شاملة في مجال التعليم، تشمل تحديث الأبنية المدرسية، وتوسيع الأنشطة فيها مثل الموسيقا والرياضة، والتوأمة بين المدارس الحكومية والخاصة، وتدريب الطلاب على برامج الكمبيوتر، على أيدي متطوعين متخصصين من أكبر الشركات في المملكة.

يتصدّر حركة التحوّل الشاملة هذه برنامج laquo;مدرستيraquo; الوطني، الذي بوشر به خلال العام الحالي، ويشارك فيه القطاع الخاص ومسؤولون محليون وجمعيات نفع عام، ويهدف إلى توفير الدعم للمدارس الحكومية الأشد فقراً على مستوى المملكة، ويقوم على مبدأ أساسي خلاصته أن لكل مواطن نصيبا في تعليم الأبناء.

من المؤسف أن روح المشاركة في المسؤولية لاتزال حديثة العهد في منطقتنا، وأن الأنظمة التربوية العربية لاتزال متخلفة عن مثيلاتها في مناطق كثيرة من العالم. وفي اعتقادي أن سدّ هذه الثغرة ينبغي أن يأتي في مقدمة أولويات المنطقة العربية، ليس للعام 2009 فحسب، وإنما للأعوام المقبلة أيضاً.

إن حوالي 75 في المئة من البالغين في البلدان العربية أميّون، ونسبة النساء بينهم الثلثان. ويزيد عدد الأطفال غير المسجلين في المدارس الابتدائية على 6 ملايين، معظمهم من البنات. وتتركز أغلب المناهج التعليمية على التلقين فقط، ولا تشجّع الطالب على السؤال والبحث والابتكار، ثم إننا لم ننجح في بناء علاقات بين المدارس وبين القطاع الخاصّ. ومن غريب التناقضات أننا نخرّج أعداداً غير مسبوقة من أصحاب الشهادات، ومع ذلك تبقى معدلات البطالة بين الشباب مرتفعة بشكل لافت، وينتهي الأمر بالمتفوقين منهم إلى السفر للعمل في الخارج.

وإذا علمنا أن ما يربو على نصف سكان منطقتنا تقلّ أعمارهم عن 25 سنة، نستنتج أنه على مدى الأعوام الـ 15 المقبلة ستكون لدينا قوة عاملة تفوق في حجمها ما لدى أية منطقة أخرى في العالم، ولا بدّ من خلق فرص عمل فعلية لشبابنا، للاستفادة القصوى من هذه الميزة.

في العام 2003 أطلقنا laquo;مبادرة الأردن للتربيةraquo;، بهدف التوفيق بين التزام القطاع العام وبين إبداعات القطاع الخاصّ، لإيجاد أساليب جديدة للتعليم. ولم تلبث مصر وفلسطين والهند أن سارت على هذا المنوال. كما نجح برنامج الشراكة في التعليم laquo;إنجازraquo; الذي أطلِقَ العام 1999، ويربط بين الطلاب وبين القطاع الخاص في الانتشار عَبْرَ 12 دولة، ومن المتوقع أن يفيد منه مليون شاب عربي مع حلول العام 2018.

وعمّا قريب، سيفيد معلمون من كافة أنحاء المنطقة، من البرامج التدريبية التي ستنظمها الكليّة الأردنية للمعلمين، بالتعاون مع كليّة المعلمين التابعة لجامعة كولومبيا الأميركية، ما سيمكن الأردن من الاضطلاع بدوره في تشجيع المعرفة والاكتشاف، أسوة بمشاريع أخرى رائدة في اليمن ومصر والمغرب وقطر ودبيّ.

الملكة الأردنية

لويس دا سيلفا: الأسلوب الديمقراطي في اتخاذ القرارات ضروري لمواجهة التحديات

عندما تسلمتُ منصبي العام 2003 أطلقتُ مبادرة laquo;صفر جوعraquo; وتعهدتُ بالقضاء على الفقر وعدم المساواة الاجتماعية. واليوم، انخفضت نسبة الفقر في البرازيل إلى النصف، وأصبحت الطبقة الوسطى أكثرية بين السكان وقد بلغت نسبتها 51 في المئة.

