اجتهادات متباينة داخل إدارة بوش

واشنطن - هشام ملحم

كشفت مصادر أميركية حكومية مطلعة عن أن التأييد القوي الذي أعلنه البيت الأبيض للعدوان الاسرائيلي القائم حاليا ضد غزة، (والمشابه كليا لدعم اسرائيل في حربها ضد لبنان وحزب الله في 2006)، لا يخفي وجود اجتهادات متباينة بعض الشيء بين المتشددين في البيت الأبيض، بدءا بالرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني، ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي اليوت أبرامز، وما يسمى quot;بالدبلوماسيين المحترفينquot; في وزارة الخارجية، الذين تتعاطف معهم الوزيرة كونداليسا رايس. فالتيار الأول يعارض وقفا فوريا لاطلاق النار، ويريد اعطاء اسرائيل المزيد من الوقت من أجل شل القدرات القتالية لحركة حماس. أما التيار الثاني فيميل الى تأييد مبادرة دبلوماسية تحقق وقفا سريعا لاطلاق النار.

بحسب تصريح أدلى به مصدر مطلع لـ laquo;القبسraquo;، فانه quot;ليس هناك حل عسكري لمشكلة حماسquot;، مضيفا أن هناك تخوفا لدى الخارجية الأميركية ــ تعكسه أيضا بعض افتتاحيات الصحف الكبرى والمحللون- من أن تنتهي الحرب التي بدأت قبل أكثر من أسبوع ضد حماس كما انتهت الحرب ضد حزب الله عام 2006: تعميق مشاعر العداء الشعبي العربي، ليس فقط ضد اسرائيل، بل أيضا ضد الولايات المتحدة وبعض الحكومات العربية، وخاصة بسبب فداحة الخسائر في الأرواح البشرية، يصاحبه تعزيز سياسي للحركة، حتى ولو منيت بنكسة عسكرية، وتعزيز نفوذ المحور الايراني-السوري والقوى السياسية الاسلامية المتحالفة معه مثل حزب الله وحماس والمعارضات الاسلامية الأخرى في بعض الدول العربية.

quot;غزةquot; أولى الملفات الشائكة
الرأي السائد في أوساط المعلقين والمحللين السياسيين، هو أن الرئيس المنتخب باراك أوباما، الذي كان سيرث أصلا من سلفه ــ حتى قبل كارثة غزة ــ شرقا أوسطيا مفككا وضعيفا وحافلا بالمشاكل والأزمات، ناهيك عن منطقة جنوب آسيا الملتهبة على خطوط التماس الأفغانية-الباكستانية-الهندية. سيجد في أول يوم له في البيت الأبيض (20 يناير الجاري) ملفا ملحا للغاية اسمه quot;غزةquot;.
وكما كان متوقعا، التزم أوباما، خلال اجازته في جزيرة هاواي البعيدة، الصمت، تاركا للناطقين باسم فريقه الانتقالي تكرار القول، ان هناك رئيسا واحدا لأميركا في أي وقت. وان الرئيس الحالي هو بوش، وان أشاروا الى العلاقة التقليدية القوية بين أميركا واسرائيل، أو التذكير بتصريحات أوباما في الصيف الماضي خلال زيارته لبلدة سديروت الاسرائيلية، التي تتعرض لهجمات صواريخ القسام التي تطلقها حماس من غزة، اظهر فيها تعاطفه وتفهمه لموقف اسرائيل.
لكن يعتقد أن لأوباما مواقف quot;معقدةquot; أكثر تجاه النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، وان quot;عملية السلامquot; خلال ولايته لن تتمحور كليا حول اسرائيل، كما كان الحال خلال عهد بوش. كما أن أوباما يدرك جيدا مركزية القضية الفلسطينية، ليس فقط في التأثير على علاقات واشنطن مع سائر العرب، بل أيضا على علاقاتها بالعالم الاسلامي ككل.

