دبي الحربي
إن التبريريين الذين يتنطعون بالكلام ويحرفونه عن مواضعه، ويقفون موقف المتفرج أمام بابا نويل الصهيوني، وهو يوزع الهدايا الأميركية على أطفال ونساء ورجال قطاع غزة، والتي من فرط laquo;البعد الإنسانيraquo; فيها زلزلت الأرض تحت غزة فسقط الجدار. جدار الفصل العربي بين قطاع غزة ومصر، وهو لا يختلف كثيراً عن جدار الفصل العنصري الذي أقامه ارئيل شارون قبل غيبوبته.
هؤلاء لا يختلفون عن أولئك الذين اتخذوا من التفاعل الشعبي العارم مع الرسالة التي حملها حذاء منتظر الزيدي، ذريعة للتقليل من شأن الرسالة العميقة الدلالة والحس الشعبي الذي التقطها، ونظروا إلى الحذاء انطلاقاً من نظرتهم القاصرة التي لا ترى أبعد من مواطئ أقدامهم، وقيموا سلبا التفاعل العربي ورسالة الحذاء الأبعد التي وإن أخطأت بوش فقد أصابت نهجه الفكري والسياسي في مقتل. فلا موقف الشعب الأميركي الذي لفظ بوش ونهجه، ولا حذاء منتظر الذي أكمل الرسالة، أزاحا عن عيون هؤلاء الغشاوة، وأعتقد أن أحذيتهم لو سئلت لقالت إنها تخجل من حملهم.
إسرائيل ردت على المشاركة العربية الرسمية في إحياء ليلة الميلاد في كنيسة المهد في بيت لحلم.. باللحم العربي الممزق والمشوي في غزة، كما اتخذت من رأس السنة الهجري موعدا لهذا الهجوم الهمجي لما يحمله من مدلول ديني وتاريخي لصاحب الهجرة وأتباعه، لتقول ها نحن عدنا أقوى مما كنا وقادة إسرائيل على دراية تامة بأن القادة العرب أعجز من الرد، هذا إذا لم ير البعض منهم بالهدايا الصهيونية لأهالي غزة تعبيرا عما يجيش في صدورهم.
ما يجري في قطاع غزة جريمة حرب برعاية الإدارة الأميركية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، فهي كما يبدو لم تجد ما تنتقم به من حذاء الزيدي أبلغ من إطلاق يد إسرائيل في قطاع غزة على وقع الاحتفالات برأس السنة الهجرية والميلادية، فلم يعد في العراق ما يشفي غليل بوش الذي باتت رسالة وأسطورة وشبح حذاء الزيدي تطارده في عقر داره وأينما حل. كما أن بوش يريد توريط سلفه ودولته في المزيد من التعقيدات التي يصعب على الإدارة الأميركية القادمة تفكيكها في الوقت المناسب، مما يعطي استمرارية لمفاعيل مخططات المحافظين الجدد والمسيحية المتصهينة وإن إلى حين، كما تعمد أيضا إحراج حلفائه العرب من خلال هذا الهجوم الصهيوني على غزة مكأفاة لهم على مشاركته في حربه على laquo;الإرهابraquo; العربي ومباركة الإرهاب الصهيوني.
فعندما أعلنت مبادرة السلام العربية العام 2002م لم تلق الصدى الطبيعي والمنطقي لدى إسرائيل بزعامة ارئيل شارون، والإدارة الأميركية بقيادة جورج بوش الصغير، بل إن الذي حصل هو العكس، أعيدت الأمور إلى مرحلة الصفر، وهيمن على التفكير الاميركي إحياء الدور الوظيفي لإسرائيل في مخطط الشرق الأوسط الكبير، وعلى الرغم من الفشل الكبير لفوضى بوش laquo;الخلاقةraquo; فهو لا يريد أن يترك منصبه دون أن يترك بصماته الخبيثة والمدمرة في المنطقة.
إن ما يجري في غزة بمباركة أميركية لن يسهم إلا بالمزيد من التعقيدات أمام أي مبادرة جادة للسلام، فإذا كانت إسرائيل قد انسحبت عمليا من السلام، فإن الأنظمة العربية بما فيها المعتدلة قد أصبحت في موقف لا تحسد عليه، فكل رهاناتها خابت، ولم يعد لديها ما يمكنها تسويقه للشارع العربي، فقد تعرى كل شيء وأصبح الحديث عن دولة فلسطينية هو نوع من الدجل السياسي، فهي لم تكن في أجندة محادثات القادة العرب مع القادة الغربيين، كما سبق أن أكد ذلك الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، بأن أي من الزعماء العرب الذين التقاهم لم يطالب بدولة فلسطينية مستقلة، إن ما يجري الآن هو السيناريو القديم أي جعل الأردن هي الوطن البديل للفلسطينيين، وجعل مخرجات حرب 1948م هي الحل الممكن. قطاع غزة يعود لإدارة مصر بعد تدجينه، والضفة الغربية تعاد منقوصة إلى الأردن. وإن خوف مصر من التعامل الإيجابي مع قطاع غزة يندرج في هذا السياق، ويستجيب للمخاوف الإسرائيلية من أن تتحول غزة إلى جنوب لبنان، وتتحول مصر رافدا (سوريا) لها.
إن ما تسعى إليه إسرائيل وأوربا وواشنطن، يتلخص بإقامة دولة صهيونية تستمر بخدمة أهدافهم البعيدة المدى في المنطقة، وأي دولة فلسطينية ستقام ستهدد هذه الأهداف أو تصعب إعادة جدولتها. فالخطأ المصري هو عدم التعامل بفاعلية مع الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة، فلم يكن ممكناً لإسرائيل أن تنسحب من قطاع غزة إذا لم تكن قد ضمنت موقفاً مصريا بمحاصرتها وعزلها، لجعل حلم شارون قابلاً للتحقيق، وقد يصحو من غيبوبته ويرى laquo;غزة وقد ابتلعها البحرraquo;، ولو أن مصر أعلنت أنها ستتعامل مع غزه كأرض محررة ينطلق منها تحرير باقي الاراضي وتحمي مياهها الإقليمية والبرية وتتعامل معها وفق منطق الجوار، لا أن تتعامل معها كما تعاملت مع سيناء كأرض منقوصة السيادة.
إن الحل الناضج والصحيح هو إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، يتعايش فيها الفلسطينيون والمستوطنون الإسرائيليون الراغبون في البقاء والراغبون في العودة من الفلسطينيين، أما الإبقاء على دولة ذات طابع يهودي مهيمن على جزء من فلسطين فلن ينهي العداء أو يضمن السلام والاستقرار، هذه حقائق التاريخ، ومنطق العصر والحضارة الإنسانية المعاصرة. وإن الإبقاء على إسرائيل كقاعدة عسكرية متقدمة للامبريالية العالمية سيضر بالإسرائيليين مثلما هو ضار للعرب.













التعليقات