على الصعيد العالمي، تضطلع البرازيل بمسؤولياتها في البحث عن مصادر متجددة وبديلة للطاقة، وتقيم علاقات شراكة مع البلدان النامية، التي تسعى مثلها إلى تخفيض انبعاث الغازات من البيوت البلاستيكية، والتي تقدر بـ 675 مليون طن، وإيجاد ملايين فرص العمل، والتقليل إلى حدّ كبير من الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري من بلدان منتجة صغيرة.

على صعيد الأمن الغذائي، تعمل البرازيل على تعزيز مكانتها كثاني أكبر مُصدّر للمواد الغذائية على مستوى العالم، وقد قلصت من عمليات قطع الغابات إلى النصف، وهي ماضية في تطبيق برامج مكافحة الجوع وإنشاء مصانع الدواء، لمكافحة الإيدز في عدد من البلدان الأفريقية ضمن laquo;أهداف الألفية للتنميةraquo;، وبتكاليف منخفضة نسبياً.

إن انتهاج الأسلوب الديمقراطي في اتخاذ القرارات على المستوى الدولي، ضروري لمواجهة التحديات التي يشهدها العالم حالياً، ومنها الأزمة المالية الحادة التي تتطلب مواجهتها جهداً جماعياً من جانب المؤسسات متعددة الجنسيات.

وتؤكد البرازيل التزامها بمقررات قمة الدوحة، وتؤيد المساعي الرامية إلى إزالة كافة القيود التي تعيق حرية التجارة العالمية، وتعرقل الطاقات الإنتاجية لعدد كبير من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

إن على البلدان الصناعية أن تتصدر الجهود الرامية إلى تخفيض الانبعاثات الغازية للبيوت البلاستيكية، وتدعم الدول النامية في هذا الاتجاه، من دون أن ينعكس ذلك على النمو المحلي فيها. وبالمقابل، لا يجوز أن تعطى حماية الملكية الفكرية الأولوية على إتاحة المجال أمام الشعوب الفقيرة للحصول على الدواء.

وتعمل البرازيل بالتعاون مع جيرانها على إنشاء laquo;اتحاد بلدان أميركا اللاتينيةraquo; من أجل تفعيل التكامل الإقليمي، وتأمين تمثيل أقوى لهذه الكتلة في المحافل الدولية. وتعكف مجموعتنا على وضع خطة مشتركة للطاقة، وتشكيل مجلس دفاع وإنشاء بنك للتنمية، ويندرج ذلك في سياق عملها على النهوض بدورها في بناء مستقبل آمن وعادل وأفضل للجميع.

الرئيس البرازيلي

كيفن رود: مواجهة التغيّر المناخي المشكلة الأكثر إلحاحاً الآن

تستوجب التحديات الكبرى التي تواجه العالم في العام 2009، تضافر جهود الأمم من أجل التعامل مع قضايا الساعة، مثل الأزمة المالية الطاحنة، والتجارة العالمية والتغيّر المناخي والإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل.

ينبغي على القوى ذات الحجم المتوسط في العالم أن تدرك أن قوة نفوذها تكمن في قوة أفكارها وفي فعالية بناء التحالفات فيما بينها، وليس في عدد سكانها أو نواتجها القومية أو ترساناتها العسكرية.

فلهذه القوى تاريخ طويل من الإبداعات والمقدرة على إقامة مؤسسات متعددة الأطراف، وردم الهوة بين الأحزاب المُعارضة، فضلاً عن قدرتها على التركيز على مشاكل بعينها، بطريقة غالباً ما تجد القوى الكبرى صعوبة في تحديد أولويات التعامل معها.

ولقد أفادت أستراليا من موقعها كقوة متوسطة الحجم، على مدى سنوات، في إنشاء اتحاد لمُصدّري المنتجات الزراعية، ولجنة كانبيرا لإزالة الأسلحة الذرية، وكانت إحدى القوى الدافعة الرئيسة وراء إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي لبلدان آسيا والمحيط الهادئ laquo;آبيكraquo;، وإيجاد حلول للعديد من النزاعات الإقليمية.

