حياة الحويك عطية

يوفال ديسكين، رئيس ldquo;الشين بيتrdquo; يؤكد على أنه تلقى اتصالات هاتفية من قلب غزة تشكره على عملية الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; ضد حماس، والأرجح أنه لا يكذب على الإطلاق بدليل رد البروفيسور مناحيم كلين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار ايلان، والذي كان مستشاراً لايهود باراك، بالقول: ldquo;لا يجوز الاعتماد على أمور كهذه، فقد استقبلنا بعض اللبنانيين بالأرز عندما دخلنا عام ،1982 لكن المقاومة لم تلبث أن تفجرت في وجهنا، أقوى من أي وقت مضى وأجبرتنا على الخروج في أول هزيمة كبرى في تاريخ دولتنا، كذلك فإن بعض اللبنانيين قد شجع حربنا عام 2006 ولكن ذلك لم يمنع عنا الهزيمة، وخرج حزب الله وحلفاؤه أقوى مما كانوا عليهrdquo;.

الخبير السياسي لا يقول ذلك حباً باللبنانيين والفلسطينيين، بل إدراكاً منه للحقائق التي تكشفها القراءة الواقعية للتاريخ. وربما تكون عقلية كهذه أكثر فائدة ل ldquo;إسرائيلrdquo; نفسها.

كلين نفسه يضيف في مقابلة مع صحيفة ldquo;لو فيغاروrdquo; الفرنسية أمرين معروفين بقوله: ldquo;إن حروب الجيوش النظامية ضد الكوماندوز والمقاومات هي دائماً حروب خاسرة، كما أن من يدخل بلداً على ظهر دبابة لا يمكن أن يكسب قلوب الناس، وبالتالي سيزيد حقدهم وردات فعلهم العنيفة والجذريةrdquo;. وهو إذ يقرر هذه الحقيقة الأخيرة فتعليقاً على تقديره التحليلي لأهداف العملية العسكرية الجارية، إذ يعتبر أنها تجاوزت الادعاء بأنها تستهدف القوى العسكرية لحماس بدليل تعرضها للمدنيين ولمؤسسات الدولة المدنية، ما يعني أن الهدف هو تحويل غزة الى محمية ldquo;إسرائيليةrdquo; بالكامل، مثلها مثل الضفة حيث لا تملك السلطة حرية اتخاذ أبسط قرار إلا بإذن ldquo;إسرائيلrdquo; (والتعبير هو بالحرف لكلين).

أهداف يصفها المحلل ldquo;الإسرائيليrdquo; بالمستحيلة، وبناء عليه يقرر أن اتفاق وقف إطلاق النار هو قيد التحضير.

يبقى أننا إذا ما أخذنا بهذه النتيجة، وما بعدها، فإن السؤال يصبح: هل ستقبل ldquo;إسرائيلrdquo; بالهزيمة؟ أو بالأحرى: هل يمكن لها أن تقبل بالهزيمة، مهما كان حجم الدمار الذي ستخلفه؟

تجربة لبنان قالت لنا إن أسلوب الكيان الصهيوني، هو الانتقال الى ساحة جديدة كلما فشل على ساحة ما. كما أن رؤية واقعية الى ما وصل إليه الصراع في المنطقة، تقول إن معسكراته باتت واضحة ومكشوفة حتى للبسطاء من الناس، وفي أساسها معسكران محددان: لا يمتدان أفقياً بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo; والغرب، بل يمتدان عمودياً داخل العالم العربي نفسه، وبتحالف كل جزء منه مع جهة خارجية، فحرب غزة لا تختلف أبداً عن حرب لبنان، ولا تختلف أيضاً عن حرب المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي ولا عن معركة السودان مع الغرب إلخ... من الصراعات الأقل حدة. كما أنها هي واقع الصراع داخل كل المجتمعات العربية بين القوى المؤيدة للمشروع الصهيوني - الأمريكي وحلفائه في الغرب، وبين القوى الشعبية المناهضة له، صراع لم يعد بإمكان أي من الطرفين التراجع فيه الى الوراء، أو حتى التوقف لأن المسألة هي لكليهما مسألة بقاء. بصرف النظر عما إذا كان بقاء المعسكر الأول يعني استتباب العبودية ونهاية هذه الأمة، في حين يعني بقاء المعسكر الثاني انتصار الحرية والكرامة الوطنية وزوال الهيمنة ldquo;الإسرائيليةrdquo; وفشل المشروع الأمريكي في المنطقة ما سيعني بداية سقوط الهيمنة الامبراطورية الأمريكية.

لذلك لن تتوقف المعركة بانتهاء معركة غزة، أو بإعلان وقف إطلاق النار، والأرجح أن تعود النار الى لبنان وسوريا عبر مسربين: الأول والأهم هو مسرب المحكمة الدولية، التي ستعمد الى توريط أسماء كبيرة، يتم استدعاؤهم الى لاهاي، بما أنهم لن يذهبوا بالتأكيد، فإن الأزمة ستنشب وستكون قوى ldquo;14 آذارrdquo; جاهزة، ومعها أصوات صامتة الآن. أما المسرب الثاني فهو مسرب الضغوط المرافقة والمكملة لهذه المعركة الجديدة، من مثل عودة مسلسل الاغتيالات الى لبنان، وافتعال صدامات جديدة على الأرض. إضافة الى بعض التفجيرات في سوريا، وهنا يمكن أيضاً للجانب العراقي أن يساهم في الضغط باتهام سوريا بعدم ضبط الحدود وافتعال أحداث تفجر هذا الاتهام.

إننا مقبلون على أيام صعبة، في سياق صراع يشتد أكثر فأكثر، ولن تكون غزة آخر أو أصعب حلقاته.