سمير عطا الله

كنتُ في سيارتي ضحى الاثنين ألاحق أخبار غزة على الإذاعات العربية. طبعاً بدءاً بالبي بي سي. ثم أصغيت إلى إذاعتين من مصر لكي أعرف كيف تعالج مصر الرسمية المأزق الذي هي فيه. ثم استمعت من إذاعة مونتي كارلو إلى اتصالات عدد من المراسلين. وأصغيت الى عناوين الصحف اللبنانية في إذاعة laquo;صوت لبنانraquo;. وفجأة سمعت صوتاً مليئاً بالأحذية والنعال والقباقيب. وكان رد فعلي الفوري ان أغير الإذاعة لكنني عدت إليها لأعرف من الذي يمكن ان يرمي مسامع العرب بهذا القاموس الاسكافي.

وازداد الأمر عمقاً عندما اكتشفت أن النعال لغة المتصل ولغة المضيف معاً. المتصل يقول نعل، المضيف يقول حذاء يا أخي وكندرة. وتحدث الاثنان، المتصل ومضيفه، عن دولة عربية عمرها سبعة آلاف عام وتعتبر أكبر بلد في العالم العربي وأفريقيا وفقدت في سبيل فلسطين عشرات الآلاف من الرجال، ومن أجل فلسطين أعلنت الصوم نحو أربعين عاماً. تحدث توأما الاتصال عن هذه الدولة فتساقطت النعال من الميكرفونات كأمطار بيروت هذه الأيام.

لم أكن أصدق ان هذه أفواه عربية. لكن متصلاً تدخل فقال ان الأفضل للإذاعة، بسبب الاسم الذي تحمله على الأقل، ان تحاول المحافظة على كرامة الجميع. ونهره المذيع نهرا.. وأدَّبه.. وقطع عليه كلامه. وأغلق في وجهه السماعة والحذاء والنعال.

ماذا فعل بنا منتظر الزيدي ماذا؟ اللعنة على جورج بوش أولاً وأخيراً ودوماً وأبداً. ولكن بعد ثماني سنوات من الصراع معه لم نعثر على منتصر سوى حذاء الزيدي. ومنذ ذلك الوقت ومصانع الأحذية ولغة الأحذية وعبارات الأحذية هي درعنا الوحيد. هي المنهج النقدي وهي المنهج التحليلي وهي الآن لغة الصراع العربي. لم يسمع العرب مثل هذه الكلمات الزقاقية منذ القمة التي عقدت حول احتلال العراق للكويت. يومها اختار أشداء العرب أن يخاطبوا المؤدبين بالصحون ولهجة الشارع. ولما وقفوا أمام جلاديهم أظهروا أكبر حد من الانضباط والبكاء.

لا أستطيع وصفا للمشاعر التي عرفتها وأنا أصغي إلى إذاعة ناطقة بالعربية تبث هذا الكلام الموجه إلى دولة عربية.