في العام 2009، ستواصل أستراليا خطتها الرائدة في تخفيض التعرفات من جانب واحد، والتي بدأتها أواخر الثمانينيات، لتنشيط التبادل التجاري، في الوقت الذي تؤكد فيه أهمية التفاعل الاقتصادي بين الدول، لمواجهة المخاطر المشتركة للأزمة المالية العالمية الحالية، وعلى ضرورة تعزيز عمل صندوق النقد الدولي، في تبني أنظمة إنذار مُبكر لكشف نقاط الضعف لدى المؤسسات المالية.

بَيْدَ أن المشكلة الأكثر إلحاحاً في الوقت الحاضر، تتمثل في مواجهة التغيّرات المناخية، وهو ما يحتم علينا التحوّل إلى اقتصادات تحدّ من تسميم غاز الفحم لجوّ الأرض، ويتطلب قرارات سياسية مُلزمة لا بدّ من أن تتبناها قمّة كوبنهاغن التي ستعقد في ديسمبر (كانون الأول) 2009.

وفي العام 2009، ستكون أستراليا أول دولة في العالم تسنّ تشريعات تقضي بالحدّ من الانبعاثات الكربونية، وتمتلك التكنولوجيا المتقدمة لتخزينها. ولأن أستراليا تعتمد على الفحم في إنتاج 80 في المئة من احتياجاتها من الطاقة، فإنها تسعى إلى الحدّ الفوري من انبعاث غازات البيوت البلاستيكية.

وتُعتبر القوى ذات الحجم المتوسط من أنشط المساهمين في الجهود المشتركة لتحقيق الأمن الجماعي وحفظ السلام ومنع انتشار الأسلحة الذرية، فقد انضمت أستراليا إلى اليابان مؤخراً في إنشاء laquo;اللجنة الدولية لمنع الانتشار النووي ونزع السلاح الذريraquo;، وتتطلع إلى التحضير خلال العام المقبل، لمؤتمر إعادة النظر في laquo;معاهدة حظر انتشار الأسلحة الذريةraquo; الذي سيُعد العام 2010.

إن ثمار التقدم الذي سوف نحرزه في العام 2009 لن تظهر على الفور، لكن تحفيز طاقات ومبادرات القوى ذات الحجم المتوسط ستسرّع العملية.

رئيس وزراء أستراليا

خوسي لويس ثاباتيرو: أوروبا القوية والموحدة عامل استقرار في العالم

أعتقد أن الحفاظ على أوروبا قوية وموحدة هو من أهم عوامل الاستقرار في العالم. في هذه الأوقات بالذات يجب أن نكون مدركين لأهمية قيمنا، مثل حبنا للحرية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وإيماننا بالمساواة بين الرجل والمرأة، واعترافنا بالتنوع وتعميق التضامن داخل وخارج حدودنا. أوروبا ليست مجرد فكرة جميلة، بل هي منظمة قوية تثبت فاعليتها كل يوم. لذلك من الضروري جداً أن نحدد أولوياتنا.

أولاً يجب أن تستمر أوروبا بتطوير قيمة التضامن وتكييفها مع الواقع الجديد. فسياسة التماسك بين الدول الأعضاء مسألة جوهرية، لكن يجب تطوير هذه السياسة لتشمل الحرب على الجوع والفقر وحماية الشعوب الفقيرة والمهمَّشة. ثانياً، يجب أن يكون دعم أوروبا للأمم المتحدة ولعملية السلام في الشرق الأوسط ملموساً أكثر. ثالثاً، يجب تطوير التعاون مع روسيا والدول الكبرى في قارة آسيا، والعمل أيضاً على تطوير العلاقة مع أميركا اللاتينية. كما يجب عليها تحديد الإصلاحات الضرورية التي يجب أن تقوم بها الدول المرشحة لأن تصبح أعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل كرواتيا وتركيا.

