الياس حرفوش

باستثناء الخطب الحماسية والحشود الشعبية، ظلت المقاومة في لبنان، الى الآن، بعيدة عن التورط في الحرب الدائرة في غزة. وربما كان هذا مؤشراً صالحاً للبناء عليه في اطار تقويم الدور الذي يلعبه laquo;حزب اللهraquo; ضمن التركيبة اللبنانية، وهو الدور الذي يثار بشأنه كثير من الاسئلة، كلما طرحت على البحث قضية الاستراتيجية الدفاعية والاهداف التي يتوخى الحزب بلوغها من وراء الاحتفاظ بترسانة سلاحه.
فإذا كانت حدود هذا الاستخدام هي الحدود اللبنانية، ووظيفة السلاح بالتالي هي وظيفة لبنانية، يصبح إمكان التفاهم على هذه الحدود والوظيفة اكثر سهولة مما لو كان الحزب ينظر الى دوره من زاوية اقليمية، ويعتبر ان مسؤوليته عن تحرير فلسطين، انطلاقاً من الارض اللبنانية، لا تقل اهمية عن مسؤوليته عن تحرير الارض اللبنانية المحتلة.
لأسباب مفهومة، حرص قادة الحزب على ابقاء وظيفة السلاح وحدود استخدامه غامضين. فمن شأن ذلك ان يقوي موقفهم التفاوضي في الداخل وان يدعم موقعهم وموقع الطائفة التي يمثلونها في هرم السلطة، كما يبقي الرابط قائماً بين شعاراتهم الداخلية وشعارات الراعي الايراني الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضيته المركزية، على رغم بُعد المسافات بين اطلاق هذه الشعارات وغياب اي فرص جدية للاستفادة منها على الارض، من جانب الفلسطينيين عندما يتعرضون لاعتداءات اسرائيل.
ظهر ذلك واضحاً خلال العدوان الاخير على غزة. ففي الوقت الذي كان الفلسطينيون يستشهدون بالمئات، اقتصر الدور الايراني على ملء استمارات المتطوعين لتنفيذ عمليات انتحارية في اسرائيل، وقيام كبار القضاة الايرانيين بتشكيل laquo;محاكم ثوريةraquo; لمحاكمة المسؤولين من laquo;قادة النظام الصهيونيraquo; عن المجازر في غزة. وكان يمكن اعتبار مثل هذه الاخبار بمثابة النكات الطريفة لولا انها تؤكد، لمن لا يزال بحاجة الى ذلك، الفارق بين الثمن الذي يتكبده الذين يتاجرون بالشعارات ويطلقونها من بعيد واولئك الذين يسقطون تحت نار القذائف والصواريخ.
غير ان الواقعية المفترضة من جانب laquo;حزب اللهraquo; في التعامل مع العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة، وان تكن لها جوانبها الايجابية بالنسبة الى الوضع اللبناني، كونها جنبت هذا البلد كارثة جديدة على غرار ما حصل في صيف 2006، إلا ان لها جانباً آخر ينعكس على الصورة التي يريدها الحزب لنفسه ولا يصح تجاهل الانتباه اليها. فهذا حزب يفاخر قادته بأنهم طوروا ترسانة قذائفهم منذ تلك الحرب، وباتوا يملكون اكثر من 30 الف قذيفة صاروخية يستطيع القسم الأكبر منها اصابة العمق الاسرائيلي. ومع ذلك، بقيت هذه الصواريخ والقذائف صامتة في الوقت الذي يتعرض الشعب الفلسطيني لأقسى الضربات التي وصفها قادة laquo;حماسraquo; بأنها لم يسبق لها مثيل بقسوتها منذ حرب 1967 التي كانت تواجه فيها اسرائيل جيوش ثلاث دول عربية. بل ان الامين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; لم يتردد في اعتبار بضعة صواريخ عُثر عليها في منطقة عمل القوات الدولية في جنوب لبنان laquo;فخاًraquo; القصد منه استدراج لبنان والحزب الى المواجهة، ولم يستبعد ان يكون laquo;عملاء اسرائيلraquo; هم وراء وضعها هناك.
ماذا يكون الفارق في حال كهذه بين الدور laquo;الداعمraquo; الذي يوفره laquo;حزب اللهraquo; للقضية المركزية وذلك الذي يتهم دولاً في المنطقة بالتقاعس عن القيام به؟ واذا كان من حق laquo;حزب اللهraquo; ان ينظر الى مصلحة بلده قبل توريطه في laquo;حرب الآخرينraquo; (وهي نظرة لا بد من شكره عليها!)، ألا يكون منطقياً أن تفعل تلك الدول التي يتهمها بالتقاعس الشيء نفسه، علماً ان تاريخها يثبت انها لم تقصّر في واجباتها حيال قضية فلسطين؟