روبرت صامويلسون

إنهم تكنوقراط، درسوا المواد الدراسية التي يملها أغلب الأشخاص. ويتم تعيينهم ـ وليس انتخابهم ـ في المناصب الحكومية العليا، وما يقومون به ليس مفهوماً كما ينبغي. ومع ذلك فإنهم يتمتعون بقوة هائلة، وفي عام 2009، قد يقررون إذا ما كان الاقتصاد العالمي سيتفادى حدوث كارثة مفجعة أم لا. laquo;إنهمraquo; هنا تعود على محافظي المصارف المركزية: laquo;بن بيرنانكيraquo; مدير الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وجان كلود تريشيه مدير البنك المركزي الأوروبي، ومساكي شيراكاوا من بنك اليابان، ونظرائهم من الصين، والهند، والبرازيل، والمكسيك، والعديد من الأماكن الأخرى.

ولم تصبح أدوارهم التي يقومون بها بالغة الأهمية بمثل ما حدث في بداية الثمانينات ـ حيث ضرب التضخم المرتفع الكثير من الاقتصادات المتقدمة ـ أو إبان الأزمة الاقتصادية في الثلاثينات. ومن الملحوظ أن التوسع الاقتصادي العالمي يدور ما بين التباطؤ والتوقف التام. ويتوقع الاقتصاديون في دويتش بنك نمواً هزيلاً قدره 0.2% في عام 2009، وهو الأسوأ عام منذ عام 1980 على الأقل. يُذكر أن النمو الاقتصادي بلغ 5% في عام 2007. وبدون حدوث نمو قوي، فمن المحتمل أن يزداد الركود، وأن يؤدي ذلك إلى دعم القومية الاقتصادية.

ومع انخفاض معدلات الفائدة قصيرة الأجل إلى هذا الحد الكبير، شرع الاحتياطي الفيدرالي في مباشرة استراتيجية تهدف إلى محاولة تخفيض معدلات الفائدة طويلة الأجل، وذلك عبر الشراء المباشر للسندات والأسهم الأخرى التي لا يتم تداولها. وقبل حدوث الأزمة، غير الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة قصيرة الأجل أملاً في أن يتم حذو نفس الحذو بخصوص معدلات الفائدة طويلة الأجل على الرهون العقارية، والسندات. وحالياً، أعلن الاحتياطي فعلياً أنه من المحتمل شراء الأسهم البالغ قيمتها مئات المليارات، والتي تعود إلى الرهون العقارية، والبطاقات الائتمانية، وقروض السيارات، والمشروعات الصغيرة.

وفي غمرة الأزمة، يشير التاريخ إلى وجوب التعاون، فقد أدى غياب هذا العنصر في فترة الثلاثينات إلى عواقب كارثية. ولنتذكر جميعاً إفلاس كريدتانستالت ـ أكبر البنوك النمساوية آنذاك ـ في مايو 1931. فقد كان من الممكن الوقوف دون حدوث هذا الإفلاس إذا ما كانت ألمانيا وفرنسا وافقتا على حزمة الإنقاذ، إلا أنهما لم تفعلا ذلك حينها. ويقول جيفري فريدن ـ العالم السياسي بجامعة هارفرد: في تلك الأثناء امتد ذعر المعاملات المالية البنكية إلى laquo;المجر، وبولندا، وألمانيا، وبريطانيا وباقي أنحاء العالمraquo;.

وتمثل سلاسل laquo;المقايضةraquo; الكبرى بين الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والبنوك المركزية الحكومية الأربعة عشرة الأخرى دلالة على التعاون الحادث حالياً. وتوفر تلك المقايضات البنوك المركزية الأخرى بالدولارات، والتي يمكن بدورها إقراض تلك الدولارات إلى البنوك المحلية. وقد اقترضت الشركات، والمستثمرون، والبنوك في أوروبا، وآسيا، وأميركا اللاتينية مبالغ ضخمة من الدولارات. ومع توقف الأسواق الائتمانية الأميركية، أصبح من الصعب للغاية استئناف الحصول على قروض أخرى بالدولارات.

ويبدو من المشجع أن يعكس تعاون البنك المركزي اتفاقاً سياسياً موسعاً في الرأي. وبعد الاجتماع في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أصدرت دول مجموعة العشرين (والمتمثلة في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، والصين، والهند، وبعض الدول الأخرى الكبرى) بياناً يرفض الحماية، ويتعهد بتقديم برامج laquo;محفزة للاقتصادraquo;.

وحتى الوقت الحالي، هل تعتبر العولمة أفضل أم القومية؟ يوضح فريدن، أن قدراً كبيراً من laquo;التعاونraquo; هذه الأيام يتم عبر البيانات الصحافية، إذ تتفق الدول على المبادئ العامة، ثم تمضي بعد ذلك كل واحدة إلى حال سبيلها. ومثال على ذلك، يعتبر برنامج laquo;المحفزاتraquo; الخاص بألمانيا أصغر بكثير من ذلك الذي تخطط له إدارة أوباما. وبينما تتبرأ الدول وتعلن رفضها لفرض الحماية، ثمة علامات بأن الصين ـ مع الفائض التجاري الضخم لديها ـ من المحتمل أن تخفف من سياسة رفع قيمة العملة لديها. فمن خلال جعل قيمة اليوان أقل، سيكون بإمكانها منح صادراتها ميزة مضافة تتعلق بالسعر. وإذا ما أدرجت الولايات المتحدة الشروط المتعلقة (بشراء المنتجات الأميركية) في أي قانون محفزات، فستنتهج هي الأخرى مبدأ القومية الاقتصادية. وستعمل تلك المخاطر على مضاعفة الضغوط على البنوك المركزية لاستعادة النمو الاقتصادي. ولا يوجد قدر كبير من التعاون بين الدول بعضها البعض نتيجة للمخاوف المشتركة القائمة على النتائج المقبولة علمياً بشأن الكساد الكبير خلال فترة الثلاثينات. ومن المعتقد على نحو كبير، أن التخبطات الحكومية زادت من سوء الركود الاقتصادي. وتبدو الدروس المستفادة صريحة للغاية: لا تجعلوا الذعر يدمر النظام المالي، ويجب على البنوك المقرضة العامة التقدم إلى الأمام في حالة تراجع الخاصة منها. وتبدو مثل تلك الاستجابات مقبولة، إلا أنها سوف تثير سؤالاً مزعجاً: ماذا إذا اتبع هذا الركود سيناريوا مختلفا وأحبط فورة الأعمال النشطة التي تنتهجها البنوك المركزية؟

* خدمة laquo;واشنطن بوستraquo;