وأود أيضاً التركيز على ثلاث قضايا رئيسية ينبغي على أوروبا تقديم إجابات وافية عنها، وهي: الوضع الاقتصادي الجديد، والهجرة، وسياستنا في إقليم البحر المتوسط. فبعد الأزمة الاقتصادية العالمية، يجب على أوروبا اتخاذ إجراءات للتخفيف من معاناة الذين تضرروا من الأزمة، وأيضاً استخلاص الدروس والتعلم من الأخطاء التي أدت إلى هذه الأزمة. كما يجب العمل على دمج المهاجرين بالشكل الصحيح، والتواصل مع الدول التي يأتون منها، ولاسيما أفريقيا، لإيجاد حل لمشاكلهم.

وأخيراً، أود تسليط الضوء على أهمية إقليم البحر المتوسط. هنا يجب على أوروبا أن تعرض قيمها، لا أن تفرضها. فالفارق الكبير في دخل الفرد بين دول جنوب المتوسط والحاجة إلى الحوار والتفاهم، يتطلبان بذل جهد خاص في ظل مبادرة laquo;عملية برشلونة/ الاتحاد من أجل المتوسطraquo;.

رئيس وزراء إسبانيا

يوليا تيموشنكو: خيارنا كان بين الديمقراطية والاستبداد

أفضل إنجاز حققته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية هو إدراكها بأنه ما لم يتم دمج ألمانيا ضمن النظام الغربي المنبثق آنذاك، فإن القارة الأوروبية لن تعرف الأمن. وفي العام 2009 ستدرك أوروبا أنها فقط بتثبيت الدور الأوروبي لكل من روسيا وأوكرانيا، سيتمكن الاتحاد الأوروبي من الاستمرار في طريق الاستقرار والازدهار.

لكن قلما يكون إدراك الشيء وإيجاد الوسيلة الدبلوماسية الملائمة لتنفيذه، أمراً مباشراً. العلاقات الدبلوماسية بين أوكرانيا وروسيا تُعتبر جديدة من الناحية التاريخية؛ إذ إنها بدأت بعد انفصال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي السابق. وخلال العام 2009 ستكون أمام أوروبا مهمة استراتيجية تتمثل في جَسْر الهوة الأمنية التي تولَّدت في البلدان الواقعة بين دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، وأيضاً ضمان سير التغيرات التي تشهدها تلك الدول بشكل سلمي ومنظم. والهدف من ذلك واضح تماماً، وهو أن روسيا وأوكرانيا في طريقهما لأن تصبحا دولتين مزدهرتين وصديقتين، مثلما هو حال فرنسا وألمانيا.

لتحقيق هذا الهدف هناك حاجة لاتباع آليات من شأنها المساهمة في الإصلاح والتجديد في كلتا الدولتين دون إحداث توتر. وهذا مهم جداً بالنسبة لروسيا؛ إذ إن ادعاءها بأنها أصبحت عضواً موثوقاً في المجتمع الدولي سيكون مقنعاً أكثر، في حال أثبتت أنها تستطيع العيش بسلام مع جيرانها.

نحن في ثورتنا البرتقالية اتخذنا خياراً، ليس بين روسيا والغرب، بل بين الديمقراطية والاستبداد. هذا الخيار لا رجعة عنه، لكنه لايزال يواجه بعض التحديات من قبل البعض. وهذا هو السبب الذي يجب أن يجعلنا حريصين على ضبط العلاقات بين أوكرانيا وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي. إيجاد الروابط المؤسساتية المتينة هو الذي سيجعل المشاريع الاقتصادية والسياسية المشتَركة تهيمن على العلاقات بين دول المنطقة، بدلاً من المخاوف الأمنية.

-رئيسة وزراء أوكرانيا

بوريس جونسون: الخطر الأكبر يتهدد أولئك الذين يجلسون في القمة

منذ عقدين كان أبناء لندن يطرحون أسئلة حول ما إذا كانت مدينتهم أفضل أو أسوأ حالاً من باريس. ومنذ عشر سنوات بدؤوا يعبرون عن القلق من المؤشرات التي تدل على أن فرانكفورت ستحتل موقع الصدارة أوروبياً. وفي العام 2008 كان بمقدور لندن أن تفاخر بأنها المركز المالي الأهم ليس على مستوى أوروبا فقط، بل على مستوى العالم أيضاً، وذلك مناصفةً مع نيويورك.