مواقف أميركية لتعزيز الانتخابات الاسرائيلية

وبينما شاهد ملايين الأميركيين الصور المروعة للدمار الذي ألحقته الغارات الاسرائيلية بمختلف المرافق والأحياء السكنية، وصور الضحايا المدنيين التي عجزت مستشفيات غزة عن معالجتهم، واصل الرئيس بوش اجازته، ولم يدل بأي تصريح علني، وترك هذه المهمة لنائب الناطقة باسم البيت الأبيض، غوردون جوندرو، الذي دافع عن الهجوم الاسرائيلي وبرره بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، ضد ما اسماه quot;ارهاب حماسquot; التي نعتها بأنها مجموعة من quot;قطاع الطرقquot; أو السفاكين! فيما اكتفى بوش اما بتلقي الاتصالات الهاتفية، أو باجراء بعضها مع بعض القادة العرب وقادة اسرائيل.
وفي الوقت الذي كان قادة العالم يدعون فيه الى وقف اطلاق نار فوري، تفادى البيت الأبيض الاشارة الى وقف اطلاق النار، وان قال لاحقا انه يؤيد وقف اطلاق نار ثابت ومستمر، وذلك في اشارة ضمنية الى أن الوقت لم ينضج لوقف القتال.
في المقابل، تضمن الموقف الأولي لوزارة الخارجية الأميركية الاشارة الى ضرورة العودة لوقف اطلاق النار غير الرسمي، ولكن الخارجية quot;انضبطتquot; لاحقا وعكست موقفا مماثلا لموقف البيت الأبيض.
وتبين تقويمات المحللين، ومنهم عدد كبير من مؤيدي ومعارضي الهجوم الاسرائيلي، أن توقيته مرتبط بالانتخابات النيابية في اسرائيل المقررة في فبراير المقبل، حيث يأمل وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني تعزيز فرصهما الانتخابية ضد منافسهما بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود المتقدم عليهما في استطلاعات الرأي.

وقائع جديدة على الأرض

كما أن الحسابات الاسرائيلية مبنية على أن ادارة بوش سوف تدعم أي ضربة عسكرية ضد حماس، خصوصا ان عملية quot;شيطنةquot; حماس في الأوساط السياسية والاعلامية الأميركية قد توسعت كثيرا في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة، واطلاق الصواريخ ضد المدن والمستعمرات الاسرائيلية، وأخيرا انهاء اتفاق quot;التهدئةquot;، ورفض قرار وقف اطلاق النار quot;غير الرسميquot; الذي توصلت اليه مصر ورعته.
وهناك مخاوف في اسرائيل من أن يعتمد أوباما مواقف اقل انحيازا لاسرائيل. لذا فان توقيت العدوان على غزة يهدف الى خلق quot;وقائع جديدة على الأرضquot; في غزة، كما في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة وغير المحتلة، لا يستطيع الرئيس الأميركي المنتخب انتقادها الآن، ولا يستطيع تفاديها بعد استلامه لصلاحياته الدستورية.
وسائل الاعلام الأميركية، خصوصا المتلفزة، تتناول مأساة غزة الراهنة، بسطحية مفتعلة، وهي: ان اسرائيل انسحبت من غزة بينما أهملت حماس ضبط الحدود وأطلقت الصواريخ بشكل عشوائي ضد المدنيين الاسرائيليين، من دون الاشارة كما يجب الى مضاعفات الحصار الاقتصادي الذي فرضته وتفرضه اسرائيل على القطاع، والأوضاع الانسانية والطبية المروعة في القطاع. نقول ذلك من دون ان ننسى ما أضافه الاقتتال الفلسطيني الداخلي ــ بين حماس والسلطة الممثلة بحركة فتح ــ من أعباء ضخمة على مأساة الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال. ولا ننسى الانقسام الفلسطيني وما جلبه من انتقادات عربية ودولية، اضافة الى صعوبة فهم الخطاب السياسي لقادة حماس.. وكل ذلك ساهم في تعميق صورة حماس السلبية في أميركا والعالم اجمع.
مبادرة أوباما المرتقبة

المناشدات العربية وغيرها laquo;للمجتمع الدوليraquo; للتحرك لوقف آلة التدمير الاسرائيلية لن تفلح في إحداث أي تغيير في موقف اسرائيل، اذا لم تكن الولايات المتحدة جزءا من هذا الحراك، ان لم نقل قائدة له. ومن الواضح أن ادارة بوش في أيامها الأخيرة لن تقوم بما أخفقت في القيام به في أيامها الأولى، أي على الأقل لجم أو ضبط اسرائيل.
لذلك فان الأنظار سوف تتركز على الرئيس الجديد، ووزيرة خارجيته المعينة هيلاري كلينتون، ومستشاره لشؤون الأمن القومي الجنرال جيمس جونز. وما هو مؤكد هو أن مأساة غزة سوف ترغم أوباما وهيلاري على مواجهة مباشرة مع فصل دموي جديد في النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، قبل أن تخرج الادارة بتصور شامل لسياساتها وفرصها في منطقة الشرق الأوسط بكاملها.
وليس من الواضح بعد كيف سيتعامل أوباما مع مضاعفات كارثة غزة السياسية والأمنية، خصوصا انه كان يعتزم الاعلان عن مبادرة جديدة تجاه المنطقة والعالم الاسلامي خلال فترة أول مائة يوم في عهده، وعد بان يطلقها من قلب عاصمة مسلمة.