لكن عندما تهب الأعاصير، فإن الخطر الأكبر يتهدد أولئك الذين يجلسون في القمة. وقد كانت لندن دائماً في الواجهة، خلال جميع المراحل التي مر بها الاقتصاد البريطاني. وبما أن الخدمات المالية تلعب دوراً كبيراً في هذا الاقتصاد، فإن ذلك يجعلها أكثر عرضة للمخاطر.

لكن الأزمة المالية منحت أولوية لبعض التحديات التي لم تكن تُعتبر ذات أولوية بالنسبة للندن، ومنها خطر المغالاة في الرقابة، ورفع الضرائب إلى حد يجعل من لندن مدينة من الدرجة الثانية. فالركود لا يتم الخروج منه عبر الرقابة، بل الرقابة هي التي تجعل من مسألة الدخول في الركود أمراً ممكناً. كما أن رفع الضرائب كفيلٌ بأن يفقدنا القدرة على المنافسة. ويكفي أن نتذكر أن رفع الضرائب في وجه الشركات متعددة الجنسيات، كان من بين الأسباب التي جعلت لندن غير جاذبة للاستثمارات العالمية. وهذا ما يحصل حالياً، حيث غادرت بعض الشركات، فيما يفكر بعضها الآخر بالمغادرة مع نهاية العام 2008.

لذلك بصفتي عمدة مدينة لندن، علي اتخاذ التدابير اللازمة لضمان بقائنا في الصدارة العالمية، ولاسيما في ظل المؤشرات التي تدل على أن مراكز مالية في آسيا والشرق الأوسط تطمح لأن تتسلم منا هذه الصدارة. لكن لندن كانت دائماً تتمتع بمرونة فائقة، وهذه المرونة هي التي جعلتها تتغلب على تحديات الماضي، وهي التي ستضمن تغلبها على التحديات التي ستواجهها في المستقبل.

-عمدة لندن

بيتر بريبك ليتميث: يجب وقف صناعة الوقود الحيوي

ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية كان له تأثيره المدمر على شريحة واسعة من الفقراء، الذين ينفقون حوالي ثلثي دخلهم على الطعام. في العام 2009 يجب الانتباه إلى الأسباب الكامنة وراء أزمة الغذاء، وتحديدا علاقة الوقود الحيوي بالماء.

وكان فرنك ريجنسبر من معهد إدارة المياه الدولي في سريلانكا حذر منذ العام 2003، من أن استمرار النمط الحالي من التعامل مع الماء، سيؤدي إلى تأثر غذاء ثلث سكان الأرض بندرة المياه في العام 2025، وفقدان ما يعادل إنتاج الهند والولايات المتحدة من الحبوب، أي ثلث الإنتاج العالمي.

في العام 2003 شهدت فرنسا موجة من الحر أدت إلى موت الناس في بيوتهم. ومنذئذ لم تحصل إلا التطورات السلبية في هذا المجال، وكان أسوأها إنتاج الوقود الحيوي. ولكن ما علاقة الوقود الحيوي بالماء؟ إن إنتاج السعرة الحرارية الواحدة في المنتجات الزراعية، يحتاج إلى لتر واحد من الماء، أما في إنتاج اللحوم فكل سعرة حرارية حيوانية تحتاج إلى عشرة لترات من الماء. ولما كانت السنوات الماضية شهدت ارتفاعا في الدخل في البلدان الغربية، وبالتالي ازديادا في استهلاك اللحوم، فقد وصلت كلفة تغذية الفرد يوميا إلى 6000 لتر من الماء. وإذا أضيف الماء اللازم للشرب والنظافة يصبح حجم الاستهلاك اليومي مخيفا.

ثم جاء ما هو أسوأ من هذا كله بإنتاج الوقود الحيوي الذي نحتاج معه إلى 9100 لتر من الماء، لإنتاج الصويا الكافية لصنع لتر واحد من الديزل الحيوي. وبذلك نخلق كارثة أسوأ من كارثة التغيرات المناخية التي نحاول حلها.

لكن ما الحل؟ أولاً يجب وقف صناعة الوقود الحيوي. وثانياً يجب استخدام المياه بكفاءة عالية تجعل نصف ما يُستهلك من الماء كافيا لتأمين الغذاء اللازم. كما ينبغي اختيار الأماكن المناسبة لإنتاج كل سلعة في المكان المناسب لها، لتوفير المياه في الزراعة وغيرها.

رئيس شركة laquo;نستلهraquo;

لاكشمي ميتال: الاقتصادات النامية قادرة على العمل باستقلالية

حتى قبل الأزمة الحالية كانت هناك توقعات بأن يشهد العام 2009 تباطؤاً في النمو الاقتصادي. ستشهد بعض الاقتصادات المتقدمة كسادا أسوأ مع السنة الجديدة. وحتى الاقتصادات الأسرع نموا ستشهد نموا أقل. وستكون العلاقة بين الأسواق المالية المتطورة والسلع المادية المنتجة والمباعة، مفهومة أكثر. ولا بد من قبول التقديرات المتشائمة بالنسبة لاقتصادات الثمانية الكبار، وانتظار أن تأتي دول من خارجها لإنقاذ الجميع.

هناك الآن فارق كبير في النمو بين الدول المتقدمة والاقتصاديات الناشئة، وسوف يستمر. وقريبا يمكن لمجموعة دول (BRICs)، أي البرازيل وروسيا والهند والصين، أن تلحق بالدول المتقدمة. وبالتالي نحن نشهد ولادة نظام اقتصادي جديد، تستمر فيه دولة مثل الولايات المتحدة بالاحتفاظ بقدر من النفوذ، لكن مع وجود اقتصاديات، كالصين، تحقق وزنا أكبر. لقد أدت العولمة الاقتصادية إلى جلب المنافع لعدد كبير من سكان العالم الثالث، عبر تحسين البنى التحتية والزراعة والكفاءة الصناعية والتعليم والصحة. وقريبا يتوقع لزيادة الثروة في الدول النامية أن تجعلها قريبة من مستوى معيشة البلدان المتقدمة. واللافت للانتباه أن القوة الاقتصادية للاقتصاديات النامية تمكنها الآن من العمل باستقلالية كاملة عن البلدان المتطورة، إذ تمكنت من خلق صناعات يعمل فيها حوالي 1.5 مليار شخص.

والمتوقع الآن أن تتحول هذه القوة الاقتصادية إلى قوة سياسية، وهو ما يعتبره البعض حتمية تاريخية. أما السؤال فهو: كيف ستمارس هذه الدول قوتها؟ هل ستطالب بشروط أفضل في معالجة التغيرات المناخية؟ أم تريد حصة أكبر من الموارد العالمية؟ وهل ستقبل بأن تظل مصدرا للمواد الخام واليد العاملة الرخيصة؟

المدير التنفيذي لـ laquo;أرسيلورميتالraquo;

جيف إميلت: حان الوقت للعودة إلى العولمة

في هذه الفترة المضطربة بسبب الأزمة الاقتصادية، باتت العولمة كلمة قذرة تستحضر إلى الذهن خليطا من المعلومات والمفاهيم الخاطئة والكراهية للجنس البشري. في العام 2009، يجب على القادة في الحكومات والأعمال، أن يذكّروا الجميع أن التجارة الحرة والنزيهة مفيدة للصحة والثروة. العولمة تكونت كمفهوم مطلع الثمانينيات. وفي تلك الفترة فُهمت خطأ على أنها شكل من أشكال التهديد، الذي تجسد في قوة اليابان الاقتصادية، التي خشي كثيرون أن تبتلع الآخرين ومنهم الولايات المتحدة، إلى درجة توقعنا معها أن نصبح جميعا عمالا في شركة يابانية.

الآن باتت العولمة واضحة. فبعد 25 سنة ساهمت التجارة الدولية والتكامل الاقتصادي العالمي، في رفع مستوى المعيشة في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. ولكن هل يسير التكامل الذي يراد من العولمة بالشكل الصحيح؟

لو أجري استفتاء على العولمة في أميركا وأوروبا وكثير من البلدان الأخرى، لكانت الأغلبية ضدها. فما السبب وكيف يمكن تصحيح الخلل؟ على الحكومات وقادة الأعمال أن ينتبهوا إلى بعض الجوانب في العولمة. ومنها ضرورة تقوية نظام التجارة العالمي الذي يعد مهما للاقتصاد العالمي والعاملين في الشركات المحكومة بالعولمة. ومن الضروري العمل على الاستمرار في لبرلة الاقتصاد والسوق لأنها تساهم في زيادة النمو والمحافظة على فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة.

ويجب الوقوف ضد الحمائية لأنها تحد من وصول الاستثمارات الخارجية إلى الأسواق الداخلية وتعيق الابتكار وتزيد من أسعار السلع التي يشتريها المستهلكون. ومن المهم أن تكون التجارة العالمية عادلة، عبر الاحتكام إلى القوانين العالمية التي تراعي حقوق الملكية وشفافية الأسواق واحترام البيئة.

وعلى الحكومات تطبيق السياسات التي تسمح لشعوبها بالاستفادة من الاقتصاد العالمي، عبر تشجيع المنافسة وليس فرض القيود، وبالاعتماد على رفع مستويات مواطنيها التعليمية والصحية، وبناء البنية التحتية الضرورية للتجارة.

المدير التنفيذي لـ laquo;جنرال إلكتريكraquo;

جوزيف أكرمان: ينبغي التركيز على الشفافية في العمل المصرفي

الأزمة الحالية ضربت النظام المالي أولا، ثم امتدت إلى النظام الاقتصادي، لتزيل من الوجود مؤسسات كانت تعد ركائز الاقتصاد الكبرى على مدى عقود.

سيسجل التاريخ أن العام 2009 أعاد صياغة النظام المالي العالمي. وعلى البنوك أن تعمل ليس على استعادة رؤوس أموالها فحسب، وإنما ثقة عملائها. وعلى الحكومات أن تقوم بما هو ضروري لاستمرارية عمل النظام المالي وإعادة بناء الهيكل التنظيمي والرقابي.

هناك عدة مسلمات ينبغي إعادة النظر فيها. وعلى رأسها السيولة التي تمثل قلب استقرار النظام المالي. لقد بينت الأزمة الراهنة أن فرضية استمرار توافر السيولة لا يمكن الركون إليها، وأن فهمنا لديناميكيات السوق في أوقات عدم توافر السيولة كان محدودا. وأنه من الضروري إعادة النظر بعوائد تقييم الأصول غير السائلة في نظام الحسابات.

ثانيا، يجب التركيز على الشفافية التي يجب أن تشمل كل جوانب العمليات المصرفية، بما في ذلك نماذج الأخطار وإدارتها وتقنياتها. ويجب أن تكون الشفافية أكبر في المنتجات المالية، وخصوصا المنتجات الائتمانية المعقدة التي شكلت لب الأزمة، لأن المستثمرين لن يعودوا إلى الأسواق ما لم يعرفوا بدقة كل جوانب العمليات المالية. وثالثا يجب أن يكون هناك شفافية في البنية التحتية للأسواق المالية تضمن معرفة المعلومات المتعلقة بالصفقات.

ربما تكون البنوك قادرة على القيام بكثير من التصحيح المطلوب. لكن لابد من مشاركة الحكومات ومؤسسات أخرى. وهنا يجب أن تتضافر جهود الدول عبر تنسيق دولي لخلق نظام رقابي مشترك. ومن المتوقع أن يشهد العام 2009 ارتفاع الأصوات المطالبة بمثل هذه الجهود الدولية المشتركة، لمواجهة الأزمة التي بات واضحا أنها لا تعرف الحدود بين الدول.

عن: laquo;إيكونوميستraquo;